روضة في كولومبيا؛ والهدف البعيد تطوير المجتمع

11

إن هذه الكتل أحادية اللون المكسوة بالفسيفساء والموزعة في مجموعاتٍ معيارية حول ساحات مثلثية ما هي إلا غرف صفوف في روضةٍ للأطفال في سانتا ماريا في كولومبيا، جاءت بتوقيع معماريي el Equipo de Mazzanti المحليين.

فتحت اسم روضة تيمايو للأطفال، يتميز المشروع بمساحته المفتوحة التي من المأمول أن تصبح أنموذجاً يتم تكراره في مجتمعاتٍ أخرى.

قد يبدو التصميم للوهلة الأولى مجرد ثلاثة كتلٍ خرسانية مسلحة تتضمن كلٌّ منها حمامات متعددة وغرفتين دراسيتين إلى جانب غرفة مرنةٍ مفتوحة، تحيط بكل منها ساحة مركزية أشبه ببتلات الزهرة، إلا أن الحقيقة أعمق من ذلك بكثير والمعنى أبعد من ذلك بكثير!

فهنا حوّل المعماريون روضة الأطفال إلى آليةٍ للتضمين الاجتماعي؛ فحسب زعمهم وقع على عاتقهم تحدٍّ كبير بوصفهم معماريين يعملون ضمن سياق كولومبيا، حيث كان عليهم تطوير مشروع يمكن أن ينتج عنه تضمين اجتماعي؛ وهنا تكمن المشكلة ليس فقط في تصميم وإنشاء أبنية في مناطق متخلفة، ولكن في تفعيل أشكال جديدة للاستخدام، تقترح ملكية المجتمعات والاعتزاز بها.

وهذا ما عنى أن قيمة العمارة لا تتوقف فقط على قيمتها الذاتية، ولكن على ما تنتجه أيضاً.

لقد دفع ذلك المصممين لتحديد عددٍ من الاستراتيجيات التي يمكن استخدامها في المشروع كجزء من أهداف الورشة، وذلك ليكون بالإمكان بناء عمارة مميزة في مناطق متخلفة، يمكنها أن تخدم وتُستخدم بعدة طرق، ليس هذا فقط، بل تسمح أيضاً للقاطنين بأن يكونوا جزءاً من علمية تحويل المجتمعات التي يقطنونها.

العمارة وفق لهؤلاء المعماريين هي فعل، لذا هدفوا عبر هذا المشروع لتطوير القدرات الأدائية للعمارة عوضاً عن قدراتها التمثيلية أو خصائصها البصرية.

الهدف هنا هو استجرار حدث… آثار… فعاليات… وبيئات تسمح للمعماريين أنفسهم بتطوير عدة نماذج أو تنظيمات تعمل بشكلٍ مباشر على استجرار الأحداث الاجتماعية مع المستخدمين… إنها عمارة قادرة على استخلاص سلوكيات جديدة وعلاقات بين قاطني هذه المناطق المهملة والنامية.

ويصرّح معماريو el Equipo de Mazzanti أن هدفهم الآخر من هذا المشروع هو تحقيق “عمارة مفتوحة”؛ حيث كانت إحدى مطالبهم إيجاد أنظمة تنظيمية مكوّنة من أجزاء أو وحدات تشكّل آليةً تنظيميةً ذكية غير مغلقة أو منتهية.

وهذا ما سيسمح للمشروع بالتطور والنمو وفقاً للأوضاع المختلفة، وبالتالي يسمح للمعماريين بتطوير نماذج متنوعة قائمة على ذات القواعد التنظيمية التي يمكن تكرارها في أماكن مختلفة من المدينة، الأمر الذي سيؤدي بالتأكيد على مشاريع أكثر استدامة واقتصادية.

وفي ذات السياق يأتي دور الاستخدامات المتنوعة، إذ يهدف المصممون من روضة الأطفال هذه لابتكار عمارةٍ قادرة على توفير استخدامات كثيرة عبر تشكيل الأبنية ومواقعها التي تترك مساحات غير محددة وظيفياً، وهذا ما يعني أن المجتمعات ستكون حينها قادرة على امتلاك ومضاعفة الاستخدام الأولي للبناء، الذي تشير صورته إلى جغرافية الإقليم الواقع فيه، عوضاً عن شيءٍ ما بعينه.

فقد ارتأى المصممون تطوير مبنى معماري “لاندسكيبي” مرتبط بجعرافية المكان وتضاريسه، وهذا ما برأيهم سيعزز “تواصلاً طبيعياً جديداً” عبر إعادة تشكيل العلاقة بين الشكل والخلفية.

*النموذج:

اقترح المصممون تطوير وحدةٍ على شكل زهرة (تحظى كل منها بثلاثة بتلات تتضمن البرنامج المطلوب إلى جانب ساحة مركزية)، ويمكنها الاستدارة عند النهايات المتلاقية للحصول على أفضل توزيعٍ ينتج عنه نظام السلسلة ضمن قطعة الأرض. ويمكننا القول هنا أن مثل هذا النموذج يتمتع بالمرونة ويحظى بمساحة محايدة تسمح بتطوير عدة استخدامات داخلية، كما أنه نموذجٌ مرتبطٌ بشكلٍ وثيق بالبيئة الخارجية القريبة (عبر الساحة الداخلية الخارجية)، وهذا ما يساعد على تنمية علاقة قوية بين الأطفال والمدرسين.

*عمارة مستدامة:

يهدف المشروع لتحقيق الاستدامة بعدة طرق بهدف تطوير السياق العمراني وزيادة الوعي بين الأجيال الحالية والمستقبلية، في محاولةٍ لإحداث تغيير اجتماعي وأخلاقي يمكنه أن يغطي نموذجاً تطويرياً للمجتمعات المحيطة.

حيث يتمتع المشروع بظروفٍ مسهّلةٍ للبناء والاستخدام، ابتداءً من نظام التدفئة مروراً بنظام الجدران الاستنادية الفعالة حرارياً وانتهاءً بالتهوية الطبيعية، التي تم بفضلها الاستغناء عن المكيفات الهوائية وبالتالي تقليل استهلاك الطاقة.

علاوةً على ذلك، ساهم النظام الإنشائي للجدران في تقليل استهلاك الطاقة في الموقع، كما ساعدت المواد المستخدمة على التقليل من كمية النفايات الناتجة عن العمل، وبالتالي تخفيف الأثر الضار بالبيئة.

ليأتي أخيراً دور اتجاه المبنى الشمالي-الجنوبي، بالإضافة إلى تشكيله المعماري الذي يسمح للتهوية والإضاءة الطبيعية بالتدفق للمكان، هذا عدا عن التزيينات النباتية التي تنتشر في أرجاء المشروع، والحدائق التي تساههم في تعزيز النوعية البيئية والمناظر الطبيعية.

إقرأ ايضًا