بناءُ مدرسي يدوي الصنع..في بنغلادش

31

لا يخفى على أحد منا البيئة الخصبة التي تتمتع بها الأراضي في بنغلادش الواقعة في خليج البنغال فهي من أكثر المناطق ذات الكثافة السكانية الهائلة، حيث تبلغ معدل هذه الكثافة بما يقدر بحوالي 1000 شخص في الكيلو متر المربع الواحد، وأكثر من 80% من هؤلاء السكان يعيشون في المناطق الريفية.

كما يعتبر الخيزران الموجود بكثرة هناك المادة الرئيسة المستخدمة في بناء المنازل المحلية في بنغلادش، وعلى كل حال فإن العديد من هذه الأبنية تتبع تقنيات خاطئة عند بنائها وتعوزها الأساسات والمداميك المقاومة للرطوبة، لذا تتطلب هكذا أبنية صيانةً مستمرةً ولكن للأسف بدون جدوى، فهي عرضة للتلف ولن تدوم أكثر من 10 سنوات فقط. ويعتبر التطرق إلى المطامح من هذا المشروع أمراً بالغ الأهمية، حيث راعت Anna Heringer بالاشتراك مع Eike Roswag أثناء تصميمها لمدرسة Handmade School نوعية المعيشة في المناطق الريفية، بهدف كبح جماح ظاهرة الهجرة إلى المدن، إلى جانب أخذ الشريكين بعين الاعتبار عند رسمهم خطة تطوير المباني الريفية، الاعتماد على العمالة الرخيصة الأجر والمصادر المحلية المتوفرة مثل التراب والخيزران.

أما الإستراتيجية الرئيسية للمشروع ككل فتكمن في تطوير ونقل المعرفة والمهارات إلى السكان المحليين لتمكينهم من الاستفادة قدر الإمكان من المصادر المحلية المتاحة، حيث تم تطوير التقنيات المستخدمة في تنفيذ الأبنية التاريخية إلى جانب الاستفادة من المهارات التي تناقلها التجار المحليون.

أما بالانتقال إلى مفهوم التصميم، فقد كان هدف METI عند تنفيذ المشروع تطوير المقدرات والاهتمامات الفردية آخذةً بالحسبان نسبة سرعة التعلم المتفاوتة بين أطفال المدارس والمتدربين إلى جانب التركيز على التعليم الحر والمفتوح بدلاً عن الطرق التقليدية للتعليم المباشر، كما وتعكس عمارة المدارس الجديدة هذا المفهوم بوضوح، وتؤمن مساحات واسعة مختلفة والتي من شأنها المساهمة في تدعيم العلم والتعليم في المنطقة.

ففي الطابق الأرضي ذو الجدران الترابية السميكة، تقبع ثلاثة غرف للصفوف وكل واحدة من هذه الغرف تحظى بممرات خاصة تمكن من الوصول، من خلال نظامٍ عضوي الشكل يشبه إلى حدٍ ما “الكهوف”، إلى الجزء الخلفي من الصفوف، حيث تشغل هذه المساحات المريحة عند الانزلاق العديد من الأطفال الصغار، ربما بهدف اللعب أو الاكتشاف أو حتى الانضمام إلى صفوف المجموعة.

وعلى العكس تماماً، يظهر الطابق العلوي مضاءً ومفتوحاً، حيث تقوم الفتحات في الجدران المصنوعة من الخيزران بتأمين إطلالة شاملة على الأراضي المحيطة، ليتسع المشهد عبر أعالي الأشجار وبرك الماء الموجودة في القرية، وتأتي الأضواء والظلال الناتجة عن أعواد الخيزران لتتلاعب على الأرض وتضفي مشهداً فريداً يتناقض والمواد الملونة لثوب الساري الذي يتوشحه السقف، كما يزود الداخل الهائل الحجم لهذا الطابق المساحة اللازمة لسهولة التحرك.

وبالحديث عن تنفيذ المبنى والتقنيات المستخدمة، يقبع المبنى على أساس قرميدي بعمق 50 سم مطلي بلصوق إسمنتي، حيث يعتبر القرميد من أكثر المنتجات الشائعة في تصنيع الأبنية في بنغلادش، كونها، أي بنغلادش، خالية على الأغلب من المخزون الحجري ويستخدم بدلاً منها الرمل الطيني الذي يتم حرقه في أجران التنور المدورة المفتوحة للحصول على القرميد، ويستخدم هذا في أمور البناء أو يتم تقطيعه إلى قطع صغيرة يمكن الاستفادة منها لصنع أحجار الاسمنت أو حصى الطرقات.

أما بالحديث عن المدماك المقاوم للرطوبة فقد كان إحدى أهم الإضافات لأساسات المبنى المحلي الترابي، حيث يتألف من طبقة مزدوجة من المادة المحلية PE-film، ويظهر الطابق الأرضي على هيئة جدران حاملة باستخدام تقنية مشابهة للجدران المصنوعة من اللبن.

فقد تم صنع مزيج من التراب وكميات قليلة من القش بمساعدة الأبقار والجواميس، ومن ثم تم تكديس المزيج على أعلى جدار الأساسات بارتفاع يبلغ 65 سم للطبقة الواحدة، بينما تم اقتطاع الطبقات الزائدة الجافة من مواد البناء بعد عدة أيام بمساعدة آلات الرفش الحادة، وبعد أسبوع تقريباً من انتظارٍ لجفاف مواد البناء، تم تطبيق الطبقة الثانية من اللبن، أما عند إضافة الطبقة الثالثة والرابعة، تم تركيب عتبات النوافذ والأبواب والدعامات بالإضافة إلى العوارض الدائرية المصنوعة من عصي الخيزران السميكة وجدار مصفح لتنفيذ السقف.

أما سقف الطابق الأرضي فقد تم صنعه من طبقات ثلاثية من عصي الخيزران و طبقة مركزية تم تثبيتها عمودياً إلى أعلى وأسفل هذه الطبقات لتؤمن ثباتاً جانبياً، وبهدف ربط العوارض المدعمة، بينما تم وضع طبقة من ألواح الخيزران على الطبقة المركزية، ومن ثم تم ملؤها بمزيج التراب على نحوٍ يشابه التقنية المستخدمة في صنع السقوف الأوروبية ذات الإطار الخشبي.

وبالصعود إلى الطابق العلوي، فإنه يبدو على شكل هيكلٍ مصنوع من أربعة طبقات من عصي الخيزران مثبتة على الزوايا اليمينية للمبنى بشكلٍ عمودي ومستقيم يصل أطراف هذه الزوايا، كما تخدم النهايات القصيرة للمبنى إلى جانب الدرج بتدعيم المبنى أيضاً، حيث تم ربطها عن طريق الأجزاء الإضافية مع الجوانب العلوية والمنخفضة لعصي الخيزران الرئيسية وتجهيزها بمصداتٍ إضافية للرياح على السطح العلوي للهيكل، لتأتي سلسلة من العوارض الخيزرانية إلى الأسفل من منتصف مساحة الهيكل لتدعم السقف الحديدي المضلع، كما تمت تغطية هذه العوارض بواسطة ألواح خشبية بشكلٍ مرتفع لردء خطر الأمطار الجارية.

أما السطح الخارجي للجدران الترابية فقد بقي مرئياً وتم طلي عوارض النوافذ باللصوق الكلسي، بينما تم استخدام عصي الخيزران في صنع الواجهة الخضراء إلى الخلف ومن ثم تم تثبيتها من الأسفل المصنوع من أنابيب قديمة ولكن ما تزال جيدة بواسطة الألواح الخشبية العمودية على نحوٍ يشبه التعريشة، بينما تم لصق الأسطح الداخلية بلصوق طيني ومن ثم تم طليها بطلاءٍ كلسي.

وهل تذكرون “الكهوف” التي يتزحلق عليها الصغار للوصل إلى صفوفهم، فقد تم إكساء الهيكل المصنوع من عصي الخيزران بطبقةٍ ناعمة لاصقة من القش والتراب قبل أن يتم طليها بالتراب الأحمر، في حين تم إكساء واجهات الطابق العلوي بهياكل النوافذ المغطاة بالخيزران وربطها إلى أعمدة الهيكل.

وفي النهاية تأتي الطبقة الخامسة من اللبن لتشكل حاجزاً حول الطابق العلوي على هيئة منصة ملتفة حول المبنى كما تقوم بتدعيم الطابق العلوي والسقف في وجه الرياح القادمة من الخلف، وفي مشهدٍ مميز للمبنى في الليل، يبدو السقف مضاءً من الداخل، فقد تمت إضاءة السقف الداخلي وتجويفه على نحوٍ يسمح بتهوية السقف الظاهر للعيان.

فبالاشتراك مع شركة محلية تتخذ من العاصمة Dinajpur مقراً لها والتي تبعد عن Rudrapur حوالي 20 كم، تم تنفيذ الأساسات الحجرية لمبنى المدرسة، بينما قام العمال المحليون بالقيام بتشييد البناء الترابي والهياكل الخيزرانية، كما تم تطوير تقنيات البناء الخاصة بابتكار هذا المبنى بالاشتراك مع عدة معماريين وتجار من ألمانيا والنمسا، وتم تدريب الخمسة والعشرين من التجار المحليين بالتزامن مع أعمال البناء بهدف خلق فرص عمل جديدة وخبرات مهنية في نوع من المساعدة بالاعتماد على الذات. وأخيراً تظهر مدرسة Handmade School كأنموذجٍ يحتذى به من ناحية التصميم والتخطيط الجيدين، ابتداءً من موقع المبنى وحتى أدق تفاصيل البناء، وعلاوةً على ذلك، فإن المدرسة المميزة تقدم طرحاً جديداً من استخدام التراب والخيزران بأبسط الطرق تحقيقاً لاستمرارية البناء التقليدي الريفي في البيئة المحلية، وربما لتصبح مستقبلاً مثالاً لكثيرٍ من الأبنية في المنطقة. فقد حقق البناء المميز للمدرسة الفريدة الشروط الأساسية التي يجب أن تتم مراعاتها عند تشييد الأبنية الترابية، وأهمها وجود الأساس المتين واستخدام تقنية المدماك المقاوم للرطوبة، الأمر الذي يجعل من هذه الأبنية تدوم طويلاً دون الحاجة إلى الصيانة الدورية المتكررة.

أما وللراغبين بالحصول على هذه التقنية المبتكرة من استخدامٍ للخيزران في المسافات الأقل بين الدعائم الأصغر، يمكنكم التمتع بها باستخدام أحبال القنب الهندي والأوتاد الخيزرانية.

إقرأ ايضًا