“اقفز على مسؤوليتك الشخصية”

3

“اقفز على مسؤوليتك الشخصية”، بهذه الكلمات سوف يستقبلك جناح بولندا في معرض البندقية المعماري لهذه السنة، حيث على زوار المعرض أن يرموا بأنفسهم قبالة كومة من أقفاص الطيور في بحرٍ من السحب الاصطناعية… لعلها فكرةٌ مجنونة… غريبة… ولكنها على الأرجح استثنائية بكل معنى الكلمة.

فقد أطلقت المعماريتان القادمتان من مدينة وارسو البولندية AgnieszkaKurant و Aleksandra Wasilkowska اسم مخرج الطوارىء أو ‘Emergency Exit’ على الجناح البولندي هذا العام، ويكشف هذا الجناح عن تركيبةٍ غريبة تتكون من مئاتٍ من الأقفاصٍ المعدنية الفارغة تم تكديسها على شكل منصة ٍللقفز، وتحد هذه الأقفاص أجهزة الدخان وأضواء النيون من كل مكان والتي تجعل منها بحق أشبه بمخرجٍ للطوارىء.

فعند زيارتك للمعرض سوف يسترعي انتباهك لافتةً ضوئية كُتب عليها مخرج الطوارىء، أما وعند دخولك سوف تلاحظ وقد تمت إضاءة الجناح بإضاءةٍ ليلية تأخذنا نحو عالم خيالي تفكيكي، حيث يمكنك أن تجرب التسلق على الهيكل المحفوف بالمخاطر وعندما تصل إلى القمة يمكنك أن تنظر إلى الأسفل وتشاهد بحراً متماوجاً من الغيوم، لن تستطيع حينها أن تلتقط أنفاسك وسوف تتسارع نبضات قلبك، وبلحظة سوف تنظر إلى الأسفل لآخر مرة قبل أن تقفز قفزةً عمياء في الفراغ.

بالفعل تركيبةٌ مجنونة تسعى لتجاوز منطق الواقع العمراني من خلال خلق العديد من “الثقوب العمرانية القابلة للحمل”، بين المسافات… بين الشك وعدم اليقين… بين انقطاع الزمان والمكان مثل المباني المهملة أو غير المكتملة… مثل مواقع الكوارث والحوادث وكل تلك الأسواق غير المشروعة وأسطح المنازل والأنفاق، فقد استطاعت من خلال عنوانها أن تشير بسخرية لأنظمة الصحة والسلامة في المباني والساحات العمرانية التي على وشك التنفيذ، علها تقوم بالسيطرة والقضاء على الحوادث العرضية وغير المتوقعة.

وتتألف التركيبة من مجموعةٍ من الأقفاص المعدنية التي تستخدم عادةً لجمع الطيور ومنعها من الطيران لخلق نوعٍ جديد من الرياضة الخيالية في السياق العمراني، حيث يشير التصميم إلى الصروح الرياضية المتدهورة مثل حلبة القفز في وارسو المعلم السرياني من الحقبة الإشتراكية المعمارية والتي هي الآن في حالة خراب تام.

يمكن للزوار خلال مرحلة الاختبار التسلق إلى الأعلى ومن ثم القفز على الغيوم الاصطناعية والتي تمثل في نهاية المطاف الحرية والهروب من واقع المناطق العمرانية التعيس، من جهته يمثل الجناح البولندي هذه السنة مختبراً بمقدوره أن يستحث الجمهور ويثير استفزازه ويجعله يشارك في التجربة الاستثنائية، وأخيراً سوف يتم توثيق كل هذه التجارب ويتم تقديمها في داخل الجناح.

لقد استطاعت التركيبة أن تفسر المدينة كنظامٍ معقدٍ لا يمكن التنبؤ به، والذي يتكون من تقاطع مسافاتٍ حقيقية وأخرى خيالية تتغير تبعاً لأحداث نادرة للغاية، وتؤكد من جهتها وجود تسعة أشياء من عشرة غير مرئية وغير ملموسة تؤثر في سلوكنا وتفكيرنا ويكون بإمكانها أيضاً أن تغير شارعاً أو مدينةً بأكملها، ولذلك ليس بمقدور المعماريين والمخططين التنبؤ بدقة بجميع الاحتياجات والتحولات التي قد تتعرض لها المدينة، وفي حال وجود خطة رئيسية جامدة وقطعية لدمج الاحتياجات الناشئة والتغييرات سوف تفقد المدينة توازنها لا محالة.

في المقابل يمكننا أن نرى مخرج الطوارىء هذا كجهازٍ هجين من شأنه التحول لمعالجة حقائق أخرى وتحليل نظام المدينة، إنه فتحةٌ قابلة للحمل نحو المجهول محفزة لشتى العواطف على تناقضها، فمن خلال نقطة التحول هذه بإمكان الناس ملء فراغاتهم العاطفية وحتى أفكارهم ورغباتهم، إذ ترى المعماريتان لحظة القفز وكأنها مخرجٌ من القالب العصري للعمارة حيث تم تجاهل المساحة العاطفية على اعتبارها مجرد حلية قديمة.

بل أكثر من ذلك إنها نشاطٌ يحقق الحاجة والرغبة في فقدان السيطرة يمكن للمرء من خلاله تحرير نفسه بدنياً ومجازياً من النظام الحالي… من النموذج المهيمن… من المنطق… من الحالة التي يعيشها والخروج بكل بساطة.

يتبنى المشروع نهجاً معمارياً وعمرانياً بمقدوره عكس منطق الواقع العمراني المفروض، واحتضان ظواهر غير معروفة من المدينة وتقديم أكبر قدرٍ من المرونة للنسيج العمراني من خلال دمج الفجوات والثغرات وبالتالي فسح المجال أمام الناس لتطوير قدراتهم الفردية وطرح مزيد من أنشطة التنظيم الذاتي.

يُذكر أن المشاركة البولندية في المعرض العالمي للفنون الثاني عشر المقام في البندقية تأتي بدعمٍ مالي مقدم من وزارة الثقافة والتراث الوطني في جمهورية بولندا.

إقرأ ايضًا