المبنى لا يتكرر

5

يمكن للموسيقي أن يعزف مقطوعة لشوبان ليلةً في طوكيو، وأخرى في البرازيل، ومرةً ثالثةً في باريس، بنفس النغمات في كل المرات، لكن يستحيل هذا الأمر في العمارة، فالمبنى ينغرس في التربة التي يتربع عليها… في المناخ الذي يحيط به… في التكنولوجيا… في الثقافة… في طموحات المجتمع الذي يستخدمه! لهذا السبب لا يمكن تكرار المبنى نفسه في أي مكانٍ من العالم.

قد تكون هذه البداية شاعرية بعض الشيء، لكن مركز الأبحاث الطبية هذا في لشبونة يستحق وزيادة.

“إن أكثر ما يجعلني فخوراً بهذا المشروع هو أنه ليس بمتحفٍ للفن الحديث…”

تلك هي كلمات تشارلز كوريّا الذي سعد بتصميم مركز الأبحاث الطبية هذا، إلا أن مستخدمي المنشأة وأبناء المدينة سيسعدون -وبلا أدنى شك- بأكثر من ذلك بكثير.

فقد قدم المعماريون مساحةً حاضنة لأكثر النشاطات تطوراً بأجمل التصاميم، في محاولةٍ لخلق قطعة معمارية تكون العمارة فيها منحوتة فنية… ضرباً من ضروب الجمال الذي يُعتبر سر العلاج والتعافي.

يتألف المركز من مبنيين مقوّسين مكتسيين بالحجر، تقطع كسوتهما نوافذ بيضاوية الشكل بأحجام مختلفة، حيث يحتضن أحدهما مختبرات الأبحاث والغرف العلاجية، في حين يضم الثاني مدرجاً ومنطقةً خاصةً بالمعارض، ويمتد بينهما ممرٌ مركزي يقطع الموقع مؤدياً إلى منحوتاتٍ حجرية ضخمة ومدرجٍ خارجيٍّ، أما فوق هذا الممر فيحلّق جسرٌ زجاجيٌّ أسطواني يربط المبنيين مع بعضهما البعض.

وتحت اسم Champalimaud Centre for the Unknown سيجمع المركز خلف جدرانه أعلى مستويات العلوم الحديثة والطب بهدف مساعدة من يعانون من مشاكل حقيقية؛ كالسرطان والتلف الدماغي والعمى.

أما حسب زعم المصممين، فقد حاولوا عبر مشروعهم هذا استخدام الطبيعة كوسيلة علاجية، ابتداءً من “المياه” المحيطة بالموقع، و”السماء” المعلقة في الأعلى، وصولاً “للغابات المطرية” التي ستساعد على شفاء المرضى، فقد لمس المصممون خصوصية الموقع بجماليته المبهرة وذكراه التاريخية العظيمة؛ وعمدوا عبر عمارتهم لإبراز وإطلاق ذلك المعنى الخاص الذي تحمله طبيعة المكان.

ليس هذا وحسب، إذ وجد المعماري في موقع المشروع استعارةً رائعة تعبر عن اكتشافات العلوم المعاصرة في أيامنا هذه، خاصةً أنه قد اكتُشف على يد فاسكو دا غاما خلال رحلاته الاستكشافية الشهيرة منذ خمسمئة عام، ولهذا السبب تحديداً تمت إعادة حوالي 50% من الموقع لمدينة لشبونة كي يحتفي سكانها بتاريخها المميز، لكن دون المزاودة على خصوصية الأبحاث الطبية، والعكس صحيح؛ باختصار تمثل خطة الموقع نموذجاً رائعاً من المساحات المترابطة والمتوازنة حسب رؤية فلسفلة الينغ واليان.

وهنا يصرّح كوريّا قائلاً “إنني حقاً فخور بأن هذا المشروع يحاول التعبير عن الطبيعة الجوهرية للمكان، دون استعادة نسخٍ من العمارة التقليدية. فقد استخدمنا صوتاً معاصراً للتعبير ليس فقط عن حقيقة الموقع، ولكن أيضاً للاحتفاء بلحظةٍ هامةً للغاية في تاريخ هذه الأمة.”

إقرأ ايضًا