جهود المسلمين لتحسين موقفهم بعد 11 سبتمبر يظهر حتى في العمارة

2

لنا اليوم وقفةٌ طويلةٌ على أنقاض 11 سبتمبر لتقريب النظرة لحال المسلمين الذين يعيشون في نيويورك، ولكن من وجهة نظرٍ معماريةٍ هذه المرة. إذ تشتهر نيويورك بأنها المدينة التي تحوي إحدى أكبر التنوعات العرقية والتشكيلة الأكثر اتساعاً دينياً، ولكن ما الذي حل بالمسلمين الذين كانوا يعيشون بأمان في نيويورك بعد أحداث 11 سبتمبر؟

قد لا يخفَ ما عانوه لفترةٍ طويلةٍ من التشكيك بهم وبنواياهم ولكن سرعان ما خبت هذه الحرب الباردة في نيويورك ومنهاتن تحديداً لاعتياد الناس على بعضهم في تلك المنطقة وتجاور دور العبادة اليهودية والمسيحية والإسلامية. ومن المعروف عن أحد المباني المجاورة للبرجين المتهدمين أنه كان مُعداً كمتجرٍ تجاريٍّ للمستأجر السابق Burlington Coat Factory للمعاطف، ولكن تم إهماله بعد الأحداث ليتخذه المسلمين لاحقاً مصلىً لهم. ثم اشترته شركة Soho Properties للعقارات، التي يديرها مسلمون.

وكان أحد المستثمرين في هذه الشركة الإمام فيصل، الذي سعى إلى تأمين مكان عبادةٍ في وسط المدينة كي يتسنى للعاملين في المنطقة المالية الصلاة خلال استراحة الغداء القصيرة، ومن المعروف عن الإمام فيصل عبد الرؤوف أنه كاتبٌ ورجل دينٍ وناشطٍ بارز، فضلاً عن أنه الزعيم الروحي لمجموعة من المتصوفين Cordoba Initiative يقع مسجدها الرئيس بالقرب من منطقة تريبيكا.

وقد شارك الإمام فيصل برؤيته السيد شريف جمال، رئيس مجلس إدارة Soho Properties الذي يأمل لتحسين رؤية النيويوركيين للمسلمين وإعادة ربط عرى التواصل بين الديانات في المنطقة. وكانت فكرتهما بتحويل المبنى إلى مركزٍ ثقافيٍّ اجتماعيٍّ إسلاميٍّ متكامل، يضم مسجداً ومتحفاً ومتاجر متخصصة وصالة محاضرات هدفها المصالحة بين الأديان، ومواجهة رد الفعل السلبي الذي يعانيه المسلمون عموماً، ومدّ يد العون إلى الغير.

وللمشروع نظرته المستقبلية المشرقة التي ستغير من طابع الدمار الذي يلوح على المبنى الحالي، إذ لم يزل منذ الحادثة في حالةٍ يُرثى لها، فمن الخارج، لا يخطر على بال أحد أن ثمة مسلمون يصلون إلى الله خلف مصاريع الحديد هذه الملطخة بالكتابات والرسوم. وعلى الواجهة تكثر بقع الصدأ. كذلك بدأ الطلاء يفارق الجدران. وما زالت تتدلى لافتة تحمل شعار متجرٍ فوق المدخل ، فيما تحمل لافتةٌ أخرى إعلان متجرٍ للإيجار.

أما في الداخل، فتضيء النيونات غرفة الصلاة بجدرانها العارية، التي يتجمع فيها الغبار في كل مكان. لكن سرعان ما تكتظ هذه الغرفة بالمصلين، الشبان منهم والمسنون، العرب والآسيويون والهنود والأميركيون المتحدرون من أصلٍ أفريقي. بل وأغرب ما في الأمر هو جوار المبنى إذ يتاخمه ملهىً إيرلندي ثم متحف التراث اليهودي وعند زاوية الشارع كنيسة القديس بطرس.

ومن ناحيةٍ أخرى، فمن المعروف عن لجنة حفظ المعالم التاريخية في نيويورك Landmarks Preservation Commission بأنها تمنع هدم وتغيير المباني التي يبلغ عمرها الثلاثين عاماً. وهذا ما قد يعيق الخطط الحالية التي تنوي اتخاذها شركة Soho Properties، إذ يقوم مشروعهم على عدة مبانٍ متجاورة دفعت Soho ما يقارب 5 مليون دولار ثمناً لها. وكما ذكرنا أن أحدها كان يضم متجر الملابس السابق على أمل تحويله إلى مركزٍ اجتماعيٍّ في حال لم تعلنه اللجنة علامةً تاريخيةً في المدينة لا يمكن المساس بها.

ويستطرد شريف الجمال هنا بقوله “يوجد تجمعٌ إسلاميٌّ ضخم جداً في هذا الجزء من المدينة، وقد يكون أكبر تجمعٍ في أميركا”. وهذا ما يشرح الإلحاح في الحاجة لإتمام المشروع. إذ يبعد المبنى في Park Place مبنيين فقط عن الموقع الذي كان عليه برجي التجارة يوماً، وهي المنطقة التي تكتظ بالمسلمين في منهاتن السفلى، وهم بحاجةٍ إلى مُصلى دوناً عن بعض المرافق الأخرى.

ويأمل القائمون على المشروع الذي سيشغل مساحة 120,000 قدمٍ مربعة ومن المتوقع له أن يُكلّف 100 مليون دولار بأن يضم مدرجاً يتسع لخمسمئة شخص ومطاعم على الطراز الشرقي، بالإضافة إلى منتجعاتٍ ومرافق رياضية وصحية للعناية باللياقة الجسدية ومركز عنايةٍ نهارية ومرافق أخرى بالإضافة إلى المُصلى. وهنا تكمن المشكلة إذ يُخشى أن يثير المُصلى ما أثاره يوماً مسجد مشروع غراوند زيرو Ground Zero Mosque من ضجة وخلافات.

وهنا يُشير الإمام فيصل أيضاً إلى الخلافات التي حدثت في سويسرا فيما يتعلق بالمآذن، ويوضح موقفه قائلاً: ليست المآذن بالأمر الضروري، ولا أعني أنها ستكون قصيرةً بارتفاع طابقٍ واحد، وإنما أقصد بأنها لا يجب أن ترتفع بشكلٍ بارزٍ مغيرةً منظر المنطقة. بل يجب أن تكون أكثر حساسيةً وتمازجاً مع عمارة المدينة ككل مما يخلق توازناً لطيفاً وإلا تحولت إلى حالةٍ انفصامية.

ويثق الإمام فيصل ومجموعته من المتدينين المعروفين باسم Cordoba Initiative بأنهم في طريقهم لنشر فكرة الاعتدال عن المسلمين وبعدهم عن التعصب، وسيكون المركز الإجتماعي من أولى المبادرات التي ستدمج الناس من كل الطوائف في مكانٍ واحد وتخلق بينهم الألفة والمودة ويقول: تُصبح الفكرة أكثر جاذبيةً يوماً بعد يوم لأنها تعطينا الفرصة بتوسعة نطاق صوت الإسلام المعتدل الي يُشكل الأغلبية هنا.

كما يضع القائمون على المشروع جائزة الآغا خان لتكريم الأعمال المعمارية الإسلامية نصب أعينهم، ويعتبرونها ملهمهم الأول. إذ يأمل شريف الجمال وفيصل عبد الرؤف بأن يجمعا في البناء الجديد الطابع الإسلامي بالعمارة العصرية الحديثة ولمسةً من العمارة الأمريكية، ويعلق الإمام فيصل بقوله: نريد أن نكون جزءاً من أفق نيويورك، وجزءاً من شخصية نيويورك، ولكن بعبق قيمنا الخاصة. فللمسلمين قيمهم التي لطالما أثرت وشاركت بدورٍ مهم في تطور العمارة ونهضتها.

وقد تم تقديم المخططات لهيئة اللجنة المحلية كجزءٍ من سير المشروع، وقد أظهرت الرسوم المبدئية النماذج الهندسية القوية وبعض السماة العربية على البناء. وقد أكد شريف الجمال بأن هذه النماذج ما هي إلا بداية، رغم أن أغلب التصاميم ستعمل على تغييرات في الواجهة وليس في البنية.

ونجد أن عمدة نيويورك والكثير من السياسيين يدعمون المشروع رغم اعتراض أسر ضحايا 11 سبتمبر لتقديم الدعم والعون للمسلمين في هذه المنطقة. ولكن يبقى التحدي الحقيقي في مواجهة هيئة حفظ المعالم التاريخية، إذ يعود تاريخ إنشاء مبنى 45-47 Park Place -أحد المباني المشمولة بالمشروع- لعام 1989 وهو مخزنٌ إيطالي ومن المتوقع أن تقيمة اللجنة كلعلامةٍ تاريخية ولن يكون مسموحاً التعديل عليه في هذه الحالة.

ولكن يحافظ الجمال على مرونة نظرته ويأمل بألا يتم إعلان البناء كعلامة تاريخية، ولكن إن حدث ذلك فهو سيطبق عليه خطةً بسيطة ببناء واجهةٍ تحيط به ولا تمس بنيته الأساسية، رغم أن خطةً كهذه ستعيق تنفيذ كل المرافق التي كانت مدرجة على القائمة. وفي النهاية، يأمل الجميع بإتمام المشروع بكل أهدافه المعمارية والتصميمية وحتى الروحانية فيه، ليكون حقاً مركز تآخٍ وبادرة خير في المجتمع النيويوركي.

ترجمة وتحرير نور محمد الأحمد

إقرأ ايضًا