مع بورش حتى المتحف يكون على “عجلات”!

23

في غضون خمسة أشهر فقط، استقطب المتحف الجديد لشركة بورش الألمانية لصناعة السيارات، القائم في مقاطعة زوفنهاوسن في شتوتغارت، ربع مليون زائر من مختلف أنحاء العالم، جميعهم حضروا ليستمتعوا بمشاهدة أكثر من ثمانين سيارة رياضية معروضة في جنبات المتحف الحديث ذي التصميم المعماري المتميز، في حين كان متحف بورش القديم الذي ضم 20 سيارة يستقبل 80000 زائر سنوياً فقط.

وعلى الرغم من أن بورش تعتبر أصغر شركة ألمانية لتصنيع السيارات، فهي في المقابل أكثر الشركات الربحية في العالم، وذلك بالاعتماد على عقودٍ من الخبرة في مجال صناعة السيارات وبالأخص السيارات الرياضية، وكعربون محبةٍ ووفاء من عملاء ومعجبي بورش، تمّ إطلاق حملة لتأمين مكانٍ من شأنه أن يعرض تاريخ الشركة العريق والحافل، وكانت النتيجة أن استجاب مجلس إدارة بورش لهذه المطالب في عام 2004، وأعلن عن بناء متحفٍ جديد في شتوتغارت، وقد استغرق متحف بورش ثلاثة سنواتٍ قبل أن تنتهي أعمال التشييد والبناء في عام 2008، ويكشف معماريو Delugan Meissl عن أروع مبنىً لبورش عبر مسيرتها الطويلة إلى جانب سياراتها المميزة طبعاً.

وقد تم اختيار هذا الموقع بالذات، انطلاقاً من الفكرة التالية؛ إن كل عشاق السيارات يعرفون بأن الموقع التقليدي لشركة بورش هو شتوتغارت في زوفنهاوسن، فمنذ عام 1950 وضاحية شتوتغارت مهدٌ للسيارات الرياضية التي تحمل شعار بورش، أما اليوم سوف يتم هنا إنتاج العديد من سيارات 911 وجميع محركات بورش، كما وسوف تشغل هذه المدينة أيضاً متحف بورش الجديد، الذي سينضم بدوره إلى مصنع ومركز بورش، ويمثل في طريقه رمز الشركة العريقة.

حيث حصد الصرح الجديد بتوقيع Delugan Meissl اهتماماً بالغاً حتى قبل أن يكتمل المبنى، وبالفعل يمكنك الآن أن تستشعر هذا التأثير الساحر بمجرد النظر إلى قاعة العرض العائمة، فقد استطاعت هذه الهندسة المعمارية الجريئة والديناميكية أن تعكس فلسفة الشركة، وأن تقدم في الوقت نفسه نذيراً للسحر الذي ينتظر زوار المتحف في المستقبل.

فقد تمّ تصميمه بهدف تغطية إحساسٍ فريد يقود الزوار بسلاسة من الطابق السفلي الموجود في الأعلى، كما ويمكننا القول بأن معماريي Delugan Meissl نجحوا في خلق تجربة مكانية من شأنها أن تعكس أصالة منتجات بورش والخدمات التي تقدمها الشركة فضلاً عن المحافظة على طابعها الخاص، وأخيراً وليس آخراً إعادة تشكيل منزل بورش بدون أي لبَس.

ابتداءً من الردهة، يصعد الزوار إلى منحدرٍ رائع قبل الوصول إلى مدخل منطقة المعرض الفسيحة، حيث يمكنهم الحصول على نظرةٍ أولية للمجموعة المثيرة للإعجاب، فالزائر هنا هو صاحب القرار فيما إذا أراد البدء بالإطلاع على تاريخ الشركة قبل عام 1948 أو الذهاب مباشرةً إلى المنطقة الرئيسية من المعرض، والتي تحتوي على منتجات بورش مرتبة حسب تاريخها، وترتبط هاتين المنطقتين من خلال قسم ” Porsche Idea” أو “فكرة بورش”؛ والذي يشكل العمود الفقري للمعرض.

ويشرح هذا القسم الفكرة التي تكمن وراء مختلف المواضيع والمعروضات، والتي تكسبها التميز الذي وصلت إليه، إنه يشرح لنا الأجواء المفعمة بالعاطفة التي ترافق العمل في ورشات بورش، من جهةٍ أخرى يشيد هذا القسم بنجاحات الشركة التي يقف وراءها طابورٌ من عشاق الماركة الألمانية.

ويجدر بنا الإشارة إلى أن المتحف الجديد له من القدرة ما له على استثارة إعجاب الزوار بشكلٍ واضح بالنظر إلى تاريخٍ بأكمله، فلطالما كانت سيارات بورش ذات أهمية حركة الأفراد حتى في السنوات الأولى من استخدام السيارات، وقد استطاع المعرض أن يجسد ذلك من خلال تأمين معارض منفصلة لفترتين من الزمن قبل وبعد عام 1948.

وتعتبر”فكرة بورش” و”تاريخ المنتج” و”جزر الأفكار الرئيسية”، العناصر الأساسية الثلاثة التي تمثل مفهوم المتحف، فالزوار الذين يشقون طريقهم في هذا المعرض، سوف يجدون بأن هذه العناصر الرئيسية مترابطة موضوعياً ومن حيث الفكرة في أغلب الأحيان.

ونبدأ مع قسم “فكرة بورش”؛ والتي تركز على حلول تقنية معينة ورائدة لمواجهة التحديات المثيرة للاهتمام في أغلب مجالات التنقل، ويمكن للزوار من خلاله التعرف على قيم ودوافع وفلسفة الشركة عبر تاريخها والتي ساهمت في إنجاحها في نهاية المطاف.

أما قسم “تاريخ المنتج”؛ فيعرض سيارات بورش الرياضية حسب ترتيبها الزمني من البدايات في عام 1948 إلى أحدث الموديلات على اختلاف تقنياتها وأساليبها الفنية، في حين يتفرد قسم “جزر الأفكار الرئيسية” بتسليط الضوء على الجوانب الهامة من تاريخ بورش، والتي تم تكريس بعضها مثل سيارة 911 المطورة لسلسة من طراز واحد، بينما تضم بعضها الآخر سيارات من فترات زمنية مختلفة، على سبيل المثال نذكر هنا سارة “لومان” الرياضية ذات التاريخ العريق.

وخلافاً للعديد من المتاحف الأخرى، فإن متحف بورش الجديد يمثل حب الحياة والتنوع، وسوف يبقى مخلصاً لفلسفة راسخة في “متحف على عجلات”، كما وسوف يستخدم ويعزز ويوسع من تشكيلته الجديدة في مقاطعة زوفنهاوسن، ففي العام القادم على سبيل المثال سوف تشارك سارة سبايدر من طراز أ 550 في سباق Mille Miglia، بينما تنطلق سيارة كاريرا أبارث جي تي من طراز 356 إلى استراليا للمشاركة بسباق Classic Adelaide.

وعلى نقيض المعارض التقليدية الجامدة، فإن التركيبة الجديدة سوف تقوم بعرض فريد دائم التألق يعكس طابع الشركة، والذي استطاع أن يدمج ما بين التقاليد العريقة والابتكارات العظيمة، فمن خلال هذا المتحف الذي يقوم على “عجلات”، تشق بورش طريقاً لم يسبقها إليه أحد، وحتى السيارات الكلاسيكية التي تتخذ زاوية لها في تشكيلة المعرض، تخدم الغرض الذي تم ابتكارها من أجله ألا وهو القيادة!

وتجدر بنا الإشارة إلى أنه تجري حاليات تحضيرات لبناء مستودع مركزي في المتحف الجديد، والذي يضم بدوره كل المعلومات التاريخية والمعاصرة عن “بورش”، كما وقد انتقل الأرشيف التاريخي لمجموعة بورش إلى الصرح الجديد، حيث تظهر أجزاءٌ منه بوضوح من خلال الجدران الزجاجية عند الوقوف في الردهة.

وكأنه ذاكرة الشركة.. يتعهد الأرشيف بجمع كافة المعلومات الهامة المتعلقة بالأعمال التجارية والتقنية والاجتماعية والثقافية والتي تهم مجموعة بورش أو الشركات التابعة لها، وتشمل العناصر المؤرشفة أي شيء يخدم قصة نجاح بورش التي ليس لها مثيل؛ من بديات Ferdinand Porsche كمصمم للسيارات إلى مكتب الهندسة التي تأسس عام 1931 ووصولاً إلى مجموعة بورش اليوم، وتغطي الملفات الحالية في أرشيف بورش 2,000 متر والتي تضم رفوف الكتب وصناديق العرض والخزائن الفولاذية.

وإن هذا الأرشيف التاريخي ومعلوماته المتراكمة عبر السنين، متاحٌ للجميع ولا يقتصر الأمر على الأقسام الداخلية ولكن يمكن لأي شخص من الخارج أن يقوم بالإطلاع مثل الصحفيين والعلماء، حيث يتم الرد هنا على آلاف الاستفسارات سنوياً بطريقة احترافية من قبل موظفي الأرشيف في بورش.

في النهاية نشير إلى أن المتحف قد سجل عدداً كبيراً من المجموعات تُقارب الألف مجموعة، والتي استمتعت بجولات تعريفية خاصة عبر مساحة المعرض الممتدة على 5600 متر مربع، كما ويمكن أن ترتاح هذه المجموعات بعد قيادة شيقة في أرجاء المتحف في مطعم بورش أو حتى التسوق في المتاجر المرافقة لهذا الحدث.

إقرأ ايضًا