منزلٌ يغيّبك في غياهب تفاصيله الرائعة في سنغفورة

8

يمنحنا شارع 55 Blair Road بسنغافورة رؤيةً جديدةً لمفهوم المكان، حيث نجد فيه تجربةً مكانيةً تستثير الحواس، خاصةً بطريقته في تطبيق نوع الإضاءة المنفتح على بعضه هذا. والغريب بالنسبة لمنازلٍ مليئةٍ بالشرفات على هذا الطراز. أن هذا المنزل يخلق توازناً بين الطبيعة ومكان الإقامة العصري بشرفةٍ تستلهم تصميمها من فن Art Deco.

وهي عناصرٌ حرصت شركة Ong & Ong Pte Ltd على توفيرها بإعادة ترميمها لهذا المنزل الضخم. ولخلق إضاءةٍ تنساب في مكانٍ مفتوحٍ على بعضه مهما تعددت حجراته وتقسيماته بتناغمٍ بين خارجه وداخله؛ فإن العلاقة المتفاوتة بين العناصر المعدنية في المكان وتلك النغمات الرقيقة في المنزل تخلق فيما بينها علاقةً فراغيةً مثيرة.

وما هو مشروع 55 Blair road إلا ترميمٍ وتجديدٍ لمنزلٍ قديمٍ بطراز Art Deco. وكان قد ناله الكثير من التحديث منذ عشر سنواتٍ انصرمت. ولكن مالكه الجديد وجده معتماً جداً وأراد له بعض الإضاءة والحيوية في غرف المعيشة.

وبالالتزام بالقيود الصارمة للحفاظ على المباني القديمة وعدم المساس بها، كان لابد من إيجاد حلٍ لتحديث هذا المنزل وترميمه. وهذا ما تم على يد شابٍ محترفٍ كانت له رؤيته الخاصة بكيف يجب أن يكون المنزل؛ وبعد إتمامه خطته كان المنزل رائعاً كما الرؤية تماماً.

ويعتبر الطابق الثاني من المنزل هو الجزء الرئيسيّ فيه، لذا تم تقسيمه ليتسع لغرف النوم الرئيسية ويحتضن مساحةً للدراسة مع حماماتٍ مدمجة بغرفها. وقد غلفت وتطابقت الواجهة الجديدة المزخرفة بطرازٍ تقليدي مع كل المساحات الإضافية التي رغب بها العميل.

ولابد من الأخذ بعين الاعتبار مدى صعوبة إضاءة مساحةٍ بهذا الطول، فهناك فراغٌ كبيرٌ يفصل القسمين الرئيسيين عن بعضهما سامحاً لأكبر قدرٍ ممكن من الإضاءة بأن يتوزع عبر الفراغ. لذا عمل المصممون من خلال الجدران المطلية بالألمونيوم على عكس الإضاءة إلى غرف المعيشة. وهنا لا يمكننا النظر إلى رحابة واتساع المكان كعاملٍ وفر إضاءةً متميزة فحسب؛ بل كعاملٍ سيساعد أيضاً بتوفير الكثيرمن التهوية الطبيعية داخل المنزل.

كما أن هذه الواجهة التقليدية المزخرفة لم تكتمل إلا بتصميمٍ معقدٍ وتخطيطٍ حديثٍ معاصر، أما اللغة المعمارية الصلبة المستخدمة خلال خطة الترميم ككل فتؤكد على التوحد مع الفراغ، لتكمل تلك النغمة الرقيقة والعناصر الصلبة بعضها البعض لخلق أجواءٍ متناغمةٍ داخل المنزل.

أما بالنسبة للتواصل المكاني فيعتبر عنصراً أساسياً لخلق علاقةٍ بين الداخل والخارج، وقد تم تحقيق هذا التواصل في الطابق الأول عن طريق جدارٍ زجاجيٍّ متحرك، يقود مباشرةً إلى بركة السباحة الداخلية. أما أجزاء البيت الرئيسية فمفصولة ببركةٍ أخرى خارجية وحديقةٍ صغيرة. وعندما يتم فتح كلا الجزئين المفصولين بالزجاج على بعضهما يصبح الطابق الأول مكاناً واحداً في غاية الاتساع.

وقد أثبتت خطة التصميم المتبعة أنها مقاربةٌ تؤيد التنوع في المكان الواحد. فالطابق الأرضي ليس ردهةً وغرفة معيشةٍ فحسب، بل فسحةً مثاليةً للاسترخاء والجلوس على جانب البركة. وقد أضافت نيّة خلق تنوعٍ مكانيّ في الطابق الأول قيمةً أكبر لمكانٍ بهذا الحجم.

والجميل حقاً في هذا التصميم البديع هو طريقة غرس أجهزة التلفزة والموسيقا في الجدران بحيث يتم إخفائها بإحدى القطع الفنية عند عدم الحاجة لاستخدامها. وهذا ما يبدو كطريقة معالجةٍ جديدة لمفهوم التواصل المكاني. بالإضافة إلى جهازٍ مدمجٍ مخفيّ للتحكم بتغيير أوضاع وألوان وتوزيع الإضاءة في المنزل.

أما القسم الخلفيّ وهو القسم المخصص للخدمات فيضم مطبخاً وحماماً للضيوف وغرفاً للخدم مع عليّةٍ في السقف. وترتبط هذه المرافق كلها ببعضها البعض من خلال سلّمٍ لولبيٍ من الفولاذ. أما الردهة الداخلية فتفصل قسميّ المنزل الرئيسيين رغم التصميم الذي يجعلها كوحدة واحدة. ونجد أن المطبخ قد تم طلاءه بالألمونيوم الأملس لتوفير مساحةٍ صافيةٍ فيه.

وهنا يجدر بنا الذكر أن الفن والإبداع يكمن في مفهوم ورؤية المصمم لعناصر تصميمه في قدرته على خلق علاقات توازنٍ أو تضاربٍ أحياناً بين المادة المستخدمة والمساحة والتصميم. فمثلاً نجد توازناً بين الألمونيوم وحديقة أشجار الـ frangipani في الردهة الداخلية والتي تجعل القاطن يعيش تجربةً مكانيةً مثيرة. وحتى المفارقة بين العناصر العضوية وتلك المعدنية تزيد الإنتماء لمكانٍ انسيابيٍّ متواصل.

كما ركز المصمم على الحفاظ على تقاليدٍ في غاية الجمال تمزج الحاضر بالماضي في تصميمه للواجهة وللحديقة أيضاً فأشجار الـ frangipani التي تملأ الحديقة هي أشجارٌ مرتبطةٌ بالديانة البوذية والتراث الهندي. فالأجذع الملتفة تعتبر جزءاً من تصميم المنزل وميزة من ميزاته. وبرغم تحديث واجهة المنزل إلا أن هذا العنصر قد تم التشبث به وضمه للطابع المعاصر الحديث للمنزل.

أما غرفة النوم فتتميز بكون حمامها مدمجٌ فيها وهو أسلوبٌ عصري يعارض اللغة المعمارية التقليدية التي اعتمدها تصميم الواجهة. وهي عبارةٌ عن صندوقٍ مزججٍ معلق فوق بركة السباحة، وهذا النوع من التداخل في التركيب يؤكد الطبيعة المرنة اللعوبة للخطة الهندسية. فالتصميم الداخلي يتعارض تماماً مع الواجهة المزخرفة. وكل التفاصيل المتعارضة بين ثنايا التصميم تتجمع في النهاية لتخلق تناغماً في الخطة ككل.

ومن المهم ذكره أن الإضافات الحديثة قد شملت تجديداً للأرضية، فكان أن عمت النقوشات البنية بشكل الجوز الطابقين الثاني والثالث. وارتبط المطبخ بالجناح الرئيسي للمنزل بطريقٍ مرصعٍ بأحجارٍ بحجم القدم الواحدة ترتصف على طول الممر. بالإضافة إلى نوعٍ ثالثٍ من الأحجار تم نحته ليُستخدم كحوض استحمامٍ في الحمام المطل على بركة السباحة والحديقة في الأسفل. مع مراعاة كون بقية إكسسوارات الحمام من نفس نوعية الحجر.

أما الميزة الأخرى المغرية في غرفة النوم الرئيسية فهي انفتاحها على مساحةٍ فارغةٍ كبيرةٍ تمكنها من الإطلال على الطابق الأسفل. لتكون خطة غرفة النوم الرئيسية تابعةً لمخطط محور المنزل، وتندمج بصفين متماثلين من رفوف الكتب وصولاً إلى منطقة الدراسة.

وبالنسبة لارتفاع الطابق الثاني فقد تمت الاستفادة من خلال خلق شرفةٍ عند منتصف الارتفاع تبدو كعليّةٍ أمكن تصميمها كغرفة نومٍ للضيوف. وقد تطلب الأمر بعد ذلك رفع السقف لتوفير كفاية من الضوء بحيث يعم المكان بأكمله.

ويبدو أن السلم اللولبي كان كزينةٍ لهذه العلية إذا بدا كشريطةٍ جميلة تتدلى منها بالإضافة لكونه سهّل الوصول إليها. مع التركيز على أن وجود هذا السلم يعتبر عنصراً أساسياً في تصميم المنزل، وقد تمت إضاءته بأضواء السقف العادية طبعاً ولكنها أضواءٌ تجد لنفسها متسعاً رحباً لتنتشر حتى الأسفل بكل انسيابيةٍ ونعومة. ويفصل السلم المطلي بالستيل في الطابقين الثاني والثالث مساحة الموزع وتحديداً يفصل غرف النوم عن بعضها.

وفي النهاية نجد أن هذه الخطة قد خلقت علاقةً وطيدةً بين خارج وداخل المنزل حقاً. ففكرة وضع بركة للسباحة في قلب المنزل كانت من أقوى مقومات التنوع المكاني وزيادة المساحات واختلاف النشاطات داخل مكانٍ واحد. كما يستفيد القاطن في المنزل من هذه المساحات الكبيرة الفارغة التي تمكنه من الإبتكار حسب متطلباته ثم التغيير بسهولةٍ لمرونة التصميم. وقد حصل المالك على كل مقومات الإضاءة المثالية، وحتى طلاء الألمونيوم الذي يزيد من عكس وتوزيع الإضاءة كان استجابةً لرغبات العميل، فحقق هذا المنزل أحلامه بإسراف وأناقة.

إقرأ ايضًا