مبنى الهيلوكبتر

4

وكأن طائرة مروحيةً عملاقة حطت على ظهر هذا المبنى الواقع في محطة مترو باريس، حيث النسيج العمراني يذوب على أطراف باريس والبنى التحتية الصناعية غير المتجانسة، فقد استطاع Stephane Maupin و Nicolas Hugon أن يسترق من طريق باريس الدائري والسكك الحديدية، فضلاً عن المصانع والمشاريع السكنية والاجتماعية المحيطة شيئاً من وحشية هذه اللوحة المعمارية.

حيث يكشف المبنى عن تركيبةٍ معمارية تشبه في طابعها أعمال لوكوربوزيه، زعيم العمارة الوحشية، حيث تم إظهار مادة البناء الأساسية بشكلٍ صريح في الكسوة الخارجية، كما ودمجت الدعائم الإسمنتية مع الحصى المعدنية الخام وأصوات القطارات الصاخبة، كما هي حال الكثير من الأعمال المعمارية ذات الطابع الوحشي، حيث تتم صياغة التكوين الأساسي للمبنى من عددٍ من الكتل المعمارية المترابطة والمتداخلة.

من جهةٍ أخرى نلاحظ تحرُر المبنى من قيود الموقع مثلثي الشكل، لتكون النتيجة عبارة عن قطعة إسمنتية ترتفع 22 م عن الشكل المثلثي الأصلي شبيهة بقطعة الكعك، أما كل طابق من طوابق المبنى الخمسة فيستضيف نشاطاً مختلفاً عن الآخر، حيث يقوم المبنى بإعادة تجميع ورشات العمل المتخصصة بصيانة نظام نقل مترو باريس، الذي كان موزعاً فيما مضى في أماكن مختلفة، فيجتمع العمال في المبنى ويستعدون قبل الانطلاق نحو المواقع المتضررة من السكك الحديدية.

إذ يتألف الطابق الأول من مستودعٍ، في حين يضم الطابق الثاني مجموعة كبيرة من الخزائن، أما الطابق الثالث فعبارة عن صفٍ دراسي، ونأتي على الطابق ما قبل الأخير، فقد تم تخصيصه بالكامل للإدارة، بينما يكشف الطابق الخامس والأخير عن مطعمٍ وتراسٍ كبير مطل على طريق باريس الدائري.

في المقابل تم تنظيم طوابق المبنى الخمسة حول درجٍ مركزي مشرق تم تصميمه وكأنه ممرٌ داخلي، ليناقض الخشونة المتعمدة في الطابع المعماري للمبنى، وينطبق الأمر ذاته على كافة الممرات الأخرى، مثل جسور المشاة والسلالم والمصاعد الهوائية، التي استطاعت مجتمعة خلق جو متعدد الأبعاد وتجارب مكانية متنوعة.

أما تقديراً لعمال المبنى، فقد تم تحويل غرفة الخزائن إلى مساحة للاستراحة والتفريج عنهم بعد عناء يومٍ طويل، وتضم هذه المساحة مغاسل وآلات صابون أوتوماتيكية ومجموعة من المرايا الملونة، إذ لا تخلو المباني ذات العمارة الوحشية من التأثيرات الجمالية والحسية وملامح الفن الحديث.

ويظهر ذلك جلياً بالنظر إلى سقف المبنى، الذي تعلوه كتلة لولبية ثلاثية القوائم، حيث تكون هذه القوائم عبارة عن مدخنة عمودية تم دمجها بالأضواء الكاشفة المسلّطة على مواقف السيارات والمناطق المحيطة بالمبنى، كما ويستفاد من هذه القوائم بتسخين المياه الصحية وتوفير مساحة واسعة من الألواح الشمسية.

وكعادة معماريي هذا الاتجاه، لا يخلو “مبنى الهيلوكبتر” من حلولٍ وأساليب معمارية بيئية، إذ تعتبر الكتلة الفريدة التي تعلو جسد المبنى خير مثال عن وعي وإدراك Maupin و Hugon بمخاطر التلوث البيئي، فقد استطاعت هذه التركيبة الأقرب إلى مروحة لطائرة هيلوكبتر بأن تحافظ على سجل المبنى البيئي نظيفاً وأن تضفي عليه طابعاً معمارياً فريداً.

إقرأ ايضًا