يقع هذا المشروع بشكلٍ بارز في قلب Surry Hills وهي إحدى الضواحي داخل مدينة سيدني الاسترالية، والتي يتميز سكانها بالتنوع في العمر والدخل والخلفيات الثقافية، وأيضاً في السياق المعماري مثل الشقق السكنية والشرفات والمحلات التجارية والمباني الصناعية، والتي تختلف من حيث الحجم على الرغم من غلبة الطابع الفكتوري عموماً، حيث نلاحظ بأن الموقع مقيّدٌ على نحوٍ بالغ، ويبلغ فقط 25×28 متراً ومطوّق بثلاثة حوافٍ طرقية وهي شارع Crown Street والشارع الرئيسي لضاحية Surry Hills من جهة الشرق واثنان من الشوارع السكنية في الجنوب والغرب.
وقد تم وضع موجزٍ للمشروع بالتشاور الوثيق مع المجتمع المحلي النشط، وكان النهج الرئيسي الذي نتج عن هذه المناقشات يقول بأن المجتمع يرغب بإحداث مرافقٍ يمكن لأي فردٍ بأن يستفيد منها، فبدلاً من إحداث مجرد مكتبةٍ أو مركز ٍاجتماعي أو مركزٍ للرعاية بالطفل، أصبح من الواضح أنه من المهم أن تجتمع هذه المرافق معاً في مبنىً واحد، وبهذه الطريقة أصبح المبنى بحق مكاناً مشتركاً يستطيع من خلاله المجتمع بأسره أن يلتقي ويستخدم هذه المرافق بطرقٍ مختلفة، ولا ننسى بأن هذا المبنى يشارك وعلى نحوٍ بالغ الأهمية في التمثيل والتعبير عن قيم المجتمع.
وتلبيةً لهذه المطالب قامت شركة (Francis-Jones Morehen Thorp (FJMT الاسترالية للعمارة، بإحداث ظاهرةٍ جديدةٍ من المباني العامة بالنسبة لمدينة سيدني، فهذا المبنى ليس فريد التصنيف، فهنالك العديد من السوابق، ولكنه مبنىً عام هجين..عدة مرافق في مبنىً واحد، حيث يضم هذا المبنى مكتبةً ومركزاً للموارد ومركزاً اجتماعياً ومركزاً لرعاية الأطفال، وكلها في مبنىً واحد متكامل ومتواضع ويمكن الوصول إليه من قبل الجميع.
حيث أصبحت الشفافية هي العنوان العريض وعلى عدة مستويات، الأمر الذي يجعل من الجميع مرحّباً بهم ومدعوون لزيارة المبنى وبسهولة، ولكن وعلى الرغم من أن المبنى مفتوحاً على أنظارالعامة، لا بد لنا من التنويه بأنه ليس مجرد كتلة “شفافة” تقوم بعرض محتوياتها، ولكنه وفي نفس الوقت يمثّل ويجسد قيم مجتمعٍ بأسره، فسهولة الوصول والانفتاح والشفافية والاستدامة كلها عنوانينٌ عريضة كانت الأساس والمحرّك في عملية خلق هذا المبنى.
فقد تعمّد فريق العمل في شركة FJMT ووفقاً لدراسةٍ مبكرة عن المشروع، خلق أربعة عناصر متكاملة جديدة وهي المساحة المفتوحة البسيطة والمنصة بالإضافة إلى الردهة الزجاجية الموشورية الصديقة للبيئة والكتلة الخشبية على شكل حرف U والغير مكتملة وأخيراً مساحة البهو الانتقالية.
أما وعلى الحافة الجنوبية، فقد تم تحويل نهاية الطريق من شارع Collins Street إلى حديقةٍ عامّة متواضعة مصحوبةً بمنصة ٍعشبية مرتفعة، حيث ساهمت هذه المساحة الجديدة بتوسعة وظيفة المبنى والتأكيد على أنه مكانٌ عام.
بينما وبالحديث عن الردهة الزجاجية المدببة والتي جاءت استجابةً للأهداف الطموحة المستدامة للمشروع، وتحاكي في نفس الوقت الطبقات الشفافة والنفس الطموح الذي يخيم على المشروع، حيث تقوم سلسلةٌ من المواشير الزجاجية بخلق واجهةٍ مفتوحة وشفافة تشبه إلى حدٍ بيوت الدمى المفتوحة، بالإضافة إلى مخاطبة المساحة المفتوحة الجديدة على نحو ٍ يتسنى فيه عرض جميع الأنشطة المختلفة داخل المركز بهدف تشجيع المشاركة.
وبالانتقال إلى العنصر الثاني الجديد في المشروع وهو الكتلة الخشبية على شكل حرف U، فنلاحظ بأنه يحتضن الردهة الموشورية الصديقة للبيئة ويتجه نحو الجنوب والحديقة الجديدة الصغيرة، حيث تم صنع هذه الأجزاء الصلبة من هذا الكتلة الخشبية باستخدام أنظمة تهوية أتوماتيكية من شأنها ترشيح ضوء الشمس والتحكم به، كما وقد تم رفع هذه الأخشاب الحارة عن سطح الأرض بهدف خلق الشفافية ولسهولة الوصول.
وبالوصول إلى مساحة البهو الانتقالية إحدى أشكال الانتقال البارزة في المشروع، والتي تتوسط المبنى إلى المقابل من المحلات المجاورة بالإضافة إلى كونها مدخلاً مرحبّاً شفافاً، يسترعي انتباه زائري مركز Surry Hills السقف المميز على شكل سحابة والذي يسمح بدخول ضوء النهار إلى هذه المساحة كما ويمتد فوق الشارع كعلامةٍ للمدخل.
كما ونلاحظ بأن الردهة الصديقة للبيئة قد أصبحت رمزاً للمركز، فهي تحدد وبوضوح المبنى الجديد والمكان العام، فبمجرد النظر من الحديقة الجديدة إلى الواجهة الموشورية ستغدو وظائف المبنى واضحةً وضوح الشمس.
أما المكتبة التي تمتد على الطوابق الأرضية والتحت أرضية، فإنها تضم مجموعة متنوعة من الكتب المعدة للاقتراض وحوالي 30,000 موضوع تتنوع بين كتبٍ عن التاريخ المحلي وبعض المراجع وأجهزة الكمبيوتر المطروحة للجميع، بينما يضم المركز في الطابق الأول مرفقاً وظيفياً يستوعب حتى 125 شخصاً مصحوباً بشرفةٍ مجاورة وغرفٍ للاجتماعات ومطبخاً للتعليم التجاري بالإضافة إلى مكاتب مجاروة لإدارة المركز، وبالصعود إلى الطابق الثاني يقوم مركز الرعاية بالأطفال بتوفير العناية لستةٍ وعشرين طفلاً على مجموعتين من عمر سنة إلى سنتين ومن سنتين إلى خمسة، بالإضافة إلى وجود مساحة خارجية للعب في الهواء الطلق مصحوبة بسقفٍ حاجبٍ للشمس بشكلٍ أوتوماتيكي.
فقد كان أحد الأهداف الرئيسية للمشروع إنشاء معايير جديدة من التصاميم المستدامة الصديقة للبيئة في استراليا ودمجها في المباني المدنية، حيث يضم المبنى العديد من ابتكارات التصميم المستدام، والتي تسعى لدمجها في الهندسة المعمارية والكشف عن إمكانيات هذه الأنظمة ويبدو ذلك جلياً في الردهة الصديقة للبيئة.
حيث تقوم سلسلةٌ من الأعمدة المثلثة المدببة في الردهة بتبريد الهواء الخارجي النظيف، كما وقد تم دمج النباتات المرشحة للملوثات البيولوجية في حدائق النباتات المختارة خصيصاً لتحتل داخل هذه المساحات الزجاجية المغلقة.
وبتكملة الحديث عن المبادرات البيئية الجوهرية في التصميم، فإنها تشمل أيضاً النافذة الحرارية لتصفية وتعديل الهواء والطاقة الشمسية باستخدام أنظمةٍ أتوماتيكية من شأنها ترشيح ضوء الشمس والتحكم به، إلى جانب النسيج الآلي بهدف التظليل، ومجموعة من أنظمة التهوية ومجموعة ضوئية واسعة، وأخيراً السقف الأخضر وثقوب التبريد الحرارية الأرضية، ولا ننسى تقنية جمع وإعادة تدوير مياه الأمطار واختيار المواد المستدامة.
فمن الملفت للانتباه اختيار فريق العمل في شركة FJMT الاعتماد على أنظمة التحكم والإدارة الآلية من نوع BMS والتي من شأنها مراقبة المبنى من الداخل بواسطة شاشاتٍ أتوماتيكية، إلى جانب تعديل فتحات التهوية والتظليل على مدار اليوم بهدف السيطرة على معدلات الحرارة والضوء والظل، والتبديل بين الأضواء وإطفائها عند الحاجة، كما وتقوم أنظمة BMS بمراقبة ورصد آلية عمل الأنظمة الكهربائية والهمائية لتحقيق أقصى قدر من الكفاءة البيئية للمبنى وتحديد أخطاء النظام.
وفي النهاية يمكننا القول بأن المركز لاقى ومنذ افتتاحه استحساناً من المجتمع المحلي، فهو مكانٌ يرحب بجميع الأعمار والفئات الاجتماعية، ويوفر العديد من المرافق التي تجسد قيم المساواة في الحصول على المعلومات والموارد الضرورية لبناء المجتمعات.