مصممٌ إيطالي حوّل بناءٍ بريطاني إلى آلةٍ لتوليد الطاقة

11

تقدم المعماري Davide Marchetti من روما بمشروعٍ إلى منافسة 36 The Calls المعمارية في روما لتصميم بناءٍ يحوي شققٍ ومكاتب على ضفاف نهر Aire. ولكن مشروع Marchetti الذي كان كتحفةٍ مليئةٍ بالثقوب لم يتم ترشيحه لقائمة الأعمال المقبولة. وسيتم إعلان المشروع الفائز في غضون أيامٍ قليلة.

ويصف Marchetti مشروعه بالتفصيل كالتالي: ترتكز فكرة البناء على تحويل كتلةٍ ضخمةٍ تضم مكاتباً وشققاً ومطعماً ومقهى إلى تحفةٍ ومعلمٍ معماريٍ في المدينة. فبدلاً من التركيز على ضخامة البناء، وتكريس الجهود ليكون مبنىً يذكر في أوساط الصحافة، كان التركيز على بناءٍ مفيدٍ للمجتمع وبعمارةٍ تقترح حلولاً للمشاكل البيئية، وتقوم بنقلةٍ نوعيةٍ تزيد الترابط بين عناصر الجمال والعملية.

إلا أن المبنى يظهر عن بعد غريباً، إذ تنبثق بعض الكتل من قلب المبنى لتطوف فوق النهر، ثم تعود فتنغمس داخله كتلاً أخرى، فيبدو وكأنه مجموعة كتلٍ تتكدس فوق بعضها بأطوالٍ واتجاهاتٍ مختلفة. وتوفر بذلك شرفاتٍ أكثر وأوسع وبإطلالاتٍ مختلفة لكل شقق المبنى. فهذا الذي يبدو من بعيد تكلفاً تافهاً، هو في الحقيقة مقصودٌ وذو أهدافٍ معماريةٍ وجماليةٍ هامة.

وقد تم فصل مناطقٍ في الطابق الأسفل لتكون مطعماً ومقهى تجمعهما شرفةٌ واحدة تطلّ على النهر، وردهةٌ رئيسيةٌ تتوزع منها الممرات باتجاه المكاتب في بقية الطوابق. بالإضافة إلى أربعة مواقف سياراتٍ خاصةٍ بقاطني ومستخدمي البناء قريبةٌ جداً إلى مدخله. أما المكاتب من الطابق الثاني وحتى الخامس فقد تم تصميمها بحيث يمكن لمستخديمها فصلها إلى قسمين منفصلين. كما أن التصميم الضيق للكتل سيناسب أي مخططٍ قد يرغب به المالك لتكثيف مكان العمل.

ويساعد التفاوت في تصميم الواجهة بين ألواح زجاجٍ شفافةٍ واسمنتٍ معتمٍ في خلق نظام حمايةٍ من الشمس للواجهة الجنوبية من المبنى. بالإضافة لكون هذا التفاوت والتصميم الفريد للواجهة قد جعلها متميزةً بين المباني المتاخمة. وتعتمد فكرة تثقيب الواجهة على أبسط وأقدم أنواع الفتحات الصغيرة الدائرية. فهي ثقوبٌ تسمح لأشعة الشمس بالدخول بقدرٍ، ثم توزع الظلال وتتلاعب بالإنارة مع حركة الشمس على طول النهار.

وفيما يتعلق بالمعايير البيئية التي تمت مراعاتها في التصميم، إذ يؤخذ بالاعتبار أن 36 The Calls هو بناءٌ متعدد الاستخدامات، ومن المتوقع من تصميمه أن يتوائم بيئياً وأي تطورٍ مستقبليٍّ قد يطرأ عليه. فقد تم تحقيق فكرة أن البناء اليوم هو طريقنا في تحقيق مستقبلٍ سليمٍ بيئياٌ بمقاييس مستدامة. إذ يتم صرف ما لايقل عن 40% من طاقة العالم سنوياً من أجل التدفئة والتبريد وإنارة المباني. كما أن أكفأ طريقةٍ قد يفيد بها البشر كوكبهم أمام هذا الاحتباس الحراري هو تقليل استهلاك هذا القدر الهائل من الطاقة في المباني.

لذا وبهدف تحقيق درجة حرارةٍ مريحة في مناخٍ دافئٍ تم استخدام تدابير التبريد الغير مباشرة؛ وذلك من خلال استخدام مواد بناءٍ ممتازة وعازلةٍ بتصاميم حديثة. إذ تعمل التصاميم العصرية الآن على زيادة مساحات الظل، والتحكم بالتهوية الطبيعية، بالإضافة لارتفاع الأسقف التي تقوم بالتالي برفع الكتلة الحرارية إلى الأعلى، وهذا ما يقلل من إرتفاع درجات الحرارة بأقل قدرٍ ممكنٍ من استهلاك الطاقة واستخدام الكربون.

وقد راعى تصميم Marchetti عدة جوانبٍ يفخر بها، مثل الاستدامة البيئية، وذلك لأن أهم ما يتصف به التصميم ليكون مريحاً هو قدرته على التحكم بدرجات الحرارة والرطوبة. كما أن الإزالة الفعالة للجسيمات والملوثات الغازية تعتمد على نوعية المواد المستخدمة في التصميم وطرق وتقنيات التهوية، فليس بالأمر الثانوي الحفاظ على هواءٍ نظيفٍ نقيٍّ داخل الغرف والمكاتب.

كما تؤخذ بعين الاعتبار الأنظمة التقنية الفعالة التي تعمل بشكلٍ دائمٍ وعلى مدار ساعات العمل في المبنى للحفاظ على البيئية الداخلية مستقرةً وهادئة. فالاختيار الدقيق للأنظمة والمواد المكونة للأنظمة وأجهزة تكرير الطاقة يلعب دوراً هاماً في زيادة عمر البناء وموارده.

وعادةً ما يهتم المصمم والمعماري بمسألة احتواء المباني مكاتباً بدورة حياةٍ طويلة، فيعمل على موائمة التصميم للتوسع والتطور مع الأيام، وزيادة الاهتمام بمرونة التصميم ليتغير حسب متطلبات مستخدمه. ومن الجدير بالذكر التنويه لكون نظمٍ هندسيةٍ كهذه ستزيد من تكلفة البناء أضعافاً، ولكنها إذا ما تكاملت مع بعضها وتم دمجها مع التصاميم عالية الجودة وموادٍ بخاماتٍ ممتازة، فإنها ستؤدي الهدف منها على أكفأ وجهٍ، وباستدامةٍ سنشكرها عليها في الأيام.

أما أهم طرق التحكم بالمناخ الداخلي للبناء تكمن في واجهته كما ذكر آنفاً، فالتصميم المزخرف المتفاوت بين تقوبٍ شفافة وأخرى معتمة، مع التركيز على ألا تكون كل الواجهات تابعة لنفس التقنية، هو ما قام بعدة وظائفٍ مناخية كالتظليل وحماية المبنى من قدرٍ غير مرغوبٍ به من الشمس وفلترة اللضوء وأشعة الشمس للسماح بدخول القدر المطلوب فقط، أما الواجهات المفتوحة تماماً في المبنى، فقد تم تخصيصها لمكاتب العمل مع تزويدها بزجاجٍ يسّهل التحكم بالهواء والضوء حسب حاجة المستخدم.

ومن أبرز ما يميز تقنيات هذا التصميم هو التحكم بالكتلة الحرارية والإستفادة منها في تدفئة الغرف أو تبريدها. فالقدرة على التحكم بهذه الكتلة يوفر الطاقة لكونه يساعد على إطفاء أجهزة التبريد أو التدفئة طوال الليل كون الكتلة الحرارية ستحافظ على درجات الحرارة ذاتها خلال النهار. كما أنها ستوفر الوقت الذي ستستهلكه أجهزة التكييف لمعاودة رفع أو تخفيض درجات الحرارة وصولاً إلى الدرجة المطلوبة.

أما تقنيات التهوية الطبيعية، فتعتمد على فتح النوافذ في جانبين متقابلين سامحةً للرياح في الخارج بتمرير تيارات هواءٍ تجدد وتنشط هواء الغرف والمكاتب. ويمكننا تقسيمها إلى تهويةٍ ليلية، وأخرى تعتمد على واجهاتٍ ثنائية الطبقات، وتتعاضد التهوية الليلية مع تقنية التحكم بالكتلة الحرارية إذ تعملان معاً على الحفاظ على ظروفٍ مناخيةٍ جيدةٍ في الداخل أثناء الليل، دون الاعتماد على تقنياتٍ ميكانيكية.

كما تساعد درجات الحرارة المنخفضة ليلاً في تحقيق ذلك؛ فتبعاً لكون تحرك الهواء يعتمد على التفاوت في درجته بين البارد والساخن، فإن فتح النوافذ ليلاً سيوفر تدفقاً هائلاً للهواء، ليتناسب طرداً مع الإختلاف الكبير بين الكتلة الحرارية الساخنة في الداخل والهواء البارد في الخارج. وهذا ما يساعد في تهوية الغرف وتبريدها.

أما التهوية المعتمدة على الجدران ثنائية الطبقات للواجهة، فترتكز فكرتها على تجويفٍ بين طبقتين من الإسمنت للجدران، بحيث يعمل انخفاض الحرارة على الأسطح الخارجية وارتفاعها على الأسطح الداخلية بموازنةٍ لدرجات الحرارة الداخلية.

وإحدى التقنيات الإضافية الغير مباشرة المستخدمة لتقليل استهلاك الطاقة في هذا المبنى، هي الأرضيات التي تتحكم أيضاً بتبديل الهواء. وهي أنابيبٌ متوزعةٌ على محيط الأرضيات في البناء كاملاً تقوم بتبديل الهواء وتسخينه وتبريده قبل دخوله إلى الغرف. إذ يتم إخراج الهواء النقي الذي دخل من السقف من أنابيبٍ في الأرضية. وطبعاً يتم تبريد الهواء وتدفئته بطرقٍ طبيعيةٍ تعتمد على درجات الحرارة في الخارج في الصيف والشتاء، كونه سيمر في أنابيب تحت الأرض وستستمد درجة حرارتها من الأرض. وهذا طبعاً سيقلل الاعتماد على أجهزة التدفئة والتبريد.

إن التكامل الذي تحققه مثل هذه التقنيات مجتمعةً هو طموح العمارة في التصدي لمشكلات العصر ولمشاكل المستقبل. فلن يفيدنا شكل المباني وجمالها وفخامتها أمام مشاكل البيئة الملوثة ونضوب موارد الطاقة.

إقرأ ايضًا