نوعٌ جديدٌ من المدن يظهر في فنزويلا

7

خبرنا اليوم يأخذنا إلى فنزويلا هذه المرة فقد تم مؤخراً تصنيف شركة Desitecture المعمارية البريطانية من بين عدة أسماء بارزة استطاعت الوصول إلى المراحل النهائية في مهرجان الهندسة المعمارية العالمي عن فئة المشروع التجريبي المستقبلي عن تصميمها لمشروع المدينة العمودية في فنزويلا.

فقد تم تصميم ضاحية 23 de Enero مسبقاً لتصبح في المستقبل إحدى أهم التجمعات السكانية لأبناء المدينة ليتمكنوا من العيش والعمل فيها على حدٍ سواء، فقد عانى سكان تلك المنطقة في تاريخ 23 كانون الثاني من عام 1958، وهو اليوم الذي يصادف ذكرى الإنقلاب العسكري الذي أطاح بالرئيس جيمينيز، من تشردٍ وفقدانٍ لمنازلهم، ومنذ ذلك الحين بات يُطلق عليها اسم 23 de Enero.

بهدف التعامل مع التهديد بالانعزال أصبح الناس أكثر تنظيماً وتم تشكيل شبكات لتدعيم الإتصالات في داخل الأبراج التي أصبحت بدورها مجتمعات صغيرة قائمة بذاتها، حيث أدرك القائمون بأنه يستحيل أن نترك للأجيال القادمة مستقبلاً آمناً من الناحية المادية دون دعم الفقراء المحتاجين وتمليكهم الأرض التي يعيشون عليها.

وقد جاء مشروع المدينة العمودية أو Vertical City ليدعم هذا الواقع ويعطي قيمةً للأرض التي لم يكن لها أي قيمة في السابق، وبات الخيار بأيدي أصحاب الحق حيث يمكنهم الإقامة في الوحدة الجديدة داخل البرج الذي يمثل من الآن مجتمعاً اقتصادياً مصغراً يمكنهم الإستفادة من حصتهم فيه أو حتى الإنتقال بشكلٍ نهائي، وعلى الرغم من أن هذا الأمر سيكون له أثره الكبير في تفكيك المجتمع الحالي، إلا أنه سيخلق صلاتٍ اجتماعية واقتصادية جديدة.

كما وسوف تصبح الأراضي المستصلحة متوفرة منذ الآن لكافة المشاريع الزراعية والتجارية التي من شأنها تعزيز قيمتها الاقتصادية وتأمين إرث جديد للسكان السابقين، من جهة أخرى بمقدور هذا البرج توفير فرص عمل للقاطنين وحصد مكاسب ومنتجات جديدة فضلاً عن تعزيز خطوط النقل والمرافق وتحويل البرج إلى منطقة اقتصادية جديدة كلياً.

نأتي الآن إلى تفاصيل التصميم، إذ تكشف كتل المدينة الثلاث عن العديد من النشاطات المنفصلة والمتصلة في آن واحد، وتضم هذه النشاطات جامعةً ومحالاً لبيع للتجزئة وفنادق وشققاً سكنية وسكناً اجتماعياً والعديد من مكاتب الإدارة المحلية.

ويعتبر هذا البرج كنايةً عن أسلوب معيشةٍ عمرانيٍّ حقيقي، تجتمع فيه كافة عناصر العمل والترفيه والسكن والهوية الاجتماعية، وأما الوصول من وإلى البرج فيأخذ أشكالاً كثيرة، مثل التلفريك والطائرات المروحية وسيارت الأجرة المائية والمترو.

وبما أنها مدينةٌ متكاملة لم ينسى المصممون أهمية المرافق الترفيهية، ففيها العديد من الحانات والمقاهي والمطاعم التي تحظى جميعها بإطلالةٍ ساحرةٍ من أعلى البرج، والتي يأمل معماريو المكان أن تصبح مقصداً في حد ذاتها على مدى الأربع وعشرين ساعة، ليطرح البرج بذلك ثقافة أكثر انفتاحاً في أيدي الجميع.

تشبه كتلة البرج المكون من 180 طابق إلى حدٍ كبيرٍ الملعقة المطوية، حيث تتألف هذه الكتلة من ثلاثة كتلٍ بيضاوية الشكل على شكل “كؤوس”، وتدعمه من الأسفل أعمدة على شكل ساقين، وتبرز هذه الكتل عن بعضها البعض ليبدو البرج على شكل ظفر، ولكنه في الواقع مجرد كتلةٍ بسيطة تبرز فيها الكتلة أو الكأس عن البقية، أما بالحديث عن دعائم البرج فإنها تضم العديد من الأُطر العمودية والمائلة وتكشف عن العديد من الخدمات.

ويسترعي انتباهنا بالنظر إلى الطوابق الأربعة والخمسين الأولى وجود العديد من الحدائق المتداخلة، أما وإلى الأسفل من البرج فيوجد هنالك أربعة طوابق لرصف السيارات على مساحة فسيحة، والتي تندمج ودعائم البرج المكدسة وكأنها قاعدة له، في حين يكشف داخل البرج عن شبكةٍ قطرية تطوّق الوحدات السكنية.

يستقي التصميم شكله من برج بابل، الذي يعتبر قدوةً للكتل هرمية الشكل ولكنها كثيفة هنا مع فارقٍ بسيط، إذ تعمد معماريو Desitecture التركيز على الإضاءة والتهوية الطبيعية والسماح بإقحام سلسلةٍ من الشوارع والساحات، مما سمح بتطوير أساليب ومجتمعات متميزة للعيش، ويدعم هذاالمفهوم شكل القطع الناقص للبرج، والذي فسح المجال أمام العديد من المناطق بالظهور فضلاً عن خفضه نسبة الآثار الجانبية التي تلحق المباني الشاهقة بفعل الرياح.

وبالعودة إلى دعائم البرج فإنها تكشف عن العديد من الخدمات، مثل السلالم والمصاعد التي ترتبط مع بعضها البعض من خلال منصاتٍ ساحرة من الحدائق والمنتزهات، وتخدم هذه الحدائق بدورها كوحداتٍ زراعية توفر على مدار السنة مصدراً دائماً للغذاء والترفيه، كما وتحظى كل كتلة أو “كأس” بحديقتها الخارجية الخاصة فضلاً عن العديد من الجسور الداخلية التي تيسر الانتقال عبر المساحات الداخلية المكشوفة، بينما تقوم الفتحات الكبيرة بإدخال الضوء إلى المساحات الداخلية، توفر الطبيعة الجوفاء لكل كتلة التهوية الطبيعية.

من جهةٍ أخرى فإن كل كتلةٍ من كتل 23 de Enero الثلاث تتمتع بطابعها الخاص من حيث الغطاء النباتي والحياة البرية المكشوفة، وتصحبها شرفة حديقة خضراء والعديد من النباتات الخضراء التي سوف تغمر المكان مع الوقت.

بالوصول إلى كسوة البرج نجد بأن العناصر الخارجية هي عناصر خفيفة الوزن مسبقة الصنع تغطي الكتلة الجوفاء على شكل شعبٍ مرجانية، والتي تضم العديد من التوربينات الصغيرة التي ستقوم بتوليد الرياح إلى جانب توفير الطاقة لزيادة أداء لوحات تجميع الطاقة الشمسية، الأمر الذي سينعكس خيراً على الداخل ويعزز من إنتاجها للطاقة.

أخيراً وعندما يحل الليل يبدو البرج يحوم فوق الأراضي الطبيعية في مشهدٍ خلاب، حيث تبدو أجزاؤه المتباعدة وكأنها تدور حقاً سامحةً لقاطنيها بإطلالةٍ رائعة وفرصةٍ للحلم.

إقرأ ايضًا