استكمال “منتزه الحريات الأربع” في نيويورك

6

على الرغم من تغيُّر العمارة باستمرار مع تطور التقنية وتحولات المجتمع والثقافة، يبدو أن هناك أسماءٌ قليلة لا ينقطع ذكرها على مر السنين لأن أفكارها تستمر في التأثير بأجيال المعماريين في المستقبل. نجد بين أشهر هذه الأسماء المعماري لويس كان Louis Kahn الذي مُنِح لقب “سيد القرن العشرين”، والذي سيكتمل تصميمه لـِ “منتزه الحريات الأربع” التذكاري أخيراً في نيويورك تحت إشراف شركة Mitchell + Giurgola المعمارية بعد فترةٍ قريبة.

سُمِّي هذا المنتزه التذكاري باسم “منتزه الحريات الأربع” تيمناً بخطاب الحريات الأربعة الذي ألقاه الرئيس فرانكلين روزفلت عام 1941، حيث أكد الرئيس الراحل على حريات التعبير والعبادة وحق الحصول على حياة صحية وسلمية متحررة من الخوف في أي مكانٍ من العالم.

وبالعودة إلى عام 1973، أعيد تسمية جزيرة ويلفير باسم “جزيرة روزفلت” تقديراً لهذا الخطاب ذاته، ففي ذلك الوقت، تم حجز الطرف الجنوبي من الجزيرة لبناء منتزه Louis Kahn للحريات الأربع.

وقد بدا من المناسب أن يصمم Kahn هذا المشروع التذكاري، ليس فقط بسبب موهبته الفذَّة، وإنما لأنه مولعٌ بشدة بالرئيس الراحل أيضاً.

بالنسبة إلى خطته للمنتزه التذكاري، يؤكد Kahn على الشكل المثلثي الهائل للموقع، كما يوظف جزأه المنظوري المفروض والمميز. إذ يمكن أن يمشي الزوار على طول الطرقات الممتدة عبر الجوانب الشرقية والغربية من الجزيرة، حيث يمكن لهم أن يتقدموا مباشرةً على امتداد حافة النهر من خلال المتنزَّهات المرصوفة بالغرانيت.

من ناحيةٍ أخرى، تنحدر مرجةٌ خضراء مثلثّة الشكل محددة بصفٍ من أشجار Little Leaf Linden trees المظلِّلة وتحمل اسم “الحديقة”، تنحدر بلطفٍ باتجاه طرف الجزيرة. وبينما ستكون “الحديقة” والمُتَنزَّهات بمثابة مناطق للنشاط، ينتقل كان بسرعة إلى مساحةٍ مخصَّصةٍ للتأمل الهادئ.

أما منطقة “الغرفة”، فهي عبارة عن ساحةٍ عامةٍ مربعةٍ بطول 72 قدم، محجوزة على ثلاث جوانب بأعمدة من الغرانيت بأبعاد 6×6×12قدم، لتتضمن مقتطفاتٍ من نص خطاب الرئيس روزفلت.

في شرحٍ دقيقٍ للمشروع، يقر موقع منتزه الحريات الأربع للرئيس فرانكلين روزفلت (Franklin D. Roosevelt Four Freedoms Park): إن مواد المنتزه هي تلك المأخوذة من مكانٍ مدنيٍّ سرمديٍّ، حيث تم تنظيم الغرانيت والأشجار بحيث تخلق كلاً من المساحة والكتلة. بينما تأتي الزخرفة على هيئة أضواء وظلال. وكما في كافة أعمال خان، هناك استخدامٌ متعمَّدٌ للهندسة الشكلية القوية والعلاقات المحورية التي يخلق تركيبها وإنشاؤها موقعاً راسخاً ومطمئناً وتأملياً. فلدى التواجد داخل المنتزه، يتجلى أمامك الماء والولايات المتحدة والأفق والسماء، وأخيراً الناس المشاركين في التجربة.

لكن للأسف، عندما توفي المعماري كان فجأةً عام 1974، أصبحت خططه للمشروع التذكاري شبه منسيَّة, إلا أن معرضاً أُقيم في متحف الفن الحديث (MoMA) بعد عدة سنوات -عام 1992- أعاد إثارة الاهتمام بهذا المشروع، ومن ثم بدأ الناس يشجعون على إكماله.

نتيجةً لذلك، تبنَّت شركة Mitchell + Giurgola Architects عام 2008 مسؤولية المشروع لتضمن أن يبدو التذكار تماماً مثل ذلك الذي تصوَّره كان، مع إجراء تعديلات طفيفة على بعض العناصر لجعلها أكثر ملاءَمةً لمتطلبات مجموعة القوانين النمطية.

في خطوةٍ داعمةٍ أخرى، رحب كلٌّ من المحافظ بلومبيرغ والحاكم باترسن يوم الاثنين الماضي بالدعم الذي قدمته مؤسسة Granite Foundation Stones لأحجار الغرانيت لدى إنزالها 24 حجرٍ منليثيٍّ -بقياس 12×6×6 قدم وبوزن 36 طن لكلِّ منها- بواسطة رافعة ووضعها على أرض الموقع لتشكيل أساس منطقة “الغرفة”.

وفي تعليقٍ نقلته “صحيفة المعماري” (Architect’s Newspaper)، يقول المحافظ بلومبيرغ: لقد أضفنا مئات الفدادين من أرض المنتزه الجديد إلى مدينة نيويورك في السنوات التسع الأخيرة، ولكن “منتزه الحريات الأربع” برعاية مبنى سكرتارية الولايات المتحدة يمتلك أهميةً خاصةً.

وتماماً كما يعتقد المحافظ، نحن أيضاً نعتبر هذا المشروع أكثر من مجرد منتزه، فهو يذكِّرنا فعلاً بشخصيةٍ هامةٍ جمعت البلاد ووحدتها في مرحلةٍ محوريةٍ من تاريخها. لهذا يستحق المشروع كل الاهتمام والدعم حتى يتم إكماله بنجاح في الوقت والمكان المحددين له، ليشكِّل صرحاً تذكارياً يبجِّل كلاً من الرئيس روزفلت والمعماري كان في آنٍ معاً.

إقرأ ايضًا