دمج الحداثة بالتقاليد العريقة في منزلِ كوري

13

يمكن اختصار كل متطلبات العملاء بكلمتين؛ “تقليدي ولكن حديث”. كان هذا كل ما أراده الزبونان في عقدهما الرابع من العمر واللذان عملا لوقتٍ طويل بالتأليف والنشر. وقد تم التقيد بطلباتهما من قِبل الشركة المصممة IROJE KHM بأن تمت ترجمة أدق التفاصيل التقليدية بلغةٍ عصريةٍ حديثة على مساحةٍ تقدر بـ 2,316 مترٍ مربعٍ، وهذا ما يجسد أهداف وآمال المعماريين الكوريين حالياً، إذ يعتبر تحدياً حقيقياً لإثبات القدرات أمام أحجيةٍ معقدةٍ كهذه ومشكلةٍ صعبة الحل. ولكن في النهاية لابد من دراسة الإرث العريق من التقاليد فقد تكون الملهم الحقيقي للإبداع.

يرتكز المفهوم الإتساع المكاني المحدد لهذا المنزل الصغير على توزيع الحركة المميز، وهذه إحدى ميزات العمارة التقليدية في كوريا. إذ تستمر هذه الإستدارات إلى ما لانهاية في المساحة المحددة، ثم تتداخل مع بعضها حتى تخلق في النهاية عدة أطرٍ متداخلةٍ بديعة المنظر، تحيط الطبيعة بالمنزل.

من المميز في أهداف العمارة الكورية فكرة أن يكون المنزل ملجأً يقينا من أخطار العالم الخارجي في هذه الأيام، ولكن لا يمكن فصله نهائياً عن الطبيعة الخارجية. إذ تساعد اللمسات الطبيعية داخل المنزل بإضفاء روح التغيير والتنوّع عليه. فكان لابد من ترك فسحةٍ لمشاهدة الأزهار منذ بداية تبرعمها وحتى ذوائها. ولهذا حافظ الكوريون القدماء على احتواء المنزل فسحةً كبيرة تسمى Madang لتكون الردهة الأساسية في المنزل، وتكون مفتوحةً على الهواء الطلق لتربط القاطنين بالطبيعة.

وحيث يعتبر الكوريون الـ Madang جزأً أساسياً من المنزل، فقد احتوى هذا المنزل على ثمانية ردهات Madangs توزعت بين طابقي المنزل، وتداخلت مع بعضها البعض باستداراتٍ جميلةٍ خلابة. وقد تم ربط كل الأجزاء الرئيسية في المنزل بهذه الردهات بطريقةٍ ما أو بأخرى؛ فهناك ردهة الإستقبال وردهتين رئيسيتيين بالإضافة إلى جناحٍ يسمى jungja، وقاعةٍ للخدمات وردهةٍ داخليةٍ وردهتين في الطابق العلوي ترتبطان مع بقية الردهات أيضاً.

ولم تساعد مساحة الموقع الصغيرة على الحصول على فناءٍ خارجي يماثل في مساحته مساحة الـ Madang على الأقل. فمساحة الطابق الأرضي كانت صغيرةً جداً، بالكاد اتسعت لغرفتي المعيشة والطعام، وبقية الغرف لتتوزع بين الطابق الذي تحت الأرض والآخر الذي في الطابق الثاني. حيث تجمّع كل ما يتعلق بغرف النوم في الطابق الثاني وانتظم بشكلٍ دائريٍّ حسب التقليد الكوري المسمى piloti. ولكن الـ Madang الرئيسي للمنزل كان بمثابة فناءٍ أمام المنزل يربطه بالجوار ويعزله عن الطريق العام.

وتعتبر طريقة التصميم ” RU” المتبعة في هذا المنزل من الطرق التي توفر للمنزل عدة ميزاتٍ معمارية. أولها؛ إفعام الردهات الداخلية للمنزل بأجواءٍ مريحةٍ هادئةٍ بسبب إحاطتها بالـ Madangs. وهذا ما يساعد بتشكيل Madang أخرى في المنتصف ولكن بسقفٍ هذه المرة. أما الميزة الأهم، فتبعاً لعدم إمكانية تسييج المنزل بسبب قوانين البناء والتخطيط في المنطقة. فقد ساعدت طريقة تصميم المنزل بعزله عن الجوار نظرياً والمحافظة على حميمية وتواصل أجزاءه الداخلية فعلياً.

وأحد أكثر أجزاء المنزل جمالاً ولفتاً للنظر هو الطابق الثاني الذي يبدو وكأنه طائرة خشبية هائمة في الفضاء. فهو عبارة عن كتلةٍ من الأخشاب تربطها ببعضها قضبانٌ معدنيةٌ على شكل حرف T، وتشكل تقاطعاتها الأبواب المعلقة التي تتبع التقاليد الكورية الجميلة. لتكون كلها أساليب تستحضر الماضي وتعبر عن الحداثة في نفس الوقت.

وبذلك كان هذا المنزل الجميل تجربةً إبداعيةً حقيقية لكل معماريٍّ كوري، تثبت أن التقاليد الحضارية هي أصل الأفكار الحالية، في حبن يساعد هذا المشروع على قراءة الإرث المعماري بلغةٍ حديثة.

إقرأ ايضًا