تكريم الحديقة الصينية في معرض العمارة العالمي في البندقية

3

كجزء من الجناح الصيني في هذه السنة في معرض العمارة العالمي الجارية أحداثه في البندقية قام استوديو pei zhu بتصميم وتنفيذ تركيبةٍ في الهواء الطلق تهدف إلى إعادة تفسير واستكشاف الحديقة الصينية التقليدية ومفاهيم المساحة من خلال الأساليب المعاصرة والمستقبلية.

وتتألف حديقة yi الواقعة في فناء خارج المبنى القديم من أكثر من 1300 قضيب إكريليكي بارتفاعات متفاوتة ومرتبة في نظامٍ شبكي في الحديقة، ويمكن للناظر من بعيد أن يرى هذه القضبان الرملية ذات الأطراف المضاءة على شكل سحابةٍ تبدو للوهلة الأولى وكأنها تطفو فوق الأرض.

كما ويكشف الجناح أيضاً عن مساحات فسيحة عديدة فضلاً عن مساحاتٍ أخرى من شأنها تعزيز حركة هؤلاء من يدخلون إليه ويتفاعلون مع القضبان، من جهةٍ أخرى تمت هندسة المناظر الطبيعية بوحيٍ من اللوحات الصينية والخط الصيني التقليدي، حيث نلاحظ بأنها غالباً ما تحجب الأفق من خلال تجنب الخطوط المستقيمة في الممرات واستخدم الأشكال العضوية والجيولوجية بدلاً عنها.

ونقصد بتعبير yi ما معناه “معنى أو فكرة أو رغبة” ولكنها ترتبط إلى حدٍ ما بالمفهوم الذي يسبق الحقيقة الواقعية والانتقال من الإسمنت إلى المجرد ومن الكتلة الخفية إلى تلك المرئية، وقد استطاعت هذه التركيبة باستخدام المواد الحديثة والتجريدية أن تطمس حدود الشكل والمساحة وبأن تخلق توتراً بين غير الواضح والمتميز، وتصبح في نهاية المطاف دعامةً في علمية إضفاء الجاذبية على الشكل وأكثر من ذلك لتصبح كائناً في حد ذاته.

ونأتي على إيحاءات الحديقة إذ تشتهر الحدائق الكلاسيكية الصينية بوجوب وجود تدفقٍ روحي وراء الكتل المرئية، وهنا نلاحظ وجود “اتجاه” وراء هذه الكتل المتفرقة والهادئة، والتي تتخذ على عاتقها بشكلٍ عام ضبط الطرق والكتلة وعرض كل موقع، ويشترك هذا الاتجاه والخط الصيني بالعديد من الصفات المشتركة، كما ويوجد وهناك أيضا “اتجاهٌ” يسيطر على التدفق الروحي أو يوقفه ببساطة كما يقوم الناس برسم الأحرف الصينية.

الرمز الآخر الطاغي على حديقة yi هو شكل الغيم، وهنا لا بد أن نذكر بأن الممرات والجسور والأكشاك والأجنحة ما هي إلا عناصر رئيسية في البستنة الطبيعية الصينية التقليدية، نظراً لقدرة هذه العناصر على إعطاء الناس شعوراً بالراحة والشفافية، وعادةً ترتبط هذه الأجزاء مع بعضها البعض بسقفٍ واحد مما يخلق العديد من المساحات المتنوعة والهرمية.

وفي شرحٍ فلسفي عن التجربة الصينية المعمارية يعلق معماريو pei zhu بقولهم “تتخذ معظم أعمالنا من الصين مقراً لها، وبالتالي فإنها تتأثر بالتجربة الصينية، حيث مازالت هذه الحضارة القديمة تحتفظ بوجود قوي لها في البيئة العمرانية وفي النظام الثقافي الجماعي، ونحاول في جميع أعمالنا بلا استثناء إشراك المشاهد الصيني في الحوار القائم حول التحولات في الهوية الثقافية الخاصة بالشعب الصيني.”

يلاحظ الدارس في العمارة الصينية بناء مبانٍ جديدة بجوار المباني القديمة في المناطق الأثرية، فالفلسفة الصينية تجزم بأن الفن ليس هو الهدف النهائي وينحصر دوره بصقل وتطوير النفس البشرية، أما اليوم فقد جاء تصميم pei zhu ليعكس هذا الوجود الثقافي الهائل باستخدام تقنياتٍ وموادٍ معاصرة من شأنها إعادة التفكير في النهج الثقافي للعمارة.

إذ لا يخفى على أحدٍ يعمل في مجال العمارة التعارض القائم بين الحداثة ومسار الحياة التقليدية، فقد أدت الحداثة إلى وجود شرخٍ بين الإنسان وروحه، ومن جهةٍ أخرى لا يمكننا أن ننكر دور المعارض الفنية في صقل وإلهام الروح البشرية والتخفيف من الغزو المادي وإعادة التوازن إلى النفس.

فالفن هو المضمون الروحي للمساحة والذي بمقدوره أن يثير المشاعر ويوقد الأحلام البشرية، ويرى معماريو pei zhu بأنه على البشر وبدلاً من أن يكونوا حريصين على احتلال المساحة إعادة المباني إلى الطبيعة عندما تكون هذه المباني شاغرةً وجعلها تذوب في الطبيعة بانتظار استراجعها مرة أخرى عند الحاجة إليها، فالتحدي يكمن هنا في ربط الهوية التقليدية للمبنى مع المستقبل.

إقرأ ايضًا