زواج القديم والحديث في متحف CAM

17

من موقعه في المنطقة التاريخية في مدينة رايلي بولاية نورث كارولاينا الأمريكية، سيفرد متحف الفنون المعاصرة جناحيه كفراشةٍ تحررت أخيراً من شرنقتها التي قيّدتها لزمنٍ طويل.

فقد احتل تجسد المتحف سابقاً بكتلةٍ قرميدية من طابقين شغلتها شركة ألن فورج آند ويلدنغ في بداية القرن العشري، وطرأ عليها فيما بعد في 1927 تغييراتٍ حضّرتها لاستقبال شركة بروجدن الإنتاجية، أما مؤخراً فقد استأجرتها ولمدةٍ طويلة شركة كال-تون للطلاءات، التي استقرت داخل جسدها المكتسي بالأسبستوس.

لكن ليس بعد الآن، فقد وضع معماريو بروكس+سكاربا بالتعاون مع شركة كليرسكيبس، لمساتهم المعمارية المعاصرة عليها، مما حوّلها إلى متحفٍ جديرٍ باحتضان الفن المعاصر على مساحة 22.300 قدماً مربعاً، احتلت ردهة الدخول الجديدة فيها 900 قدماً مربعاً.

الجدير بالذكر هنا أن هذه المنطقة التاريخية من المدينة لا تحتضن حالياً سوى مجموعةً هامةً من المباني العائدة لأوج عصر النقل والشحن بالسكك الحديدية، وعن طريق إعادة تدوير هذا المبنى الهام، سيحفظ متحف الفنون المعاصرة جزءاً كبيراً من تاريخ المدينة، ويوضّح التزامه بمبادئ الاستدامة البيئية والريادة في مجال المحافظة على الإرث التاريخي.

إلى جانب المحافظة على التاريخ يضيف المتحف كتلةً جديدة بمساحة 900 قدم مربع، ستكون بمثابة ردهة الدخول الجديدة للمتحف، حيث يغلف الزجاج الردهة المبهرة من كل الجهات أسفل سقفٍ مطويٍّ يمتد فوق حديقة الدخول النحتية، مشكّلاً ما يشبه رواقاً أمامياً مهمته الترحيب بالزوار.

فعلى الجانب الشرقي من المبنى الأصلي، تقع الردهة المميزة، التي تجسّد فهماً وتفسيراً حديثين لمنصة التحميل القديمة… فهنا يتحرك الناس وتُجتذب البضائع والفنون عميقاً إلى داخل اللب المركزي من مساحة المعرض الرئيس.

فمن شأن هذا المحور المتقاطع غير المتماثل أن يقع بجوار المبنى التاريخي القديم المتناسق مكمّلاً إياه بطريقةٍ مذهلة.

إذ ينهار المبنيان سوياً ويندمجان أخيراً في جسدٍ واحد، وهكذا يصبح القديم والحديث كلاً متحداً، وتستثير المساحة نوعاً من الانبهار والدهشة التي لا يمكن تجاوزها، مقدمةً في الوقت عينه قيماً تقليديةً لكل زوارها.

وبهذا المعنى يصبح المبنى بحد ذاته، وحسب كلمات السيد جون موريس، مهندس البرمجيات والمصوّر والكاتب “قطعةً فنية، فهو يؤرخ المنفعية الصلبة في ماضي مدينة ريلي بقرميدها الأحمر، مجسداً مبنى قديم بهدفٍ جديد ومساحةٍ داخلية جديدة بمظلةٍ سقفيةٍ مستقبلية تكمله رغم المصاعب بشكلٍ جيدٍ حقاً.”

أما عن مدير التطوير في المتحف، السيدة روزماري ويتش، فقد أشارت إلى براعة التصميم في المحافظة على معظم النسيج الأصلي للمبنى، الذي كان فيما مضى مخزناً للإنتاج مزوداً بمنصاتٍ خاصة لتحميل المنتجات من الشاحنات، حيث تم الإبقاء على تجهيزات مصعد الشحن الواضح تماماً للعيان من الدرج المفتوح على المستوى الرئيس من المتحف.

هنا تماماً يكشف المتحف عن صالته الرئيسة، التي تبدو كمساحةٍ مبهرة متميزة بأسقفها المرتفعة وعوارضها المعدنية القديمة المكشوفة، إلى جانب تلك التفاصيل التي تشكّل جزءاً من نظام التدفئة والتبريد والتكييف الهوائي الجديد.

ليس هذا وحسب؛ إذ تظهر هنا نافذةٌ هلالية الشكل من شأنها أن تُغرق المساحة بالضوء الطبيعي، الذي سيتغلغل عميقاً إلى صالة العرض القبوية وصولاً للطابق الأسفل، الذي يحتضن بدوره المكاتب الإدارية ومنطقة التخزين ومناطق التحضير والمطبخ.

فهناك تحدد المناطق الإدارية أنصاف جدران تعطي القبو إحساساً بالانفتاح، ليتسع لمساحة أخرى للعرض فيها “مختبر الميديا” أو غرفة الصندوق الأسود، التي من المأمول أن تحتضن عروض الفنون الرقمية وغيرها من التقنيات.

هنا تعلّق ويتش قائلةً “لدينا ثلاثة صالات عرض، الصالة الرئيسة هي الأكبر حجماً بينها، إذ تتسع لـ 499 شخصاً ولفعاليات وأحداث متنوعة، أما عن الصالة الثانية، فهي صالة الشارع، وقد تمت تسميتها بهذا الاسم نظراً لقربها من شارع (ويست مارتن ستريت)، كما أنها تقع بجوار الصالة الرئيسة، ولكن يفصل بينهما شقٌّ تم حفره عمداً في الأرض الخرسانية المسلحة بهدف خلق خندقٍ عميق لعرض مستوى القبو على الصالة الرئيسة.”

ويمكن الدخول لصالة الشارع عبر جسرٍ من الزجاج والمعدن، يمتد فوق الخندق مؤمناً إطلالةً على صالة العرض الثالثة في الأسفل.

وهذا ما يسمح للقبو المفصول بشكلٍ تقليديٍّ عن المستويات العليا، بأن يندمج بصرياً بمساحة الصالات في الأعلى.

إن كل سمةٍ وخاصيةٍ من خصائص هذا المبنى غنيةٌ فعلاً بالمعاني، كما أنها تؤدي عدة أدوارٍ ذات تأثيرات وظيفية وشكلية وتجريبية، وكل ذلك ضمن زواجٍ بين القديم والحديث يُظهر احترامه للتاريخ، ويقدم في الوقت عينه شيئاً جديداً كلياً ومثيراً للاهتمام، يصعّب فصل المبنى عن تاريخ المنطقة.

إقرأ ايضًا