عندما يقوم معماريٍ شهير مثل ألفارو سيزا بتصميم أحد المنازل تتهافت المواقع المعمارية للحصول على صورٍ أولية للمشروع، بغض النظر عن العميل، فكيف إذا كان منزل سيزا نفسه… فقد قضى المعماري البرتغالي الأبرز 12 سنة في تجميع الموقع وتصميم المنزل وبنائه… إنها تجربةٌ استثنائية خاضها سيزا لأول مرة كعميلٍ ومعماريٍ في آنٍ واحد.
فكما هو معروفٍ للجميع يحتاج العمل المعماري إلى عميلٍ، ولكن سيزا أدرك مؤخراً وبعد مسيرةٍ مهنية طويلة بأنه بحاجة لتجربة هذا الدور أيضاً، والذي يحتاج -على حد تعبيره- إلى الكثير من الشجاعة، فقد كان عليه أن يقوم بدور المشرف والمنسق ومدير المشروع لتحقيق هذا الحلم، وبالفعل بدأ سيزا العمل في عام 2004، وانتهى منه في وقت مبكر من عام 2005 قبل أن يبدأ البناء في شباط عام 2006، وينتهي في تموز عام 2010.
إذ لطالما رأى سيزا المنزل مختبراً يمثل أحلام قاطنيه ويأتي على خلفيةٍ من الدوافع والأفكار والصراعات التي يعيشها هؤلاء، ولكن في هذا المشروع بالتحديد قام بالاستفادة من هذه المشاكل والتوترات والصراعات وتحويلها إلى أشكالٍ هندسية مجردة حيث ليس هناك مكان للإطارات أو النوافذ الزجاجية التقليدية ليؤكد مرةً أخرى على الكلاسيكية الجديدة.
فقد تم تصميم المساحات الانتقالية والأروقة والمصابيح والإضاءة بالإضافة إلى الأبواب ومقابضها والقضبان وحتى بعض اللوحات والأثاث خصيصاً بما يتماشى مع ذوق سيزا الخاص، إلى جانب العديد من القطع الفنية العائدة للقرن التاسع عشر التي ورثها سيزا عن عائلته، والتي تتناسب مع الجو العام وتكمل العناصر الأخرى بتوقيع موتسارت وليوناردو دا فينشي ومايكل أنجيلو، وتحيط بهذه القطع العديد من التحف الفنية الاستثنائية والتي لا تقتصر على أجواء العمارة الخيالية البحتة.
ولكن حتى العظماء لا يخلو طريقهم من العثرات، فقد رافق هذا المشروع عدة تحديات كان أبرزها صعوبة امتلاك قطعة أرض غير مأهولة وقريبة من الشارع من الناحية المالية، فقد نجح سيزا وبعد ستة سنوات من المحاولات العثور على قطعة الأرض المنشودة، إلا أنه اضطر في المقابل لشراء أرضٍ أخرى بجوار تلك الأخيرة ليبيعها من جديد ويستثمر المال الناجم في تعمير منزله.
هنا لابد لنا من الإشارة إلى أن المشروع قد جاء نتيجةً للعديد من الأهداف المتناقضة التي رافقت عملية إعادة تجميع الأراضي، ويظهر ذلك جلياً بالنظر إلى المقاطع الرأسية والأفقية من كتلة المنزل، ففي الوقت الذي تقع إحدى أجزاء التصميم قبالة الشارع ومواقف السيارات ومناطق الخدمة يندمج المنزل بأكمله مع الحديقة، كما ونلاحظ بأن تصميم أحد الطوابق السفلية يتوافق مع أساسات المنزل، بينما يغطي الغرانيت الطابق الأرضي على نحوٍ يتلاءم والمناطق العامة والاجتماعية، وحتى الطابق العلوي.
ركز سيزا على خلق علاقة حميمية بين الداخل والخارج، وهو ما يظهر جلياً بالنظر إلى الفتحات والأروقة الانتقالية والملاقف التي تنشر الضوء الطبيعي في كل مكان، حيث ينساب الطابق الأرضي ليصل إلى الخارج، بينما يبدو الطابق العلوي وكأنه ينهار فوق الطابق الأرضي من المنزل، وهنا تمكّن معمارنا المميز، بالاستفادة من تدفق المساحات الداخلية إلى الخارج، من تخفيف الضغط عن الداخل والحد من وطأة هذه المساحات.
أخيراً لقد نجح سيزا ومن خلال التجريد الهندسي الصارم في جعل هذا النظام الإنشائي قابلاً للتطبيق، والذي يتلخص ببناء بعض المعينات المرتبطة مع بعضها البعض في زوايا مختلفة، الأمر الذي يعزز من الشكل ثلاثي الأبعاد للمبنى، فقد وجد سيزا النسبة التي أراد، والأفقية التي تمنى، والاتجاه الذي حدده مسبقاً دفعةً واحدة.