ريتشارد ماير وتصميمٌ تحت الضغط

24

يقول المعماري الأمريكي يهودي الأصل ريتشارد ماير بأن “الهندسة ما هي إلا تقليدٌ وسلسلة مستمرة… وسواء كنا مع أو ضد الأمور التقليدية فإننا متأثرين بها، وكل ما نبنيه أو نصممه الآن له علاقة ومتصل بالماضي… فنحن نتطور فقط.”

وعلى الرغم من هذا التصريح القوي إلا أن ماير قوبل بوابلٍ من الاتهامات والاحتجاجات على خلفية بنائه لمتحف Ara Pacis على ضفاف نهر التيبر في العاصمة الإيطالية روما، ابتداءً بالناقد المعماري في صحيفة نيويورك تايمز Nicolai Ouroussoff، وانتهاءً برئيس بلدية روما السياسي الشهير Gianni Alemanno الذي هدد بهدم المتحف، ولكن هذه الآراء ما لبثت أن انصبت في صالح ماير.

بناءً على ذلك كان على ماير القيام ببعض التعديلات على التصميم، حيث خفّض من ارتفاع الجدارن بين المساحة الخارجية المفتوحة من المتحف والشارع المحموم على طول نهر التيبر، الأمر الذي جعل الساحة مفتوحة على النهر أكثر من قبل.

وبما أنه على التصميم أن يحافظ على روح المذبح القديم، تم نقل هذا المذبح الذي يعود تاريخ بنائه إلى القرن التاسع قبل الميلاد من Campo Marzio في العام 1938 في عهد موسيليني، وهكذا كان لابد من تطبيق نظامٍ من الخطوط المنتظمة على المشروع تكريماً لموقع المذبح الأصلي.

من جهةٍ أخرى تم تقسيم المسافة بين المركز الحالي لضريح أغسطس قيصر وبين الموقع الأصلي بواسطة شبكة عمرانية من أربع ساحات، كانت تستخدم لتؤطر الساحة والمنطقة، بينما تم استخدام عمود اصطناعي كإشارةٍ تاريخية في المحور الشمالي الجنوبي من المذبح، كما وقد استطاع ماير أن يضفي مسحةً من الوضوح على الكتل وأبعاد المبنى، تشبه إلى حدٍ بعيد تلك التي تحظى بها الكتل التاريخية الرومانية.

إلا أن ذلك لم يمنع من إقحام بعض الملامح العصرية مثل الجدار المستعار الزجاجي، الذي يعتبر العنصر الأبرز في التصميم، إذ يبلغ طول هذا الجدار 150 قدماً ويرتفع حتى 40 قدماً، إلى جانب قاعة الدخول غير المتماثلة التي تقود إلى القاعة الرئيسة التي تضم بدورها متحف Ara Pacis؛ حيث تحيط بهذه القاعة سبعة أعمدة رفيعة مصنوعة من الإسمنت المدعم ومكسوة بالرخام المشمع الأبيض.

نقطة أخرى مضيئة في التصميم، تتجلى بقدرة ماير على إبراز التناقض بين إضاءة المدخل الخافتة وما بين الإضاءة الباهرة التي تغمر القاعة الرئيسة غير المتماثلة، وهو ما ساهم بظهور توزيعٍ متطور للإضاءة ولكن بشكلٍ طبيعي، وما زلنا في الإضاءة، حيث تم تزويد سقف القاعة الرئيسة المتربع على أربعة أعمدة بملاقف لتعزيز الإضاءة الطبيعية والتقليل مما دعاه ماير “ظلالاً كاذبة”.

أما وإلى الخارج من الكتلة الرئيسة، فيمتد جدارٌ منخفض مصنوع من حجر الترافرتين من قلب القاعة متتبعاً آثار شاطئ التيبر التاريخي، فقد تم التركيز في هذا المشروع على استخدام المواد التقليدية دوناً عن غيرها كالزجاج والإسمنت وطبعاً حجر الترافرتين المحلي بلون البيج.

وعلى الرغم من أن حماية المذبح القديم تمثل الهدف الرئيسي لقيام هذا المتحف، إلا أن المبنى استطاع أن يؤمن مساحة للمعارض المؤقتة والتراكيب المعمارية التي تحمل مواضيعاً أثرية، بالإضافة إلى مكتبةٍ رقمية متطورة لحفظ الثقافة الرومانية في عهد أغسطس قيصر.

وأخيراً يعلو سقف القاعة الرئيسة من المتحف تراسٌ خارجي يخدم بدوره كجزءٍ رئيسي من خطة توزيع المتحف، ويضم هذا التراس حانةً ملاصقة له ومقهى مطل على ضريح أغسطس إلى الشرق ونهر التيبر إلى الغرب.

يُذكر أن أعمال البناء في متحف Ara Pacis قد امتدت ما بين العام 1995 والعام 2006، وهو العام الذي نفض فيه ضريح أغسطس قيصر عن كاهله غبار الإهمال، والفضل لردهة ماير الطويلة والمزججة الممتدة على طابقٍ واحد، والتي ترتفع فوق منصةٍ قليلة العمق… مشكلةً بذلك حاجزاً شفافاً بين سد التيبر والضريح.

إقرأ ايضًا