عاصفة هوجاء تهب في إحدى الأحياء الباريسية

12

وكأن عاصفةً هوجاء هبت في حي لا ديفينس في باريس، فما خطب مبنى فير إذاً؟ لماذا يتلوى هنا وهناك؟

ارتأى المعماري Thom Mayne زعيم استوديو Morphosis خلق صرحٍ معماري وسط العاصمة الفرنسية قادر على الإيقاع بكل من يمر بجواره، فلا تستغرب على الإطلاق إن رأيت جسد المبنى غير المتناسق يتضخم رويداً رويداً بالقرب من قاعدته ليندمج والقاعة الكبرى، ليتناقص تدريجياً فيما بعد حتى يصل إلى توربينات الرياح على السقف!

إلا أن تراقص المبنى ليس أبرز ميزاته، إذ أنك سوف تتعرف على واحدةٍ من أكثر الواجهات كفاءة في العالم، حيث تم تدعيمها بطبقة مزدوجة في محاولةٍ لغمر المساحات الداخلية بالضوء الطبيعي، والحد من حرارة الشمس المباشرة، دون أن يؤثر ذلك على الناحية الجمالية، فطبعاً لن تنسى واجهة مبنى فير ما حييت، فعلى الرغم من وقوعه في بيئة عمرانية مزدحمة، نجح معماريو Morphosis بفرض وجوده رغماً عن أنف الموقع الضيق وعن السكة الحديدية وعن طريق السيارات وعن وعن وعن…

وعلى حد تعبير Marty Doscher، مؤسس ومدير شركة SYNTHESIS للتكنولوجيا والمدير التقني لدى Morphosis سابقاً، نجح فير أن يفرض وجوده على الرغم من موقعه الضيق، إذ يحده من جهة طريق سيارات ومن جهة سكة حديد، ويقسمه نصفين منتزه للمشاة، ويُذكر أن مبنى فير، الذي كان يوماً قاعةً معارض سابقة تابعة للجامعة الوطنية للاتصالات، يقع بين صرح قوس الدفاع العظيم، الذي يعود تاريخ بنائه للعام 1989 ومبنى CNIT من عام 1958.

فكيف استطاع يا ترى أن يفعلها؟

لقد جاء Mayne بحلٍ إنشائي هجين مبتكر، فلم يكن أمامه سوى رفع المبنى فوق قاعدةٍ ثلاثية الأرجل؛ الأولى عبارة عن دعامة منحدرة، بينما تم إعداد الدعامتين الأخريتين لتشغل وظائف المبنى، مثل ترابيزيوم إلى الغرب وإيست بيلدينغ وكتلة الجناح، بالإضافة إلى تحويل الساحة العامة الحالية، كما وقام بالاستفادة من الفراغ الحاصل بين مستوى الأرض وجسد المبنى بعرض 24 م وطول 28 م لاستخدامها كبوابة عمرانية.

ولكن هذا الحل لم يخلص تصميم المبنى الاستثنائي من متاعبه، فقد أوضح لنا المهندس المنفذ للمشروع، David Rindlaub، بأن جوهر المبنى كان قد شُيّد من الإسمنت، بينما تم اختيار الفولاذ لتشييد بقية أجزاء المبنى، مما اضطر معماريي Morphosis لدمج الكتلة الإسمنتية مع بقية أجزاء المبنى، والتخلص من الكتلة الفولاذية إلا من القاعة الكبرى، وذلك للتخفيف من الحركة الأفقية ونقصد هنا تمايل المبنى، وبالتالي السماح لمستخدميه بأقصى قدر من المرونة والراحة.

لقد ساعد هذا الإجراء في تسريع عملية البناء، إذ يمكن تثبيت كتلة البرج الإسمنتية الرئيسة قبل تثبيت شبكة القاعة الكبرى الفولاذية، فلم يكن أمام فريق Morphosis للتخلص من هذه المشكلة سوى اللجوء إلى الحل التقني، حيث بدأ العمل مع برنامج تصميم ثلاثي الأبعاد اُستخدم في فترة التسعينيات، وعند سؤاله عن الانعكاسات الإيجابية لهذا البرنامج، أجاب المدير التقني للمشروع “في البداية، كان هناك دافعٌ قوي لتصميم صرح معماري معقد هندسياً، ولكن ما لبثت أن بدأت المنافع بالظهور تدريجياً.”

يكمل Doscher “المنفعة الأولى تقتصر على استكشاف المزيد من الخيارات والأشكال الهندسية، أما المنفعة الثانية وراء استخدام التقنيات المحوسبة فتتجسد بقدرة تلك التقنيات على الحصول على التغذية الراجعة من البنائين، ليتم ترميزها ضمن أدوات التصميم، الأمر الذي يوفر في كلفة البناء ويجعلنا نستقرأ مسبقاً مدى قابلية تنفيذ البناء.”

أخيراً نجحت تقنية التصميم هذه بخفض عدد فريق التصميم على الرغم من كمية المعلومات الهائلة اللازمة لتصميم وتنفيذ المشروع على النحو المطلوب.

إقرأ ايضًا