سنغافورة تقدم جنةً سكنيةً لواحدةٍ من عائلاتها

12

صممت شركة Ong & Ong السنغافورية المتحدة لعملائها في هذا المشروع –وهم عائلةٌ سنغافورية تتكون من زوجين لديهما ثلاثة أطفال؛ توأمٌ وطفلٌ أصغر كلهم تحت العاشرة- منزلاً ليكون جنتهم الخاصة. وكان هدفهم الأول زيادة المساحات الخارجية ولكن طبعاً ليس على حساب مناطق المعيشة الداخلية. وبالتالي نجد أنهم اهتموا كثيراً بنقطة توفير مساحاتٍ واسعةٍ للأطفال ليلعبوا في الخارج كما في الداخل. فكانت أول فكرةٍ طرأت على فكر المصممين هي تصميم مساحاةٍ داخليةٍ مفتوحةٍ وربطها مع المساحات الخارجية الواسعة.

هنا نجد أن المصممين قد استقوا فكرة ومخطط البناء من متطلبات عملائهم فقرروا ربط الداخل بالخارج مع إضفاء لمسة جمالٍ عصرية. إذ لا بد للبناء من أن يسمح بانسيابية الحركة مشكلاً آليةً مستدامة بين المساحات.

ولزيادة المساحات كان أول ما بادر به المصممون أن أزاحو كتلة البناء إلى زاوية مساحة الأرض المخصصة للمشروع. كما توصلوا للمخطط النهائي من خلال التأكيد على فصل غرف النوم والجناح الليلي عن غرف المعيشة والجناح النهاري. إذ تبدو أجزاء المنزل من الخارج وكأنها منفصلةٌ عن بعضها في حين أنها داخلياً مترابطة جداً مع بعضها.

أما الطابق الثاني من المنزل فله خصوصيته المميزة، إذ يضم غرف النوم والجناح الليلي، حيث يتعلق فوق الممر الأساسي للسيارات ويمنح شعوراً بأن المنزل مغلقٌ ومؤمّن. ويكسو هذا الجزء المعلق خليطٌ من معدنيّ التيتانيوم والزنك ليمنحاه هذا المظهر الغامق الكامد، أما المواد المستخدمة في التشطيبات الخارجية فقد كان الهدف منها إبداء مظهرٍ أكثر حميميةٍ يعكس روح المنزل الداخلية.

تم ترتيب المساحات في الطابق الثاني وظيفياً حسب حاجة شاغليه، وهذا ما أعطى للمساحات في الأعلى خصوصيتها. فلمنح غرف النوم أجواءها الممتعة تمت مراعاة تخفيض الأسقف مقارنةً بأسقف غرف المعيشة. كما تم فرش شرفة غرفة المعيشة العلوية بأرضيةٍ خضراء تشكل حديقةً صغيرةً للجلوس والتأمل والاسترخاء أو قد تتحول إلى ساحةٍ للمتعة إذا ما تم استخدام موقد الشواء المطل على بركة السباحة.

بالنسبة للمساحات الاجتماعية النشطة من المنزل فنجدها كلها في الطابق السفلي، حيث ترتبط دائماً بصورةٍ واضحةٍ مع بعضها. كما تُفتح الأبواب الكبيرة المزججة المنزلقة على الحديقة السفلية بحيث يمكن بذلك أن تتحول مساحات المعيشة والحديقة إلى مكانٍ واحدٍ منفتحٍ وفسيح.

طبعاً كان لكسوة المنزل دورها في تنظيم تقطيعاته وانسيابية المساحات داخله، فالكسوة المصمتة قد ساعدت على خلق مساحاتٍ خاصة، في حين عمل الزجاج على خلق انسيابيةٍ أوسع بأن دمج الداخل مع الخارج بصرياً، وفعلياً عندما تم تزجيج الأبواب التي يمكن فتحها ليشعر القاطن في المنزل وكأنه يعيش في الحديقة إذ ما أراد ذلك.

كما يساهم تنوع المواد المستخدمة وألوانها كالجدران البيضاء والتفاصيل المصبوبة من الإسمنت وتغطية الأرضيات بالخشب في خلق تنوعٍ داخل كل مساحةٍ مهما صغرت، مما يمنح الخطة السكنية المفتوحة شكلها المطلوب. ثم بنفس طريقة انفتاح المساحات العامة من المنزل على الحديقة السفلى وارتباطها بها، ترتبط غرف أفراد العائلة ببعضها بذات الانسيابية بواسطة أبوابٍ مزججةٍ يمكن أيضاً فتحها كلياً لتخفي أيه فواصل بين الغرف.

بعد مرورك فوق الأرضيات الرخامية والخشبية فوق العشب التي ترسم طريقك نحو المنزل؛ فإن أول ما يلفت نظرك هو السلم الذي يبدو كمنحوتةٍ كبيرةٍ تزين الردهة الرئيسية. فتمايله وانحناؤه يناقض الزوايا التي صُمم المنزل تبعاً لها. إذ يعمل السلُم كالمفصلة التي تربط الجزئين المتعامدين من المنزل معاً. فهو دوناً عن كونه صلة الوصل العمودية، يبدو كدعامة التثبيت التي يستند عليها البناء. إذ كيفما تخيل المرء طريقة لعب الأطفال بين جنبات المنزل متنقلين بين الأعلى والأسفل يبقى السلّم رابطهم الأساسي بين الطابقين وهو الجزء الأكثر جمالاً لتصميمه الذي يشبه المنحوتات.

وبعد تنفيذ المخطط بكفاءةٍ ظهرت الكثير من الجوانب غير المتوقعة ذات التأثير الإيجابي على رغبة العميل فيما أراد أن يراه في منزله. فلتضاريس الموقع فائدتها المفاجئة في تحسين مخطط البناء؛ إذ ساعد الميلان الطفيف إلى الخلف بمنح مساحةٍ خلفيةٍ لتبقى خالية. وهي المساحة التي عملت على إنارة المخزن السفلي.

وهنا ننتقل إلى ثالث عنصرٍ من عناصر المنزل، ألا وهو المخزن. وهو المكان الذي قد لا تعبر اللغة المعمارية عن استخداماته ولا تتدخل في النشاطات التي يُمكن أن تجري فيه. إذ لا يُستخدم عادةً كمساحةٍ عامةٍ للعائلة وإنما كمخزنٍ فحسب. وفي تصميم هذا المنزل بالذات تم القيام بحركةٍ معينة لتحدي هذا المفهوم، فتمت إنارة المكان بشكلٍ ممتاز فتنوعت المساحات الحيوية داخله.

حيث تُفعم الإضاءة الطبيعية المخزن من كلا جانبيه، فإحدى الجهات هي الساحة الخلفية الفارغة والثانية هي نافذةٌ يفصلها زجاجها عن مياه بركة السباحة. والنافذة بنفس عرض بركة السباحة حيث يتخللها الضوء من خلال الماء فتخلق مساحةً مضيئةً مشرقةً في المخزن تمت الاستفادة منها بوضع بار وطاولة دراسة وغرفة سينما. ويرتبط المخزن بالطابق الذي يعلوه بسلّمٍ ليكون بمثابة امتدادٍ للمساحات الحيوية والاجتماعية في المنزل بطابعٍ حميميٍّ متميز.

أما بالتطرق الآن إلى جوانب الاستدامة فنجد أن المنزل قد صُمم منذ البداية بخطةٍ مستدامة. فقد تم توجيه المنزل حسب الرياح السائدة في المنطقة لتتلاعب داخل المساحات الداخلية وتعمل على تهويتها طبيعياً. كما أن شدة انفتاح أغلب مساحات المنزل وتزجيج جدرانه سمحت للضوء بالتوغل إلى أعماق تقطيعاته الداخلية. وأكثر ما عزز التهوية والإضاءة الطبيعيتان هي ملاقف السقف التي كثرت في تصميمه، فتوجد ثلاثة ملاقفٍ لتضيء السلّم الذي يؤدي إلى المخزن، والكثير غيرها للتأكد من إضاءة كل جزء من المنزل.

كما أثرت نوعية المواد المستخدمة في التحكم ببيئة المنزل. فقد ساعد وجود الرخام والإسمنت المصبوب في تبريده. وكذلك الأمر يترك خشب الصاج الذي كسى معظم الأرضيات نفس الانطباع البارد كما الرخام الذي فرش مداخل المنزل. وكلها موادٌ من مصادر محلية مما ساعد في تخفيف تكاليف النقل.

أما الماء فقد تم حفظه في خزاناتٍ حافظةٍ للمياهٍ غير مضرةٍ بالبيئة. وللنوافذ مواضعها المقصودة بحيث تضيئ المنزل ولكنها تتراجع للخلف لتوفير الظل أيضاً ولتخفيف قدر الوهج الداخل منها. وكان هذا ما ساعد على تخفيف الحاصل الشمسي إلى 40 بالمئة، وبالتالي توفير الطاقة المستهلكة في التبريد.

تم اختيار نباتاتٍ محلية معينةٍ لتُزرع على ضفاف البركة وتظللها ولتضفي بعض الخصوصية على الحديقة. كما أن لاختيار النباتات المحلية فائدته في الاستفادة من التربة ذاتها، وفي تنفيذ الخطة في الموقع بكل سهولة.

في النهاية نجد أن المنزل هو قطعةٌ فنيةٌ معماريةٌ عبرت عن رغبات أسرةٍ شابة. وقد تغلبت الخطة على قوانين تحديد مساحات الحدائق في سنغافورة بأن مزجت المساحات الداخلية بالخارجية وأوجدت علاقةً وثيقةً بينهما فجعلت من الحديقة تبدو واسعةً للغاية في نفس الوقت الذي بدت فيه مساحات المعيشة الداخلية فسيحةً رحبة.

إقرأ ايضًا