خمسة مبانٍ والمركز واحد!

3

انتهى أستاذ العمارة Jose Juan Barba في السنة الماضية وبعد أربعة سنواتٍ من العمل الشاق من تصميم مركز Center of Interpretation of Rivers التعليمي في Zamora الإسبانية، فعلى مساحة ما يقارب 900,00 م2 يقبع المركز الفريد من نوعه في المنطقة على حوالي 20,000 م2، وبميزانيةٍ تتجاوز 1,225,000,00 يورو حاول المصمم العبقري تسليط الضوء على ثلاثة قضايا رئيسية يتمحور حولها المشروع والتي سنحاول اليوم سردٍ موجزٍ عنها.

بدايةً مع علاقة المركز بالموقع، فقد جاء التصميم ليلبي بعض المعايير الإنشائية والتي تتلخص في التأثير المنخفض على الطبيعة المحيطة، وبالتالي دمج هذا المرفق الثقافي والبيئة شبه الطبيعية مسلحاً بمعايير الاستدامة الكامنة، الأمر الذي يعد أحد أهم النقاط البارزة بالنظر إلى هذه العلاقة.

نقطة أخرى في نفس السياق تبدو جليةً عند تفحّص المواد المستخدمة والتي تمّ استخدامها بعناية لتتكيف والتغييرات الطارئة على طبيعة وألوان وإضاءة البيئة المحيطة جراء تدخل الإنسان، والذي يتلخص في كلمات Ignasi de Sola Morales والذي يخبرنا بأن “العمارة شكلٌ من أشكال العنف، ويٌعزا ذلك إلى قدرتها على تغيير طبيعة المواد التي تستخدمها والمكان التي تقع فيه.”

وبالفعل فإن للعمارة قدرة عجيبة على تحويل هذه المواد وربما تعديلها، ولذلك يمكننا أن نرى العنف التي تمارسه العمارة على المكان شيءٌ جديد لم نكن لنراه سابقاً، إنه عنفٌ من نوعٍ خاص سيبقى مبهماً حتى يحل التغيير ويجيء أناسٌ ويرحل آخرون.

أما وبالنظر إلى تصميم المشروع، فيتألف المبنى من خمسة وحداتٍ حول فناءٍ وعلى طابقين، ولكن وفي نفس الوقت تكشف هذه المباني عن وحدةٍ معمارية متكاملة بهيئة غرفةٍ واحدة، في حين تقوم طرقاتها بتطويق الساحتين اللتين تمثلان قطبين نقيضين، والتي يستند عليها خلق الحياة بجانبيها المتناقضين؛ الطبيعي والاصطناعي.

أما النهر الذي يزين الموقع فيمثّل هنا الحياة، ليس بجريانه بين التضاريس وظروفه الجغرافبة الطبيعية فحسب ولكن بوصفه عنصراً قادراً على ضخ الحياة عبر الاصطناعية التي فرضها الإنسان، من جهةٍ أخرى تمّ مراعاة كون المنطقة معرضة للفيضانات بوقوعها في وادٍ نهري، وذلك من خلال رفع البناء عن التضاريس الطبيعية عن طريق نظامٍ فريدٍ من الأرصفة.

في حين يمكن الوصول إليه بعبور المنحدر الذي يشغل المدخل، كما وتمت الاستفادة من ارتفاعه فوق سطح الأرض بجعله نقطةً بارزة تنسينا بأنه جزءٌ تم اقتطاعه من الأرض، حتى نكاد نشعر عند عبورنا إياه بأننا نمر بأحد الأنهار.

ونصل إلى قضية الإدراك الحسي للمكان، حيث نلحظ عدم تعاقب المساحات بشكلٍ أفقي وفقاً للمعنى الأفقي للحركة، ولكن عند رؤية المشهد على أرض الواقع فإنه يختلف تماماً، حيث تتعاقب هذه المساحات في الأعلى، فقد حاول Jose Juan Barba في هذا المشروع خلق المساحات بالاعتماد على فهمٍ عميقٍ للمساحة وتأثيراتها المختلفة.

ويتجلى العنصر العمودي في تصميم المساحة الداخلية في القباب والذي يتحرر من خلال الملاقف، أما وفي الخارج، فإن العنصر نفسه يتعزز من خلال التعارض بين عدم وجود سقفٍ وبين حقيقة وجود الجوانب بشكلٍ معنوي لا أكثر ولا أقل، حيث لا يمكن للمواد بأن تقوم بتحديد المشاهد الجانبية مهما حاولت، في حين يساعد وجود جدارين على تحديد هذه المشاهد من خلال الدور الانعكاسي الذي تلعبه هذه الجدران، لتظهر في النهاية قطعة أرضٍ جديدة أو ربما امتدادٌ للبيئة المحيطة في داخل المشروع.

بينما تقوم التقاطعات برسم طرقٍ خاصة بالزوار والتي تتمحور جميعها حول ساحتي المركز، وتمثل في نفس الوقت الحديقة اليابانية المرتفعة فوق مستوى رصيف ما تبقى من المركز، من جهةٍ أخرى تقوم هذه الحديقة بتذكير الزوار بوجودها الاصطناعي كونها مفصولةً عن الأرض والطبيعة المتمثلة بوجود ضفةٍ نهريةٍ أخرى والتي تتربط بدورها مباشرة ًمع الأرض.

وتبدأ رحلة الزوار في المركز مع غرفة العرض والتي تقدم المعلومات التمهيدية، حيث غالباً ما تكون هذه الجولة مضاعفة وغير محدودة، ويُعزا ذلك إلى عدم وجود أبوابٍ بين المساحات المختلفة، الأمر الذي يسمح للزائر ومنظم المركز باتخاذ سبلٍ لا نهائية تبعاً لاحتياجات المعرض أو اهتمامات الزائر.

كما ونلاحظ في نهاية الأمر بأن المبنى استطاع أن يخلق فكرةً تجريدية عن البيئة المحيطة باستمرار باستثناء المخرج الذي يفتقر إلى السقف ذو الجدران الزجاجية، حيث يفقد الزائر هنا التماس المباشر مع الساحتين على الرغم من الإحساس بوجودهما، وتضفي الجدران الزجاجية والسقف الواهي إحساساً بالتواجد في قلب نهرٍ، إنه وكما المدخل يجري بالتوازي مع الممشى فوق الحديقة المليئة بالنباتات المحلية.

إقرأ ايضًا