تصميم منزل M3/KG وفلسفة معمارية كاملة

14

قامت شركة Mount Fuji Architects Studio بتصميم منزل M3/KG في Meguro بطوكيو باليابان على مساحة 177,27 مترٍ مربعٍ لصالح زوجين يعملان في مجال إنتاج الأفلام.

ويتكون هذا العمل المعماري من كتلةٍ اسمنتيةٍ على شكل حرف L من الإسمنت المسلح، أضيفت عليها كتلةٌ مكعبةٌ على شكل صندوقٍ من الخشب المعاكس. وقد وضع المعماريون غرف النوم وأرشيف الأفلام وصالة العرض داخل البنية الإسمنتية الصلبة لأمانٍ أكبر، أما غرفة المعيشة فكانت داخل الجزء الخشبي ذي الواجهات المزججة لانفتاحٍ وإطلالةٍ أفضل. وعلى اعتبار أن الصندوق كان بمقاييس 6 أمتار كارتفاع و 5,5 متر بالعرض وبعمق 14 متراً، فقد اختار المعماريون خشباً هندسياً رقيقاً 38ملم × 287 ملم.

وهنا تجدر بنا الاشارة إلى الهدف الرئيسي لمعماريي المشروع والذي تمثّل في تمكين الشعور بالضخامة ونوعية المواد الخام المستخدمة في العمل، وهذا ما تستنكره العمارة الحديثة التي تتبع “الجدران البيضاء للشقق” كأسلوبٍ سائد. ولكن هنا تعمّد المعماريون الحفاظ على لون وملمس الخشب كما هو على الأسطح الإسمنتية، وإفعام المكان بملمس الأحجار والمعادن.

ويرى مصمم المنزل بأن تصميمه لـ M3/KG يتجاوز فكرة المنزل المريح بمراحل، ويتجاوز فكرة ذلك المكعب الأبيض المحاط بجدران مسطحة بيضاء في جنباته، والتي تعطي المرء تصوراً مجرداً. حيث يمكن للتصميم إعطاء صورته الواضحة عندما يمس الجزء التأملي من عقولنا.

والمشكلة هنا تكمن في عدم امتلاكا جميعاً هذه العقول المتأملة، أما العميل في هذا المشروع؛ وهو من الناس الذين يمارسون الجهد العقلي طوال اليوم، قد تجهده مجرد فكرة وجوده في مكعبٍ أبيضٍ تقليدي. ولهذا يبرز دور العمارة هنا، وخاصةً فيما يتعلق بمكانٍ للسكن، بتلطيفها الجانب الحسي عند الناس مع عدم استثارة الجوانب الفكرية في أدمغتهم.

وفي الوقت الذي وُلدت فيه العمارة الحديثة أصبحت الحياة الفكرية أشبه بالموضة. وقد أصبحت اليوم جزءاً من حياتنا اليومية ولكن ضاعت هويتها. لذا على المعماري أن يدرس مقارباته إن كان عليها أن تكون عقلانية في كل مرةٍ يبدأ فيها عملاً معمارياً جديدياً.

وهنا يعلّق المعماري: نحن لا نؤيد النظرية التي تطرحها العمارة الحديثة مدعيةً أن “المدينة مشكلة والعمارة حلها”، وهي نظريةٌ تشكل عبئاً على برامج التعليم المعماري الحديث: فما المشاكل التي تسود المدن؟ وما الحلول التي يمكن للعمارة أن تقدمها؟ وهذه هي التساؤلات التي علمتنا الكلية أن نطرحها على أنفسنا.

ويعتمد تقييم الطلاب على هذا النظام العقلاني لمفهوم طرح الأسئلة والإجابة عنها، داخل أطر التعليم الأكاديمي، والقيام بالعمل المعماري على الورق بتجردٍ عن جوهر العمل ليبقى بمستوى الصفاء المجرد الذي يُمكّنه من حل مشاكل المدينة نظرياً.

ولكن يختلف الأمر جذرياً مع العمارة على أرض الواقع فهي في الحقيقة حتى عند تصميمها كإجابة صافية يكتشف المعماري في لحظة اكتمال العمل ليظهر ككتلةٍ على وجه الأرض بأنه لم يحل معادلة “المدينة = مشكلة”. وذلك للأسف لأن أغلب المعماريين لم يدركوا بعد مدى وضوح المسألة بأن ذاك العدد الممكن إحصاؤه من المباني التي تنتشر على مد المنظر العمراني هي في التطبيق الواعي للدرس القديم القائل بأن “المشكلة – حل”، إذ أن “الجواب” الشرعي العادل عادةً ما يكون مجرد “ملء عمراني”.

وبتطبيق مقاربةٍ كهذه، تصبح الحالة الواقعية للمدينة أكثر تجرداً، فيتم التعامل معها رسمياً ونظرياً كمشكلةٍ تبدأ بطرح مجموعة أنظمةٍ منطقيةٍ والتي ستعاود بدورها التحكم بالإجابات والحلول المعمارية المنطقية. ومن غير المجدي حقاً ودليل قصر النظر أن نترجم هذه العلاقات الناشئة نظرياً على شكل مبانٍ نشيدها في العالم الواقعي، وإلا أصبحت مبانينا المعمارية أشبة بالمكملات الهامشية.

ويضيف المعماري قائلاً: نحن بلا شك أول جيل يدرك حقيقة محدودية النظريات الحديثة، فنحن بصدقٍ وأمانةٍ نتجنب التعامل مع العمارة كمفاهيم نظرية قدر الإمكان. وبالنسبة لنا لكل مدينة جوهرها ومهمة العمارة هي إظهار هذا لجوهر.

وبهذا نحن نهدف للتعامل مع العلاقات الواقعية بين قضايا عمرانية ومعمارية المدن، إذ لا يمكن النظر إلى العلاقة بين ما قبل إنشاء المدينة وشكلها المعماري في المستقبل من جانبٍ واحد، كأن يقدم المرء إجابةً على سؤالٍ ما ويغض الطرف عن حوارٍ متكاملٍ ومتوازنٍ بين الجوهر القديم والمُحدث. وهذا ما قد يجعل رؤيتنا للأمر طفوليةً جداً، إذ نتعامل مع الأمور ببساطة ولكنها تجلب لنا في النهاية ما نطمح إليه.

إقرأ ايضًا