هتلر يخطئ والعالم يدفع الثمن

4

“لا فائدة من البكاء على الإناء المكسور”… نصيحةٌ نتوجه بها لجميع اليهود في كافة أنحاء العالم.

فقد بتنا نسمع في الآونة الاخيرة عن صروحٍ وتماثيل لتخليد شخصيات يهودية ولّت وعفا عليها الزمن، ومنذ مدةٍ ليست ببعيدة، تمت كتابة أسماء الجنود الأسرى من اليهود الذين تم اعتقالهم في الفترة الواقعة ما بين شهر أيلول من عام 1943 وشهر شباط من عام 1944 على لوحةٍ خشبيةٍ في معتقلٍ قديم في إيطاليا. أما الآن فقد تم تنصيب منصةٍ إسمنتيةٍ لتحمل أسماء الضحايا حيث تحيط بها مجموعة من الصخور مختلفة الأحجام.

بالعودة إلى تاريخ الحادثة نذكر أنه قد تم سجن هؤلاء الأسرى في مخيمٍ أُعد خصيصاً في إيطاليا، وهو معسكر اعتقال أُنشىء في ثكنة ألبيني السابقة ليضم المعتقلين اليهود الذين كان معظمهم من الأجانب من بولندا والنمسا وتركيا ورومانيا وسلوفينيا بالإضافة إلى ألمانيا واليونان وفرنسا.

كان هؤلاء الأسرى قد فروا من جميع أنحاء أوروبا إلى وديان جبال الألب باحثين عن ملجأ، ولكن القوات النازية كانت لهم بالمرصاد، وبعدها تنقّل الأسرى اليهود، وبلغ عددهم حينها 355، من سجنٍ لآخر ومن بلدةٍ لأخرى، حتى لم يتبق منهم سوى 20 على قيد الحياة.

من الجدير ذكره هنا أن المصممين قد استفادرو من موقع معسكر اعتقال هؤلاء الأسرى، حيث يقع بجوار محطة القطار، إذ كان يتم نقل الأسرى بواسطة عرباتٍ للشحن من المحطة، وتخليداً لذكرى من تبقى منهم، قامت حكومة مدينة Borgo San Dalmazzo بشراء ثلاثة من عربات الشحن هذه، ومن ثم وضعتها في جانب مهمل وعلقت بقربها لوحةً خشبية عليها أسماء المنفيين في محاولةٍ لتخليد الحدث.

ولكن مع الأيام لم يعد لهذه اللوحة أي وجود، وباتت الحاجة ملحة لصرحٍ يخلد هؤلاء المعتقلين، وبالفعل تم تسليم مهمة تصميم صرحٍ جديد في نفس الموقع إلى فريق العمل في شركة INTERREG، التي قامت على الفور بصب قاعدة إسمنتية للمشروع.

حيث تبدو هذه القاعدة بارزةً عن الأرض وكأنها منصةٌ لعرض عربات الشحن القديمة، تحيط بها ضخورٌ بمختلف الأحجام، حيث تم تركيب أحرفٍ ثلاثية الأبعاد مصنوعة من فولاذ الكورتين، وتم رصفها على المنصة لتشكل أسماء العشرين ناجياً.

أما على الأرض فقد تم تثبيت 350 صفيحة معدنية لتخليد المنفيين اليهود الذين لم يستطيعوا العودة من معسكر الاعتقال، وقد تم التعريف بإسم كل سجين وعمره وجنسيته كما ورد عن سجل المعسكر، أما لكل عائلة ترغب بزيارة ضريح فقيدها، فقد تم تركيب سياجٍ معدني آمن ليفصل كل ضريحٍ عن الآخر.

إحدى النقاط الجديرة بالاهتمام، تتجسد باللفتة الذكية التي قام بها فريق العمل في مشروع Sentieri Della MemoriaI بالنظر إلى تلك الأحرف، فقد تعمد معماريو INTERREG صنعها من المعدن، على أمل أن يتغير لونها بمرور الزمن ويصبح بنفس لون عربات الشحن، بفعل الأكسدة.

أما من ناحية إضاءة الصرح، فقد تم تثبيت الضوء على قاعدة كل عمود من الأعمدة التي تحمل أسماء الناجين، بينما تم تركيب سلسلةٍ من الأضواء المخفية، لإعطاء الإنطباع بأن القاعدة ترتفع برفق احتراماً للأرضية، في الوقت الذي تمت إضاءة العربات عند القاعدة بواسطة سلسلةٍ من الأضواء في الأرض لتسليط الضوء عليها.

ولجميع الراغبين في الزيارة، يمكنهم ملاحظة شريطٍ أحمر طويل يمتد من محطة القطار المجاورة إلى مدخل الصرح، حيث يوجد هنالك صفيحة معدنية تخبرنا بتفاصيل الحدث “التاريخي”، قبل الدخول والتعرف على العربات التي كانت تنقل الأسرى عن قرب وبسهولة للجميع حتى من ذوي الاحتياجات الخاصة، إذ تم رصف ممرٍ منزلقٍ خاصٍ بهم.

يمكننا القول في النهاية أن موقع الصرح الاستراتيجي، ما بين محطة القطار والطريق الرئيسية التي تقود للحدود مع فرنسا، قد ساهم في جعله مرئياً وسهل الوصول لكافة العامة دائماً وأبداً.

وقبل الختام نتساءل، هل يا ترى تجدي محاولات التجمل بعمارةٍ جيدة، لتخليد ما هو باطلٌ أصلاً؟

فهذا المشروع يأخذنا بالذاكرة إلى أبناء الشعب الفلسطيني الذين هُجّروا وعُذّبوا وأُخرجوا من أراضيهم على أيدي يهود إسرائيل، ولم يتكبد أحدٌ عناء ذكرهم… بينما وفي المقابل نجد أن أسرى اليهود قد ملأت أسماؤهم الصحف حتى بتنا ننام ونصحو على نداءات واستغاثات الشعب اليهودي لإخراج أسيرٍ واحد، فنحن وحتى الآن بعد أكثر من خمسين عام مانزال ندفع ثمن خطأ القوات النازية، أصلح الله أمرها.

إقرأ ايضًا