مبنى مكتبي يتحدى الملل

7

عندما يأتيك عميل مقتنعٌ بأن العمارة مملة إلى حدٍ ما، هل سيتحداك ذلك للقيام بمجهودٍ مضاعف، أم أن عزيمتك ستخبو، أم أنك سترفض حتى التعامل معه؟؟!

هذا ما جاء به رجل الأعمال الشهير يوتشو شي رئيس ومؤسس المجموعة العملاقة التفاعلية، الذي يمثل الجيل الجديد من رجال الأعمال الصينيين، عندما قام بتكليف المعماري توم ماين وشركته Morphosis لتصميم المبنى الرئيسي لمجموعته.

ولا ينكر أحدٌ بأن المباني المكتبية تعتبر فرصة ذهبية للمعماري، إذ غالباً ما ترصد الشركات ميزانية ضخمة لتظهر بوجهٍ معماري يليق بمكانتها، ولكن اليوم لم يتبق سوى عدد قليل من الشركات الأمريكية التي ما تزال تستثمر في مجال العمارة، وقد اُنتقد بعضها؛ مثل إدارة صحيفة نيويورك تايمز لإنفاقها ببذخ على ذلك، في حين حافظت أخرى مثل بنك أميريكا على ميزانيةٍ متوازنة خوفاً من النقد.

أما الشركات الصينية فترى العمارة من جهتها وسيلة لتستعرض قوتها؛ حيث يوجد هنالك العديد من المباني المكتبية الجديدة والتي تتخذ من الريف والضواحي الصينية مقراً لها، تستغيث من العزلة وعدم الاهتمام، بينما تسير قلة من هذه الشركات على طريق التطور والتنمية من الناحية المعمارية… علّ العمارة تنقذ الرأسمالية وتكشف عن دورها في مجتمع الصين الشيوعي.

وبالاعتماد على قدرات ماين الهائلة، الذي استطاع أن يحول وزارة النقل في كاليفورنيا ومقر الحكومة الفيدرالية الأمريكية من قبل إلى مبنىً جذاب وملفت للنظر، لم يكن اضفاء لمسة معمارية خالدة على تاريخ المجموعة أمراً عصياً على الإطلاق، وعلى الرغم من أنها -أي المجموعة- تمتلك العديد من المباني في وسط شنغهاي، إلا أن “شي” قد قرر بناء مجمعه الجديد على مشارف المدينة حيث يمكن أن تنتشر في المستقبل.

وعند زيارته الموقع للمرة الأولى برفقة فريقه، استطاع ماين أن يستشعر روعة المزارع والأراضي الطبيعية المسطحة، وقام بإقحامها في أدق تفاصيل التصميم، وهو موقعٌ قد يعتبره معماريٌ آخر موقع رتيب وبارد، ولكن ماين مستفيداً من دراسته لنظريات بعض “فناني الأرض” أمثال مايكل هيزر وروبرت سميثون وغيرهم، نجح بتلبية مطالب المجموعة بكل أمانة.

وهو أمرٌ ليس بجديد عليه فقد قام مسبقاً باللعب على العناصر الطبيعية وتحويلها إلى عناصر نشطة في تصميم كراوفورد الشهير في سانتا مونيكا العام 1990، ومدرسة دايموند رانش في بومونا العام 1999، وذلك بالتعاون مع فريق SWA للهندسة المناظر الطبيعية، الذي نجح بتطوير قرابة 44,5 فدان من الأراضي وقلبها إلى ما يشبه الحديقة تزينها بحيرة مجاورة مرتبطة والقنوات القائمة، والذي كان له لمسة واضحة في تصميم المناظر الطبيعية المحيطة ببرج خليفة في دبي.

أما المبنى فقد قام فريق Morphosis بتصميمه على شكل سلسلة من الأشكال الملتوية تمتد تحت وعبر الأرض، حيث تقبع معظم أجزاء النصف الجنوبي من المبنى؛ والتي تضم بركة سباحة داخلية وصالة للألعاب الرياضية وفندقاً للضيوف، تحت سقفٍ أخضر تبلغ مساحته حوالي 164 ألف قدم تربيعي، ليبدو هذا السقف من بعيد وكأنه هضبة خضراء أو مرجٌ مطوي.

بينما يبدو الجزء الشرقي من المجمع؛ الذي يضم المكاتب العامة والمكاتب التنفيذية وقاعة الاستماع والمقهى والمكتبة، وكأنه يقفز فوق الطريق السريع قاسماً الموقع إلى شطرين وصولاً إلى البحيرة، في الوقت الذي يبرز فيه الجناح الغربي حوالي 115 قدم فوق البحيرة نفسها بواجهته الزجاجية وإطلالته الساحرة على المياه أدناه.

وأخيراً وعندما عرض التصميم البارز هذا على العميل سأل: هل هو كبيرٌ كفاية؟ وأجاب ماين بقوله “لم يسبق أن قمنا بتصميم مبنىً مماثل في الولايات المتحدة حتى اليوم.”

إقرأ ايضًا