النقاط الرئيسية:
١- العمارة والثقافة
الصديق د. عبد الباقي ابراهيم أستاذ التخطيط العمراني بجامعة عين شمس ، والخبير في الامم المتحدة ، كتب في إحدي مقالاته التي نشرت منذ زمن بعيد:
– “إن إرتباط العمران بالثقافة ليس إرتباطاً وجدانياً أو معنوياً فقط بل انه إرتباط عضوى ، ففيه يعيش الإنسان بجسمه ووجدانه معاً ، والتعايش بين الإنسان والعمارة هو تعايش مستمر سواء فى مكان السكن أو العمل أو التعليم او العلاج او الترويح عن النفس، فالعمارة إذن هى حيز يحتوى الإنسان حركته الداخلية أو الخارجية .”
– ” إرتباط العمارة بالثقافة إرتباط علمى يعرفه الخاصة و العامة .. وملتقى العلوم الهندسية فى الإنشاء والبناء وفى المواد والتجهيزات … وهى ملتقى العلوم الفنية فى التأثيث والتنسيق والتكوين والتشكيل. فعلاً انها أم الفنون والحرف والمهن خاصة إذا كانت ملتزمة بالخط العلمي فى تصميمها وتخطيطها .. فأين كل هذا مما يقام أو يقال .”
– “إن العمارة عند المثقفين حضارة تشيّد .. وعند العلماء تاريخ يكتب .. وعند الحكماء كتاب يقرأ ، وعند الحكام صروح تبنى .. وعند المتخصصين إنجاز وإبتكار .. فأين كل هذا مما يقام أو يقال ..”
– رحم الله الاستاذ والخبير العالمي د عبد الباقي ابراهيم وجزاه الخير لأعماله واسكنه فسيح جناته … امين
٢- الجائزة الذهبية لزها حديد
– زها حديد أول امرأة عربية تتقلد الميدالية الذهبية من
المعهد الملكي للمعماريين البريطانيين RIBA Gold Medal 2016 وألقت خطابا لا ينسى عند نيلها هذا الشرف شارحةً فيه مقاربتها المعمارية ورؤيتها المستقبلية.. وَمِمَّا قالت:
– “أنا سعيدة وأتشرف بتلقي هذه الجائزة عن عملٍ لم يكن سائداً ويساء
فهمه بشكلٍ واسع. لذلك أريد أن انتهز هذه المناسبة لأتحدث عن كيف تطورت مهنتي وإلى ما يهدف عملي أن يحققه.”
– يمكن تحقيق أفضل فهمٍ لمهنتي من خلال معالجتها لعملية تاريخية هامة وهي :”عملية تعزيز وإعادة عمران الحياة الاجتماعية في المدينة”.
– أريد ان أشارككم أفكاري حول ما أعتبره الطريقة الأفضل للمضي قدماً في العمارة والبيئة المبنية وكيف يمكن فهم عملية البنّاء علاقة مع هذه المسألة الشاملة.
– العمارة :
“يجب أن تساهم في تطور المجتمع ككل وعلاقتها في ازدهارنا الفردي والجماعي. إنها تؤدي وتسهل حياتنا اليومية. وهذا دور محتلف تماماً عن دور الفن التأملي والتعبيري أو حتى الاستفزازي.
– التجانس مع اللاندسكيب Landscape :
انه أمرٌ مهم للغاية بالنسبة لي واستراتيجيتي تقترح استخدام أريحية الأرض كوسيلة تنظيمٍ مخففة تكون أكثر انسيابية وانفتاحاً من تقسيم الفراغ عن طريق الجدران. وتؤمّن تنوعاً مستمراً بدلاً من انقطاعات تحديد الزوننج Zonong القاسية.
– المشاريع “
يجب أن توضع بشكلٍ سليم ضمن مواقعها وتخدم كنسيج متواصل بدلاً من قلاع مفصولة.
وبسبب هذه النوايا والاستراتيجيات ظهر عملي مختلفاً عن معظم الأعمال الأخرى. أصبح جلياً وخالداً في الذاكرة وبشكلٍ سريع معرّفاً على أنه حاملٌ لتوقيعي الخاص.
ان ذكراك صدقت سيدتي زها العظيمة ان ذكراك ستبقي خالدة أبد الدهر وستبقي افكارك نورا نهتدي به لتحقيق المستقبل وانجاز الحضارة العمرانية التي تحقق السعادة للإنسان وتتناغم مع الطبيعة الخضراء.
٣- اطلبوا العلم ولو في الصين
– تشهد الصين حاليا توجها نحو الثقافة الإيكولوجية باعتبارها ثقافة جديدة، كونها جزءا من الحضارة الإيكولوجية. هذه الكلمات مأخوذة من مقالة بعنوان ((“تأسيس الجمعية الصينية للثقافة الإيكولوجية”))، وهي أول منظمة دولية أنشأت مقرها العام في الصين، ورئيسته السيدة “جيانغ تسه هوي” وهي نائبة رئيس لجنة السكان والموارد والبيئة بالمؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني، كما أنها عالمة رئيسيا بالأكاديمية الصينية للغابات .
– ترى السيدة “جيانغ” أن التنمية المستدامة رمز هام للحضارة الإيكولوجية، وبناء مجتمع الحضارة الإيكولوجية هو الهدف. ومن هذا المنطلق، يجب أن يراعى في تحسين البيئة الإيكولوجية الالتزام بالتنمية العلمية الشاملة المتناغمة والمستدامة، والتمسك بقيم أخلاقية لا تضر بحق الحياة والتنمية للأجيال القادمة، وتعميم قيم التناغم بين الإنسان والطبيعة. إن الحضارة الإيكولوجية يمكن أن تغير حياة الإنسان كثيرا، ويشمل ذلك التربية العلمية والآداب والفنون وطرق الإنتاج وأنماط الاستهلاك والحياة، بل ومفاهيم وأفكار الإنسان .
– وقسمت “جيانغ تيه هوي” الحضارة البشرية الي ثلاث مراحل رئيسية وهي:
– المرحلة الأولى وهي ” الحضارة الصفراء”
هي الحضارة القديمة وحتى قيام الثورة الصناعية الاولى، وكان العصر الحجري أبرز ملامحها، حيث عاش الإنسان في جماعات اعتمادا على أعمال بسيطة مثل صيد السمك وقنص الحيوان. وهي الحضارة الزراعية، التي استمرت عشرة آلاف سنة تقريبا، حيث اخترع الإنسان الأدوات الحديدية، فشهدت قدرة البشر على تغيير الطبيعة قفزة نوعية.
– المرحلة الثانية وهي “الحضارة السوداء”
هي الحضارة الصناعية، التي بدأت في بريطانيا في القرن الثامن عشر، ومعها بدأ الإنسان يعيش حياة عصرية حديثة . غير أن الحضارة الصناعية المستمرة منذ ثلاثمائة سنة، حضارة تقوم بشكل رئيسي على قهر الطبيعة واستهلاك مواردها، مما أفرز سلسلة من الأزمات الإيكولوجية لم تعد الأرض قادرة معها على تحمل التطور التالي للحضارة الصناعية.
– المرحلة الثالثة وهي “الحضارة الخضراء”
لقد بات الإنسان في حاجة ماسة إلى حضارة بشكل جديد، هي الحضارة الإيكولوجية. إذا كانت الحضارة الزراعية حملت لقب “الحضارة الصفراء” بينما سميت الحضارة الصناعية بـ “الحضارة السوداء” والحضارة الإيكولوجية جديرة بلقب “الحضارة الخضراء “.
– تحية وتقدير للعالمة الصينية التي جسدت الحداثة بالحضارة السوداء التي اضرت بالانسان والبيئة وتحية للصين للدعوة الجادة الي تحقيق الحضارة الايكولوجية عام 2070
٤- “الريف أصل العمران والمدن امتداد له” (ابن خلدون)
– يقول ايضا في هذا المجال :
البروفيسور ” إدوين كاستيلانوس”
Edwin Castellanosبجامعة جواتيمالا
” إن البحث والتخطيط من أجل مدن مستدامة لا يمكن أن ينجحا دون تنمية ريفية”.
– تلك هي الدراسات التي تكشف الخطأ الذي وقعت فيه الحداثه لتركيزها على التخطيط الحضري للمدن وإهمالها تخطيط القري بنفس الوقت مما أدى الى مشاكل يصعب حلها حتي لو توفرت الإمكانيات المالية وفيما يلي موجز لتلك الدراسة:
“الفقر في معظمه مشكلة ريفية”:
– يعيش أكثر من 75 في المائة من فقراء العالم بالمناطق الريفية، وستظل غالبية الفقراء تعيش بالمناطق الريفية خلال سنوات طويلة من القرن الواحد والعشرين. وعلى الرغم من أن الإحصاءات الدولية القابلة للمقارنة عن الفقر بالمناطق الريفية تعد محدودة، فمن الواضح أن فقراء الريف في جميع البلدان النامية تقريباً يفوقون في عددهم فقراء المناطق الحضرية، وغالباً ما يكون ذلك بنسبة الضِعف أو أكثر .
– ان مستويات الفقر التي يعاني منها فقراء الريف أشد مما يعاني منها أقرانهم بالمناطق الحضرية، فضلاً عن أن فقراء الريف أقل حظاً بكثير من فقراء الحضر من حيث الحصول على الخدمات الاجتماعية مثل خدمات النظافة الصحية، والمياه النظيفة، وخدمات الصحة العامة والتعليم الابتدائي، وبالتالي يعاني فقراء الريف بشكل متفاوت من الجوع، واعتلال الصحة والأمية. وعلاوة على ذلك، ففي كثير من البلدان يزداد اتساع الفجوة في الدخل بين المناطق الريفية والمناطق الحضرية. ومن الواضح أن فقراء الريف يواجهون عقبات هائلة في كسر حلقة الفقر المفرغة.
– انتهى كلام البروفسور اودوين ، واسمحوا لي ان أضيف بان لنا أسوة حسنه في أفكار ابن خلدون … للأسف لم نهتم بتراثنا الثقافي بل لم نحترمه وها نحن ندفع الثمن غاليا ، فالاهتمام بالريف هو الأصل والمدن امتداد له وهي نظرية صحيحه من حيث المبدأ . والآن بدأت حركة هجرة من المدن الي الريف وخاصة بعد التطور التكنولوجي وظهور الانترنت والأيفون الخ…
٥- صناعة البيوت المستدامة
يقول العلامة ابن خلدون :
“صناعة البناء هي اول الصنائع العمراني واقدمها ، وهي معرفة العمل في إنجاز البيوت والمنازل للسكن والمأوي للابدان ، فالا نسان في تفكيره في عواقب احواله لا بد ان يفكر فيما يرفع عنه ألاذي ، من الحر والبرد كاتخاذ البيوت المكتنفة بالسقف والحيطان من سائر جهاتها” .
– العلا مة ابن خلدون تحدث عن الغلاف الخارجي قبل سبعمائة عام. فالغلاف الخارجي للمباني من اهم مبادئ العمارة الخضراء لتوفير الراحة للإنسان وحمايته من الحر والبرد…
– رحم الله علماؤنا العرب والمسلمين اللذين لم نعطيهم حقهم ونامل ان يسامحونا يوم الدين…
٦- بيان المدن المستدامه
“التفكير محليا ، والتصرف عالميا”
“A Mainfesto for A Sustainable Cities”
By Alhert Speer & Partners
الصفحة رقم 68 السطر الرابع ما يلي:
– ” ليس هناك مدن مستدامة من دون أبنيه مستدامة ، والعكس صحيح …” ويتابع المؤلف “سبير” قائلا أن الهدف هو تعزيز جودة الحياه وتوفير الصحه وضمان ارتفاع مستوى المعيشه. ”
– وبمعنى اخر أن ألَّبيت الأخضر أصبح العمود الفقري للاستدامه. وفي مؤتمر باريس العام الماضي حول التغيرات المناخية حيث تبنى المؤتمر اقتراحات وتوصيات أهمها ان “العمارة الخضراء “هي الحل لتحقيق الاستدامة.
٧- الخلاصة
– عمارتنا الحديثه لا علاقة لها من حيث الجوهر بمفاهيم ومبادىء العماره القديمه وقامت دون جهد البحث العلمي واعتمدت علي جماليات المدرسة الفرنسية المعروفة باسم البوظار Beaux des arts وبدون بذل أى مجهود للتعرف على الخبرات السابقه للعمران القديم الذي صقلته الأيام والسنين ليكون صالحا للانسان والبيئه المحيطه به.
– العماره الحديثه قفزت على تجارب الماضى وأصبحت أسيره التصنيع المادي لدرجه انها أصبحت بعد مرور ثلاثة قرون تسمى الان ” بالعماره المريضة ” مع انها تحمل اسما جميلا . وللعالمة الصينية الحق وكل الحق في تسميتها بالمرحلة السوداء لانها جلبت لنا التلوث البيئي ، وأصبح العالم من التغير المناخي ويحاول معالجة الوضع كما حصل في مؤتمر باريس العام الماضي 2015.
– لكل ما تقدم بدأت أوائل القرن الحالى أى منذ عام 2000 محاولات جاده لإصلاح ما أفسده الدهر من خلال انطلاق أمل التغيير للأفضل والذي أطلق عليه اسم ” العماره الخضراء” او “المستدامة “
– كما حظى التخطيط العمراني على مر السنين بالكثير من النتائج الضاره مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ، وكمثال لا للحصر إعطاء الاولويه للسيارات الملوثه للبيئه على حساب ممرات المشاه المفيده للانسان والطبيعة.
– ان ما نراه اليوم ونلمسه من تلوث للبيئه وللإنسان يدفعنا الى اعادة النظر فى صناعة البناء وفى علوم تخطيط المدن لتوفير الصحه والحياة السعيده للانسان وتقليل مصادر الطاقه الملوثة للبيئه مثل البترول ، واستعمال الطاقه النظيفه والمتجدده .
– ولهذا احببت ان أدلى بدلوى هذا والمساهمة علمياَ وعملياَ فى تبنى حركة الإصلاح الجديده والتخلص من سلبيات الثورة الصناعيه الاولى على العالم وعلى الأخص العماره الحديثه والبدء بالثوره الصناعيه الثانيه النظيفة لإقامة مبانى صحيه وملائمه لكل من الانسان والبيئه معا ، والتى تشبه أساسياتها الى حد كبير ما قامت عليه عمارتنا التاريخيه القديمة والتي كانت بالفعل مستدامة .
– فالعمران الأخضر أصبح بمثابة تكوين ثقافي وأخلاقي يهدف إلى تحقيق التناغم بين البشر وبين الإنسان والطبيعة ، وبين الإنسان والمجتمع، من أجل تحقيق أهداف تتلخص في تحقيق تنمية شاملة وازدهار متواصل لكل البشر.
– إن الحضارة الإيكولوجية قادمة لا محالة وقبل نهاية القرن الحالي لتعود الارض خضراء والسماء زرقاء كما أراد الله لها أن تكون.
مع التحية للجميع
صبحي قحاوش
معماري ومخطط مدن
استشاري عمارة خضراء
فلوريدا / ابريل 2016