عمارة سينمائية في برج بمظلات متساقطة

2

تناقل أهالي مدينة ملبورن الأسترالية أنباءً عن تساقط مظلاتٍ ملونة من واجهة إحدى المباني السكنية التي أشرف على تصميمها فريق Elenberg Fraser المعماري.

إذ يبدو أن المصممين لم يتوخوا الحذر أثناء تصميمهم لهذا المبنى، وفضّلوا العبث بواجهته، ربما في محاولةٍ منهم لجذب الأنظار…

ويبدو أن المحاولة قد نجحت وبجدارة، إذ لم يستطع أي من المارة تجاهل برج A’Beckett عالي الكثافة المحشور ضمن سياقٍ عمراني كثيف أيضاً على أرضٍ بمساحة 900 متر مربع، متألقاً بكاسراته الشمسية البالغ عددها 347 والملونة بـ 16 لونٍ مختلف.

قد تظن للوهلة الأولى أن معماريي البرج عمدوا على خرط المبنى بالسياق المعماري المحلي، ولكنهم على العكس تماماً؛ فقد عزموا على تحري واستكشاف التأُثيرات الحسية للألوان عوضاً عن تجسيداتها الرمزية، وذلك عن طريق اختبار نظرية غوتيه بالألوان.

فحسب زعم المصممين؛ دارت اهتماماتهم بالكشف عن كيفية استجابة ومعالجة الجسد للألوان الممزوجة وغير الواضحة، عوضاً عن البحث عن المعاني التي يربطها العقل بالعناصر اللونية المنفردة.

وتكمن المفارقة هنا باختيار ألوان صادات الشمس والحرارة بدرجات لونية مستوحاة من المناظر الطبيعية في أستراليا، التي وحتى وقت قريب كان يضربها الجفاف والحر. وعلى الرغم من تأثير ظاهرة النينيا والفيضانات الناجمة عنها في إغناء وإنماء التربة في البلاد، يبقى المبنى جرس تذكير بالتاريخ البيئي في أستراليا والمستقبل المتوقع لها.

بالعودة إلى نظرية غوتيه في الألوان -والتي تؤكد على أن اللون هو ظاهرة تقع على الحد الفاصل بين الضوء والظل- يمكنك أثناء السير حول برج A’Beckett أن ترى بوضوح تلك الخريطة السوداء التي ترسمها ظلال المظلات، والتي تنفتح على الحقل اللوني لتتلاشى أخيراً في الضوء، إنها باختصار عمارة سينمائية.

وفي الوقت الذي تختزل فيه تلك المظلات الملونة البرج برمته لتضعه في فئة التصميم الصناعي؛ يمكن للمرء أن يدرك البرج على أنه كلٌّ واحد تبدو فيه المظلات وكأنها تتساقط من أعلاه لأسفله، حيث تقع عين الرائي حينها على مصف السيارات المذهل التي تمت تغطيته بحاجز مثقب يحمل تصميماً خلاباً بتوقيع الفنان جون وارويكر مؤسس شركة tomato التصميمية، والذي يشير تصميمه إلى المؤسسات الفكرية الفرنسية التي كانت شائعة في فترة الستينيات من القرن الماضي.

يرى البعض أن هذه اللوحة ما هي إلا إشارة لانخراط برج A’Beckett في المجتمع التعليمي للمدينة، حيث يقع على مقربة من جامعة RMIT الشهيرة، ناقلاً فكرة الجامعة للجامعة نفسها.

كما يرى الكثيرون أن فريق Elenberg Fraser قد تعامل مع الانتقال ما بين المنصة والبرج بطريقة غير تقليدية، حيث تمت إحاطة مصف السيارات بقشرةٍ من الشقق السكنية، ليتم الدخول إلى المرآب عبر مصاعد خاصة بالسيارات ساهمت في تحرير الشارع من الممرات المنزلقة التي ما كان للمعماريين التخلي عنها لولا هذا الحل الجديد.

أما بمجرد دخولك ردهة البرج، فهناك ستقع عيناك على قطع فنية أخرى بتوقيع الفنان جون وراويكر ودانيل كروكس، وعندها فقط ستدرك أنك لست في مجمع سكني تقليدي على الإطلاق…

فمقارنةً مع هيئة البرج الخارجية تبدو الشقق خالية من الألوان تماماً، حيث يطغى عليها اللونين الأبيض والأسود، وتشوبها الأجواء غير المتوقعة، حيث لن تتمكن من تجاهل تلك الجرارات التي تكشف عن ألوان حمراء صاخبة بمجرد فتحها، أو تلك الشماعات التي تبرز فجأةً من الجدران على شكل أيدٍ جاهزة لحمل معطفك الثمين.

ليس هذا وحسب؛ إذ ستسحرك الشقق بمرونتها العالية، خاصةً مع تلك الأبواب المنزلقة التي تقدم لك خيارات متعددة لتعديل مساحاتك، فإن أردت فصل غرف النوم عن غرف المعيشة مع عليك سوى أن تغلقها، وإن أردت مضاعفة مساحة غرفة المعيشة فما عليك سوى فتحها على غرفة النوم الرئيسة…

وهناك سيأتي دور المرايا والأسطح الزجاجية التي ستحافظ على خصوصيتك وتؤدي لعبة الضوء والظلال بحرفية عالية، في حين تبقى الشرفات مسك الختام، حيث ستكون المكان الأنسب الذي سيقدم لك أفضل تجربة لنصب منظارك الخاص والتمتع بإطلالة رائعة على المدينة.

إقرأ ايضًا