من صلابة الحجارة السويسرية… تتفجر ينابيع الإبداع

3

حتى من دون أية زخرفاتٍ أو عناصر جماليةٍ، يمكن لمنازل العصر الحديث أن تكون فعالةً وحسنة المظهر. هذا ما يتجلى في تصميم شركة Davide Macullo Architects المعمارية السويسرية -بالتعاون مع مسؤول التصميم -Michele Alberio لمنزلٍ حجريٍّ بسيطٍ في مدينة لومينو السويسرية على مساحة أرض إجمالية قدرها 221 متر مربع ومساحة موقع قدرها 497 متر مربع ومساحة بناء تصل إلى 133 متر مربع.

بوقوعه في قرية لومينو الألبية السويسرية شمال بيلينزونا تماماً، يستقر هذا المنزل كعنصرٍ حجريٍّ عموديّ، ليكمل ويعكس بهدوء سياقه العمراني والطبيعي المحيط به. هذا وتتميز المنطقة المحيطة بهذا المسكن بوجود المنازل التقليدية المبنية من الحجارة، والتي يعود تاريخ بناء العديد منها إلى قرونٍ مضت، متميزةً باستخدامها لمادة البناء الوحيدة هذه (الحجارة).

أما الهدف من بناء هذا المنزل وسط هذه البيئة، فهو خلق استجابةٍ ملائمةٍ وتفسيرٍ معاصرٍ لمفهوم “العمارة المحلية”، حيث يذكرنا شكله الإسمنتي المسلح المكشوف بالقوة العظيمة لتلك المنازل الحجرية القديمة من خلال ارتداد صداها في أرجائه. ولوجوده على حافة القرية القديمة، يعمل هذا المنزل كنوعٍ من البرج بين المركز القديم والتوسع السكني الحديث.

بالإضافة إلى إشارات النطاق المحلي والأمثلة المادية المستقاة من السياق المادي، كانت فكرة وطريقة المشروع متأثرةً أكثر برغبة الزبائن الصريحة في الحصول على أقل قدرٍ ممكنٍ من العناصر الجمالية، في كلٍ من المساحات الداخلية والخارجية.

بهذه الطريقة، ستكون نوعية المساحات في المنزل محددةً بوضوحٍ من قبل العمارة نفسها وليس من قبل العناصر والأشياء الموضوعة داخلها. فقد تم تبني فكرة “الحجر العمودي المصغر” كمولِّد تصوريٍّ للمشروع، لتتحول إلى مبدأ مطبقٍ على جميع العناصر في كل من البرنامج الوظيفي والإنشائي، ابتداءً من الأساسات وحتى أدقّ تفاصيل التشطيب.

أما الهندسة الشكلية للخطة، فقد تم ابتكارها من شكلين متغيرين متوازيي الأسطح، لتتبع أيضاً انحدار الموقع. بالتالي، تنبثق الطوبولوجيا التي تم خلقها من هذه الهندسة الشكلية المترنِّحة من كلتا الخاصتين المميزتين للمشهد الطبيعي، بينما تمنح أيضاً كلاً من المستويات علاقةً مباشرةً مع الحدائق المحيطة. حيث يربط النظام المزدوج للروابط العمودية -أحدها داخلي والآخر خارجي- بين جميع مساحات المنزل بحركةٍ لولبيةٍ، في تلاعبٍ مستمرٍ بإدراك قاطنيه الجدد لعوامل الزمان والمكان.

أما الأمر الممتع في المنزل فهو قدرة المساحات على التوسع والامتداد إلى المشهد الطبيعي، مما يسمح للخارج بأن يصبح جزءاً من التركيبة الإنشائية. في حين ينطلق مبدأ المنزل من ضرورة حماية وضمان الحميمية والخصوصية لقاطنيه، ولكن أيضاً، وبطريقةٍ متناقضةٍ نوعاً ما، من تمثيله لجوٍ من الرحابة والانفتاح على العالم الخارجي.

بينما يبقى الهدف الأساسي إيجاد مساحات يكون فيها السكان منفتحين على المجتمع الأوسع ومرتبطين به بطريقةٍ ملموسةٍ، للوصول إلى ما وراء انسياب التواصل الافتراضي المثير. فمن خلال هذه العلاقة المادية الملموسة مع المجتمع، يحافظ السكان على توازنٍ صحيٍّ لعقولهم وملَكاتهم الخاصة بالذكاء. والأهم من هذا كله هو أن كل مساحةٍ من مساحات المنزل تتدفق داخل التي تليها ليستمر هذا التدفق إلى الخارج، ويصبح المنزل في نهاية الأمر كتلةً متصلةً متكاملة.

من الملاحظ أيضاً أنه تم الابتعاد عن أعمال التنقيب والحفر في صخور الأرض إلى أقصى حدٍ ممكن، مع وضع مساحات الخدمة فقط على الطابق الواقع تحت الأرض (-1,4م)، بينما يمتد طريق وصول السيارات والمشاة من مستوى الشارع (+0,0م). من ناحيةٍ أخرى، وعلى ارتفاع نصف مستوى من قاعة المدخل، يوجد غرفتي نوم، وكلتاهما تمتلكان وصولاً مباشراً نحو تراسٍ خاصٍ بهما (+1,4م).

بالارتقاء إلى الأعلى، يوجد الجناح الرئيسي على الطابق الثاني (+2,8م)، مجدداً مع تراسه الخاص وطريق وصوله إلى الحديقة في الأسفل. وإذا ما استمرينا في الصعود إلى الأعلى، نصل إلى داخل مساحة المطبخ وتناول الطعام التي تنفتح أيضاً على الردهة المركزية المسقوفة المقابلة للجهة الجنوبية (+4,2م)، مع طريق وصولٍ إلى التراسات في الأسفل.

وعند اللزوم، يمكن أيضاً أن تُغطَّى هذه الردهة المركزية التي تقدم مناظر شاملة على أسطح المنازل المحيطة بسقفٍ هيدروليكي فعال. بينما تتمتع مساحة المعيشة الموجودة على الطابق العلوي بإطلالةٍ خلابةٍ على الردهة المسقوفة في الأسفل وطريق وصولٍ إليها.

إلى جانب المكاسب المأخوذة من القيم الحرارية المتأصلة في الإسمنت، تستفيد خصائص المنزل المستدامة أيضاً من وجود مضخةٍ حراريةٍ وخلايا ضوئية مركبَّة على السقف.

إنه حقاً منزلٌ بسيطٌ واقتصادي، والأهم أنه منسجمٌ تماماً مع بيئته.

إقرأ ايضًا