ساحات Talca على موعد مع عيد الحب ولكن في أيلول!

4

على الرغم من استفزازية فكرة إنشاء مظلةٍ باستخدام 400 شمسيةٍ حمراء معلقة فوق مركزٍ تجاريٍ جديدٍ للمشاة في مدينة Talca في تشيلي بهدف خلق انطباعٍ بصري لسكان المدينة، فإن هذه الفكرة تعد سابقةً من نوعها لهكذا عروض جريئة في الساحات العامة، والسبب وراء انعدام هذا النوع من الابتكارات هي العروض المعمارية الخلاقة التي تعتمد فقط على الأفكار القديمة التي أثبتت نجاحها فيما سبق، إلى جانب اقتصار استخدام هذا النوع من المنتجات على مطلبٍ دقيقٍ يحدده الزبون، وهذا ما يشرح تماماً ممانعة رجال الأعمال تمويل العروض والأحداث الإبداعية في عصرنا هذا، أو ربما يعود السبب إلى بيئة التنافس المحدودة التي تعيق وتحد من روح الابتكار والإبداع.

ومع هذا كله تم الانتهاء من تنفيذ ورشة العمل هذه وفقاً للوقت المحدد، فقد حاول الستة والثلاثون طالباً خلال خمسة أسابيعٍ فقط تأدية المهمة على أكمل وجه، حيث قام هؤلاء الطلاب بتعديل وتجربة كافة الاحتمالات لبناء المظلة، إلى جانب تخطيط الحدث الذي سوف تجري أحداثه تحت هذا الغطاء وتضمين معرض مرافق للصور الضوئية لتغطية المشاريع الأخرى التي كانت جزءاً من ورشة العمل، بالإضافة إلى النشاطات التي تحدث في كلية العمارة.

كما أخذ الطلاب على عاتقهم مراعاة شروط التنمية المكثفة بهدف الحصول على التراخيص اللازمة والدعم المالي، ولذلك قاموا بتصميم سوقٍ صغيرٍ بقصد تأمين التواصل الاجتماعي بين العامة.

وكأي مشروع فإن هذه السابقة معرضة للتجربة والخطأ، فقد تم إغفال أي خطة لتطوير لتصمد هذه التجربة على المدى الطويل، حيث كان الهدف فقط تجربة أداء هؤلاء الطلاب ومدى مرونتهم ومقدرتهم على العمل بشكلٍ مستقلٍ إلى جانب العمل على تصاميم ومهام مختلفة، كما تمت تهيئة الطلاب لمواجهة كافة العوائق المالية في المستقبل والعمل ربما بميزانية بسيطة جداً.

وعلى الرغم من ظروف العمل القاسية نوعاً ما، حيث تمت مراعاة تسليم المشروع في موعدٍ محدد، إلى جانب صعوبة اختيار موقع مناسب للمعرض، تم اتخاذ القرار بتنفيذ هذه الفكرة مع تسليط الضوء على استقلالية الشكل والمساحة والخطة الزمنية والبناء وهيكل المشروع.

وبالحديث عن موقع المشروع، فقد توجب على الطلاب أن يكونوا دقيقين وحاسمين أثناء قيامهم بالمرحلة الأخيرة من عملية التصميم، أي إحداث هذا الحدث والتركيز على بناء هذه التأثيرات البصرية على نحوٍ يمكن لهذا البناء أن ينقل إلى أي موقعٍ.

وبالإضافة إلى السرعة بتجميع وتفكيك هذا المشروع، فقد تم انتقاء بناءٍ بسيطٍ بوحيٍ من التقنيات الميكانيكية، وأخيراً يجب أن لا يقوم هذا البناء بتبديل أو تعديل أو جلب أي ضرر للموقع المختار، أي باختصار كان الغرض من هذا المشروع أن يتمتع هذا البناء بالاستقلالية عن الموقع.

وبالنسبة للمواد المستخدمة في التصميم فقد بقيت مجهولة الهوية حتى الآن، فقد كان التصميم والمواد جزءان لا ينفصلان عن بعضهما البعض، حيث قامت الدعامات بإضفاء الارتفاع على المظلة، حيث تم استخدامها كروافع لتثبيت الشماسي ليبدو البناء مرفرفاً كقطعةٍ واحدةٍ في الجو دون تثبيته مباشرةً مع الرصيف.

ومن ثم تم تثبيت الأوزان على قاعدة هذه الدعامات لمنع الشماسي من التأرجح، أما بالحديث عن بنية المظلة، فقد تم استخدام الأحبال البلاستيكية كوصلاتٍ تؤمن الشد اللازم للهيكل بهدف الاستغناء عن الكابلات الفولاذية، التي لم تُستخدم إلا في حال الضرورة.

أما التحدي الأكبر في هذا العمل، فقد كان تجهيز هذا المشروع الهوائي واللامادي الخفيف للتركيب في الموقع خلال مدةٍ لا تتجاوز62 ساعة، ليؤمن فيما بعد التغطية اللازمة للأحداث المتنوعة التي تجري تحت سمائه خلال أوقاتٍ مختلفة من اليوم، ويخلق مشهداً مكثفاً متغيراً باستمرار له من التأثير ماله ليبقى في ذاكرة من يراه.

ومن الجدير ذكر أن فكرة التصميم قد جاءت بوحي من طالبي السنة الخامسة Jaime Latorre و Pablo Retamal في كلية العمارة في Talca بإشراف البروفيسور Juan Román، حيث يعد هذا المشروع الطلابي نشاطاً ثقافياً بكل معنى الكلمة استجابةً لرغبة الجماهير المتعددة الفئات والأهواء، من الرقص إلى الموسيقى الحية مثل موسيقى البوب والروك والجاز والتيكنو، بالإضافة إلى ألعاب الخفة والتسلية، التي تم تصويرها من قبل “Registro del Taller de Obra”.

وبالإضافة إلى هذا المشروع، يجري العمل على تنفيذ ثمانية مشاريع أخرى من هذا القبيل، وكل مشروعٍ سوف يكون بعهدة أربعين من الطلاب وبرئاسة بروفيسور وفريق آخر للتنسيق من كلية العمارة، وقد تم الحصول بالمقابل على التراخيص اللازمة من المكتب الثقافي لمدينة Talca.

أما بالحديث عن تمويل المشروع، فقد قامت عدة جهات بتقديم الدعم المالي مثل Inmobiliaria y Constructora Independencia بحوالي 920,000 دولار أمريكي ، Easy S.A 500,000 دولار أمريكي، París S.A 260,000 دولار أمريكي, Universidad de Talca 225,000 دولار أمريكي، أما Rentamak فقامت بتقدمة 30 دعامة، بالإضافة إلى وسائل ومعدات الحماية اللازمة، بينما قامت Prefsenبتقديم 4 طن من الكتل الإسمنتية المسبقة الصنع، في حين بقي الفنانون جنوداً مجهولين، حيث لم يتقاضوا أي أجر.

وبالنسبة للحملة الإعلانية للمشروع عبر النشرات الدعائية وقنوات الراديو، فقد جاءت على نحوٍ مزيفٍ لتخبر العامة عن ظهور أربعة أقسام من المظلات الرمادية، تم تركيبها وتعليقها في الشارع الرئيسي لمدينة Talca باتجاه Plaza de Armas!! أما التحدي الأكبر الذي واجهته النسخة الحقيقية من المشروع، فهو إيجاد 400 شمسية من نفس اللون، على الرغم من انتهاء فصل الشتاء، إلى جانب تخلي اثنين من الجهات الممولة عن دعم المشروع بحجة الميزانية الغير دقيقة، والطقس الغير مستقر، حيث لم يؤخذ بعين الاعتبار الأمطار المتفرقة والرياح، بالإضافة إلى الشكوك حول أداء المظلة، بسبب الافتقار إلى النماذج لهكذا مشاريع والمختصين في هذا المجال، مما عزا بالقائمين على التصميم المبالغة في اتخاذ إجراءات السلامة والأمان.

وقد كانت الخيارات المطروحة للموقع ثلاثة فقط، وهي “Alameda” والتي تقع بالتقاطع مع المسرح المحلي والمنتزه الجديد و“Plaza de Armas.”، كما اعتمد اختيار الموقع على عدة عوامل، منها أن يقع في بيئةٍ معماريةٍ عالية المستوى، أو في منطقةٍ تتقاطع ومناطق المنتزهات أو نقاط الازدحام المرورية وبالأخص أيام العطل الأسبوعية. كما تم الأخذ بعين الاعتبار أن تكون المنطقة قادرة على استيعاب أكبر عددٍ من الناس أي جمهور المعرض الذي يرافقه نشاطات ترفيهية أخرى في المنطقة، حيث كانت هذه العوامل المفصل الذي استندت عليه الشركات الخاصة قبل تقديم دعمها المادي.

وفي النهاية وقع الاختيار على (the first pedestrian mall in Talca)، والذي مايزال قيد التنفيذ فقد تأجل افتتاحه عدة مرات، ورغم هذا فإن اختيار موقع غير معروف من قبل جعل من الفكرة مثيرة للانتباه ومشوقة حتى قبل افتتاح الساحة العامة في Talca، كما تم اختيار الفترة الممتدة بين 12 و14 من أيلول عام 2009 ليكون موعد افتتاح هذا الحدث بالتزامن مع انتهاء ورشة عمل عام 2008، وكون هذه الفترة فترة العطلة الأسبوعية، الأمر الذي يتناسب وطبيعة هكذا نشاطات.

وبالانتقال إلى تفاصيل التصميم الفريد من نوعه، فقد كان طول المستطيل الذي يضم المظلة 14 متر وبعرض 40 متر وبارتفاعٍ يبلغ عند أقل نقطة ما يقدر بأربعة أمتار، حيث ساهمت هذه الأبعاد بإضفاء الطابع العمراني للمعرض.

ومن الجدير ذكره استغراق عملية إفراغ الشاحنات وتجميع أجزاء المشروع حوالي 17 ساعة، بينما تستغرق فعلياً عمليات التجميع والتحميل للأجزاء وتنظيف المكان ما يقارب 4 ساعات فقط، ويعزى ذلك إلى العرقلة التي حصلت في البداية جراء الدرجة المطلوبة من الكفاءة والتخصص لتجميع أجزاء المشروع، خصوصاً بأن مجموعة المنفذين ليست سوى مجموعةٍ من الطلاب ذوي الخبرة البسيطة، أومجموعة أخرى حصلت على هذه الخبرة على عجل خلال العمل في ورشة العمل.

وعلى الرغم من الشرط الواضح لأي بنية معمارية وهو وجود موقع محدد، وهو الأمر الذي يفتقر إليه هذا المشروع، فإن هذا التصميم يتطلب وجود أرضيةٍ فقط لنقل أجزاء التصميم لتعذر وضعها على الرصيف الغير مخصص لهكذا أمور، بالإضافة إلى العلاقة الهندسية بين خطوط الارتكاز لهذه المظلات، التي يجب أن تراعي قواعد السلامة الازمة.

ويتألف كل برجٍ من الأبراج المستخدمة، من ثلاثة دعائم تتبع النظام الميكانيكي، كما تم ربط ستة بكرات مع هذه الأبراج على السطح الأعلى (واحدة عند الزاوية واثنتين في الوسط) بالإضافة إلى لوحين متوازيين من الفولاذ على الوجه الطولاني الخارجي والذي يقوم بمهمتين، كونه الجهة الأفقية للنهايات الأربعة لأربطة كل وحدة، بالإضافة إلى كونه الجهة العمودية التي تضم ثلاثة وحدات والتي تقوم بتشكيل الشكل النهائي.

أما الخطة التي تم اتباعها لتدعيم دعائم هذه الأبراج بواسطة 450 كغ2 من الكتل الاسمنتية، حيث ساعدت على تخفيض مركز الجاذبية وتثبيت ومقاومة شد الشماسي المشكلة للمظلة، كما تم استخدام قطعة من الخشب في أسفل كل دعامة لتجنب الضرر الذي يمكن أن يصيب رصيف الساحة جراء الضغط الكبير، بالإضافة إلى تعزيز الاحتكاك الفعال.

وأخيراً، وعلى الرغم من الكلفة الواحدة للكابلات الفولاذية والأحبال البلاستيكية، فقد تم استخدام المشدات والأسلاك والأوتاد ولوازم أخرى مصنوعة من البلاستيك لتجنب زيادة الكلفة النهائية للمشروع، أما الكابلات الفولاذية فقد اُستخدمت فقط لصنع الأوتاد لصد الرياح، وتم وضعها في زوايا التصميم، حرصاً على سلامة المشاة ومنعاً للحوادث، بالإضافة إلى حمايتها من الأيدي العابثة من العامة.

إقرأ ايضًا