كلية الحقوق في سيدني تفتح صفحة جديدة

8

عندما نقول جامعة كاملة من الحجر الرملي فإننا بالتأكيد نقصد جامعة سيدني بقاعتها الكلاسيكية الجديدة وباحتها الرئيسية المربعة من تصميم المعماري العريق Edmund Blacket والتي باتت واحدةً من أهم معالم المدينة وإحدى أهم الأسباب التي جعلت من الطلاب يتهافتون على الدراسة هنا.

ولكن مؤخراً يشغل الطلاب وطاقم العمل في كلية الحقوق برج منطقة التجارة المركزية الشهير في شارع فيليب الذي تغلب ملامح العمارة الوحشية بعيداً عن المدينة، وبذلك خسر الطلاب الأجواء الجميلة والعمارة المميزة للحرم الجامعي الرئيسي، ولهذا رافق إعلان بناء كليةٍ جديدة حماسٌ كبير من طلاب الحقوق الذين حرصوا على رؤيته مكتملاً.

وكان التحدي بأن يتلاءم المبنى الجديد مع العناصر الكلاسيكية القائمة التي لطالما أضفت على الجامعة الحجرية طابعها المميز، وبالفعل استطاع المبنى الجديد وعلى الرغم من أنه ابن هذا القرن أن يتلاءم مع محيطه القوطي، فقد اكتسح معماريو Francis-Jones Morehen Thorp جميع المتنافسين على تصميم كلية الحقوق في عام 2003 رغم طابعه المعاصر بشكلٍ واضح، ويُعزا ذلك لاستخدام الزجاج والأخشاب وهي موادٌ لطالما عُرفت بجرأتها وإضفائها طابعاً مميزاً على أي مبنىً تحل فيه.

ولكن الجدير بالذكر هنا ابتكار فريق العمل تقنية ذكية نجحت بإقحام هذه المواد بين المباني القائمة القديمة وكان استخدام الخشب خياراً موفقاً نظراً لقربه من روح المكان ومبانيه من الحجر الرملي، حيث نلاحظ وقد تم إقحام سلسة من النوافذ الخشبية العمودية والمقوسة بين الألواح الزجاجية مما ساهم في دعم خطة المبنى البيئية فضلاً عن إسهام هذه الحركة بإضفاء التناغم والملامح الجمالية الدافئة، وأخيراً استطاعت هذه النوافذ الخشبية -نظراً لقدرتها على الانزلاق في كل مرة- بتأمين مظهرٍ شفاف وإطلالة ساحرة على الخارج.

يرجع الفضل في نجاح هذا التصميم إلى رغبة فريق Fjmt بخلق “إحساسٍ بالمكان” حيث المناطق المحيطة بكلية الحقوق لا تقل أهمية عن مكاتب أعضاء هيئة التدريس ومكتبة الكلية ومجموعة المباني التعليمية في الكلية، كما وتم التركيز على تأمين فناء واسع أخضر ليكون بمثابة منطقةٍ عامة متكاملة أو بالأحرى مكان مشمس غير رسمي وينتهي هذا الفناء بدرج واسع وصولاً الى حديقة فيكتوريا، الذي أصبح أيضاً جسرا لدخول الحرم الجامعي الجديد والحديقة، كما ويوفر أيضاً هذا الفناء المركز الاجتماعي لمدرسة القانون وهو عبارة عن مكانٍ غير رسمي للاجتماع ولكن في الهواء الطلق تم تصميمه لتعزيز المناخ الجامعي وتبادل الأفكار ما بين الطلاب، وهو ما كان غائباً تماماً في الحرم الجامعي القديم.

كان فريق Fjmt قد عمل سابقاً مع جامعة سيدني، وبذلك فهو على معرفة وثيقة بتاريخ وجغرافيا الموقع، أما اليوم فإنه يعي تماماً بأن الموقع الذي تم اختياره يشكل المركز الجغرافي للجامعة (بوقوعه قبالة المركز الرسمي في الساحة المربعة الرئيسية) بالإضافة إلى أهمية جعل الفناء امتداداً لمحور Wilkinson والذي يشكل العمود الفقري المركزي من تصميم أستاذ في كلية الهندسة المعمارية في عام 1920، كما وكان الفريق يعرف أيضاً بأن هذا الموقع سوف يستفيد بشكلٍ كبير من الإطلالة المباشرة على المدينة من جهة الشرق والحرم الجامعي إلى الغرب، وبذلك جاء التصميم ليؤكد على دور كلية الحقوق كجزءٍ لا يتجزأ من الحرم الجامعي الرئيسي.

على الرغم من أن أعمال البناء الجديدة تبدو وكأنها منارةٌ من الأعلى إلا أن التصميم الجديد جاء وعن عمدٍ ليحد من تسرب الضوء فقد جاء القرار بعدم توجيه أي شعاع من الضوء وراء حدود الموقع أو صعوداً إلى السماء ليلاً دون أن يرتطم عن قصد بالسطح وينيره، من جهةٍ أخرى يحظى المبنى الجديد بالعديد من الملامح المستدامة والجمالية في الوقت نفسه مثل الكسوة الثلاثية من الزجاج التي تم إقحامها في نوافذ الواجهة الخشبية، فضلاً عن غيرها من الحلول البيئية السلبية التي تشمل الكتلة الحراية العالية والزجاج عالي الأداء والعزل الحراري والتهوية والتدفئة الطبيعية.

ويضاف على هذه الأنظمة تكييف الهواء المزدوج والإضاءة عالية الكفاءة والمزودة بأجهزةٍ للتحكم وأجهزةٍ أخرى للاستشعار عن بعد على أمل أن يخدم المبنى على المدى الطويل والحد من سوء الاستخدام المتكرر، أما وإلى الخارج فقد تم رصد نظام جديد لجمع المياه من الأماكن العامة على طول الشارع الشرقي ومبنى كلية الحقوق نفسه ومن ثم علاج هذه المياه في سلسلة من الحواجز تم حفرها داخل الموقع، وأخيراً يتم جمع هذه المياه مع مياه الأمطار من على السقف وتُخزن في خزانات لإعادة استخدامها كمياهٍ رمادية في تنظيف دورات المياه وري باطن الأرض المعدة للزراعة إلى جانب ممرات المشاة حديثة العهد في الموقع.

كل ذلك وأكثر من استخدامٍ للزجاج على نطاقٍ واسع استطاع أن يفتح آفاقاً جديدة على المشاهد الطبيعية وإقحامٍ للأخشاب الطبيعية التي تستجيب للحركة اليومية للشمس، جعل من مبنى كلية الحقوق في جامعة سيدني نقيضاً مذهلاً لناطحات السحاب ذات العمارة الوحشية في منتصف المدينة، ولا ننسى هنا قاعات المحاضرات تحت الارض التابعة لكلية الحقوق القديمة ناهيك عن الجاذبية المعمارية في حد ذاتها… جعل من الأمر يستحق الانتظار.

إقرأ ايضًا