فندق المدينة الفاضلة

19

قد تكون مجحفاً بحق Museumotel فيما لو نظرت إليه على أنه مجرد فندق عادي، فهذه الكتل البيضاء الدائرية التي تتوسط إحدى الغابات شمال شرق فرنسا، وكأنها منازل هاربة من قصص الحكايات، سوف تستثيرك على الأكيد لأن تتوغل إلى الداخل وتتعرف على أصول الضيافة على الطريقة الفرنسية.

فلم يقف إبداع المعماري باسكال هاوسرمان حد تصميم تلك الكتل الأشبه بفقاعات، فما خفي وراء أبواب Museumotel المقنطرة كان أعظم، فما إن تدخل الفندق سوف تستقبلك أدراجه المقوسة وصولاً إلى غرفتك، وهناك سوف تطوقك نوافذ دائرية عملاقة وتظللك أعمدة متساقطة هنا وهناك، وكأنك في منزلك!

فقد أراد هاوسرمان أن يشعر زوار الفندق بألفة وحميمية داخل جدارن تلك الفقاعات، ولم تكن النية مجدر عملية تجديد والسلام، كما يحدث عادةً، فبدوره M. Thierry، وهو مدير إحدى الفنادق في Raon l’Etape (مقاطعة صغيرة في Lorraine)، استطاع استشفاف تلك الرغبة بعد قراءته لمقالة كتبها هاوسرمان نفسه في العام 1965، حيث اقترح فيها خريج جامعة جنيفا آنذاك نوعاً جديداً من المساكن الرخيصة والسريعة مصنوعة من الإسمنت تدعى “منازل الفقاعات”.

وهي ليست المرة الأولى التي يقوم بها هاوسرمان باقتراح أنماطٍ جديدة للسكن، فلطالما اشتهر بولعه بتنظيم وتخطيط المنازل السكنية على نحوٍ غير مألوف، ولكن منازل هذه المرة كانت غير كل مرة، فقد جمعت تلك الفقاعات ما بين حميمية المنازل وما بين خصوصية الفنادق، إذ أراد M. Thierry خلق ما يشبه “القرية الصغيرة” على نقيض الفنادق التي انتشرت في تلك الفترة.

وبالفعل استجاب هاوسرمان لمطالب المالك وشرع بتصميم سلسلة من الأكواخ المقببة وعددها تسعة منفصلة عن المبنى الرئيس ومحاطة من كلا الجانبين بنهر La Plaine، وشهد عام 1966 (العام الذي افتتح فيه فندق de l’Eau Vive) إقبالاً شديداً من الزوار من فرنسا وخارجها، ولكن للأسف قام M. Thierry ببيع الفندق في عام 1980، وذهبت منازل هاوسرمان ضحية العفن، وبدأت تتلاشى في الغابة.

حتى جاء عام 2003… وتحول الفندق القديم إلى منزلٍ سكني خاص بناءً على طلب أهالي البلدة، فقد طالب أهالي Raon l’Etape المالك بأن يجعل بضعة من أكواخ الفندق القديم مفتوحة أمام العامة، ولكن M. Thierry لم يصمد أمام طلبات الأهالي طويلاً، وقام ببيع فندق de l’Eau Vive إلى مجموعة من الناشطين في قطاع الضيافة في فرنسا، الذين قاموا بإعادة افتتاح الفندق تحت اسم Museumotel أو فندق المدينة الفاضلة.

ومن الملفت في فندق اليوم الحفاظ على تصميم هاوسرمان على حاله، فقد اقتصر الأمر على إضفاء لمسةٍ معاصرة على ديكور الفندق الداخلي، وبات لكل “فقاعة” اسمٌ وجوٌ خاص بها، ففقاعة الحب تختلف تماماً عن فقاعة النجمة، ووفقاعة الخمسين لا تشبه فقاعة زين بأي شكل، وبذلك سوف يكون هاوسرمان مرتاحاً في قبره، فلم يجرؤ أحد المساس بفندقه المحبب، فعلى الرغم من قيامه بتصميم العديد من المنازل السكنية في سويسرا وفرنسا، إلا أن Museumotel هو الفندق الوحيد الذي قام بتصميمه.

ويحكى أن تصميم القندق ظل محبباً على قلوب الكثيرين حتى أيامنا هذه، إن كان من المعماريين أو عشاق الفن المعماري الأصيل، فمنذ فترة ليست ببعيدة قام ستة طلاب من إحدى الكليات التقنية المجاورة بتصميم نموذجٍ مصغر عن إحدى منازل الفقاعات هذه، ومن المتوقع أن تتحول إلى مساحةٍ للأطفال تابعة للفندق.

إقرأ ايضًا