منزل الجسد

2

قد يكون أول سؤال يتبادر إلى ذهنك وأنت تنظر إلى هذا المنزل… كيف يمكن الدخول إليه؟ بل كيف يمكن الخروج منه؟

فقد يتهيأ لك بأنك تنظر إلى لوحةٍ تجريدية متشابكة لا تعرف بدايتها من نهايتها.

ارتأى فريق مونولاب في تصميم Body House أو “منزل الجسد” أن يطرح الشكلية في المنازل الهولندية التقليدية -التي استقت جذورها من منطقٍ اجتماعيٍ بحت- جانباً؛ فعادةً ما تختبئ الواجهة في المنازل الهولندية التقليدية، ويبرز الداخل البرجوازي وكأنه مزارٌ لقديسٍ ما، بينما تسمح الجدران المزركشة بإطلالة منخفضة على الشارع من الجهة الجانبية.

وهنا اتكل المعماري بدلاً منها على مبادئ التصميم الروماني؛ حيث يتم تنظيم المنزل بأكمله حول الردهة الفارغة، بالإضافة إلى المنازل المعاصرة التي تفتقر إلى السياق عادةً، معززاً من عامل الانطواء نحو الداخل، وذلك من خلال تجويف مركز المنزل حول أحد العناصر المنزلية المحددة مثل الدرج أو التراس أو الموقد، وهو ما يرمز إلى أهم وظيفة في المنزل.

إذ يمكننا أن نرى منزل الجسد هذا وكأنه لغزٌ طوبولوجي من العناصر المنزلية المعمارية التي تشهد تجاوراً مجازياً، وهو شيءٌ عادةً ما نراه في العمارة الهولندية المعاصرة، كما هو الحال مع مشروع Kunsthal من تصميم رم كولهاس مؤسس شركة أوما العالمية.

حيث فضّل العملاء هنا النوعية المكانية على الأمتار المربعة، وهو ما عزا بفريق العمل التركيز على جعل غرفة الطعام والمطبخ القديم الذي يعود لأكثر من 25 سنة قلب المنزل، الذي يمتد بدوره ما بين الجدران الخارجية، والقيام بتأطيره لإعطائه سياقاً اجتماعياً ومكانياً وهيكلياً، ومن ثم جعلوه ينمو في الجسد/المنزل، وأعطوه كسوة وكأنه كائنٌ حي يضم السكان.

بكلماتٍ أخرى لقد تم تشويه هذا الجسد لإنشاء الصفات المكانية المختلفة حوله، لتغيب الحدود ويظهر الجسد على شكل مثلثات لاستيعاب مختلف الحواف والأطر، التي تقوم بتحديد المساحة المحيطة به، أما وللحفاظ على الفراغ في مساحات المعيشة فقد تم إخفاء كافة الوظائف الأخرى مثل الحمام والمرحاض والخزانة والتركيبات، بالإضافة إلى الدرج ومسارات الكابلات ناهيك عن أنابيب المياه وقنوات التدفئة والتهوية.

وقد تلاحظ عزيزي القارئ بأن هذه التعددية العمرانية تحاكي وبقوة “الخطة الثلاثية” الكلاسيكية، التي نراها بشكلٍ واضح للغاية في أعمال لويس سوليفان، عراب ناطحات السحاب في العالم، حيث يتألف المبنى من ثلاث أقسامٍ رئيسة؛ القاعدة الإسمنتية التي تتألف من المدخل وغرفة النوم مع الفناء، إلى جانب الكتلة الخفيفة على أعلى المبنى، والتي تضم تراساً على السطح وخيمة من النايلون، وأخيراً الجسد الذي يربط الكتلة العلوية والقاعدة.

إن هذا الانقسام المستمر الذي يتميز به المنزل بسيطٌ ولكن معقد… مكرر ولكن مؤثر… جامد وواضح… وتتبع هذا المخطط أيضاً شرفة السطح الطليقة والمضاءة من جهة والمرنة والرقيقة من جهةٍ أخرى، على نقيض القاعدة الإسمنتية الانطوائية والمظلمة والثقيلة.

نقطة أخيرة جديرة بالملاحظة هي الأجزاء الخشبية الأربعة التي تربط المنزل مع العالم الخارجي، من باب المدخل الدوار وباب الفناء في غرفة النوم، وصولاً إلى نافذة التراس فوق هذا الفناء واللوح الجدراي المنزلق الذي يسهل الوصول إلى التراس على السطح، وأخيراً قام بدفع الواجهة الأمامية وسحبها من خلال الجسد لتأطير المشهد من ثلاث جهات مختلفة هي الحديقة والنهر وسماء روتردام.

ويمكننا القول بأن فريق مونولاب قد نجح بكل جدراة بتعزيز التوزيع العمودي، باعتباره نزهةً معمارية من الطابق الأرضي إلى سطح الجسد الذي ابتلع حتى الدرج، الذي بات بدوره خفياً وكأنه عضوٌ من أعضائه الداخلية.

إقرأ ايضًا