مصدر الوحي

16

إن كان المشروع تصميم المكتبة يكون مصدر الوحي هو الكتاب أو الصفحات، وإن كان المشروع متجر للأحذية يدور المفهوم برمّته حول شريطة الحذاء، فهل يعقل أن يكون مصدر الوحي ومولد المفهوم التصميمي في مركزٍ لتعليم الطهي هو الصحون وأطباق الطعام؟

في الواقع هذا ما حصل في المقر الرئيس لمركز باسك لتعليم الطهي في إسبانيا، إذ كانت نقطة البداية في خصائص الموقع، بينما كان لأطباق الطعام الكلمة الفصل في توليد الكتلة، فتعالوا نكتشف معاً.

يقع المبنى على تماسٍ مباشر بمجمع ميرامون التكنولوجي للأعمال في موقعٍ منحدرٍ للغاية، وهذا ما أملى نقطة بداية المقترح المعماري.

فبتوقيع فريق VAUMM المعماري، يأتي المبنى كرمزٍ لجامعة علوم حسن الأكل، مظهراً للخارج صورةً تقوم على الريادة الإبداعية والتكنولوجية من جهة، بينما يحترم ويتفاعل مع نطاق الحي منخفض الكثافة الذي يتربع وسطه من جهةٍ أخرى.

وبسبب هذا الظرف المزدوج يستفيد المبنى بأقصى شكلٍ ممكن من المنحدر لتنظيم البرنامج الوظيفي من الأعلى وحتى الأسفل، واضعاً المناطق العامة عند مستوى الدخول، وبالتالي مقدماً المزيد من الخصوصيةً للبرنامج كلما نزلنا للأسفل.

أما عن الكتلة فتأخذ هذه شكل حرف U يشق طريقه وفق ما يسمح له المنحدر، لكن دون نسيان أهمية إعطاء المساحات الداخلية التي تحتضن توزيع الحركة شكلها الخاص.

فبهذه الطريقة تتشكل مساحةٌ مليئة بالنشاط والحركة، حيث تجري كل العلاقات والتبادلات، التي تمثّل بدورها العنصرين الأساسين للعمل الإبداعي.

والآن يحين دور وجهة النظر الوظيفية؛ حيث هنا تجدر الإشارة إلى أهمية هذا المخطط في السماح بتنظيم استخدام البرنامج بطريقةٍ مختصرة ضمن ثلاثة مجموعات؛ إحداها مرتبطة بالمنطقة الأكاديمية، وأخرى بمنطقة الممارسة والتدريب، وأخيرة مرتبطة بمنطقة الأبحاث.

وعن طريق ربط كل هذه المناطق عمودياً بمنطقة التدريب على علم حسن الأكل -وذلك عبر غرف تبديل الملابس والورشات ومطبخ ما قبل الطهي، والمدخل للمطابخ الأخرى- يتم التوصل للربط والاتصال ما بين كافة الأجزاء وما بين الناس والطعام بطريقةٍ مباشرة.

هنا نلفت النظر لمسألةٍ هامة، فمن على مسافةٍ بعيدة يُظهر المبنى كافة المستويات المختلفة التي تعطيه شكله الخاص، مقدماً مقارنةً واضحة بين حجمه وحجم مباني المجمع التكنولوجي للأعمال، في حين تتحول الأسقف لدى رؤيتها من قريب إلى مناطق تُستخدم لزراعة النباتات والمزروعات القابلة للأكل، وهذا ما يعدّل نسبياً من تأثير المبنى على المساكن شبه المنفصلة الأقرب إليه. *توليد الحجم: يقوم توليد الحجم من وجهة نظر مفهومية على اللعب بفارق الحجم ما بين الصورة الرمزية للصحون المتكدسة فوق بعضها البعض والمبنى نفسه.

فعلى سبيل المثال يتعامل الفنان روبرت ثيرين (شيكاغو 1947) بأدوات المطبخ اليومية كالصحون والقدور و… بطريقة مبهرة، رافعاً إياها لمستوى عناصر فنية، وذلك عبر التكديس والتلاعب بالأحجام.

فالخاصية المسطحة التي تتمتع بها هذه العناصر تتناقض تماماً مع حضورها الرمزي عندما يتم افتراض بُعدها الجديد.

وهذه هي تماماً الاستراتيجية المستخدمة في توليد الكتلة الخارجية للمبنى، حيث تخدم صحون ثيرين كدعمٍ يومي للمساحات المتعلقة بالتطوير التكنولوجي والإبداعي في مجال علم حسن الأكل، وبهذه الطريقة يقترح المعماريون استعارةً أو صورةً رمزية تجمع علم حسن الأكل بالعمارة؛ بمعنى آخر “يصبح الصحن هنا مرةً أخرى دعماً لعلم حسن الأكل، وتتحول الكتل الطابقية المعمارية مرةً أخرى إلى دعمٍ للنشاط.”

إقرأ ايضًا