توازن الأضداد في دار أوبرا بوسان

29

يميل الكثير من المعماريين لأن يعكسوا بمبانيهم ثقافة وهوية البلد الذي تتربع فيه، ودار أوبرا بوسان هذا بتوقيع فريق sanzpont المعماري أصدق مثالٍ على ذلك.

إذ عزم التوأمان المعماريان في استديو sanzpont على تصميم مبنى يعكس أشهر الفلسفات الكورية؛ فلسفة الينغ واليان القائمة على توازن الأضداد، ودارت فكرة التصميم حول خلق مبنى أيقوني يمثّل الثقافة التي سيُغرس فيها، ويذكّر السكان المحليين بجذورهم في محاولةٍ لنشر هذه الفلسفة للعالم الخارجي كله.

حيث تم تجسيد هذه الفلسفة القديمة في مبنى متطور للغاية يربط الماضي بالحاضر ليطيل عمر ثقافةٍ من الواجب تسليطها على المستقبل، وكل ذلك في رؤيةٍ تقوم على دمج المبنى بالبيئة العمرانية والطبيعية المحيطة به، وتقديم تصميم مبهر وخلق مساحات عامة وطبيعية مميزة تحترم وتساعد البيئة وتساهم في إنجاز تصميم مستدام يروّج للمدينة عبر أرجاء العالم.

*الكسوة المبتكرة:

تتوهج داخل كسوة المبنى أضواء LED RGB الملونة، مختبئةً تحت طبقة بلاستيكية مزدوجة من الـ ETFE، حيث يتدرج القوام المطبوع عليها في مستوى نفوذيته سامحاً بالتحكم بمعدل دخول ضوء الشمس الطبيعي والأضواء الاصطناعية، فعن طريق تعديل مستوى أضواء LED الملونة المتسربة للداخل تخلق الكسوة تدفقاً متحركاً من الطاقة، مجسدةً في نفس الوقت وحدة الأضداد التي تؤلف الكون.

*التصميم المستدام:

تحتوي كسوة المبنى على ألواح طاقة شمسية تلتقط أشعة الشمس لتولد كهرباء نظيفة ومستدامة، أما عن الأسقف الخضراء الواسعة فتقدم كميات كبيرة من الأوكسيجين وتساهم في تعديل درجات الحرارة، هذا عدا عن العزل الطبيعي لقمة المبنى. وبالنسبة لأضواء LED المتوهجة داخل الكسوة ليلاً، فتخلق هذه أعمالاً فنية قائمة بحد ذاتها تؤكد على انسيابية الكسوة باستخدام أضواء ذات استهلاك متدنٍ للطاقة.

وإن تساءلتم عن الواجهة، فهي الأخرى شريكةٌ في توفير الطاقة، حيث تساهم بفضل تظليلها وتهويتها الطبيعية في تخفيض الإشعاع الشمسي الداخلي.

وحاله كحال معظم المشاريع المستدامة، يجمع دار بوسان للأوبرا هذا مياه المطر عبر السقف بأكمله، حيث يتم استخدام المياه المجموعة في الحمامات وفي سقاية الحدائق، التي تستفيد أيضاً من المياه الرمادية المعالجة.

*التصميم العمراني:

تم تصميم المبنى بحيث يمكن العبور داخله وخارجه، أي بحيث يتحول إلى عنصر عمراني مأخوذ من الموقع يجسد جسراً يوصل الزوار لقمته التي ستتحول إلى شرفة، كما يساهم السقف الأخضر في توسيع الحدائق والمناطق الاستجمامية في المدينة وزيادة المسطحات الطبيعية ودعوة الناس للصعود لقمة المبنى فيما يشبه منتزهاً عمرانياً قائماً بحد ذاته.

إذ يزيد الممر المرتفع من عدد ممرات المشاة في المنطقة ويدعو الزوار للصعود للأعلى والاستمتاع بالمناظر البانورامية، حيث يمكن للراغبين بعدها النزول وإكمال جولة التنزه على الأقدام، والتي ستزينها تلك التراسات الموضوعة على مستويات مختلفة والتي تمثّل نقاط مراقبة مميزة، في الوقت الذي يشكّل فيه السطح الأخضر الممتد على طول السقف درجات طبيعية مخصصة للجلوس والتأمل في الأحداث والفعاليات المائية والعمرانية.

أخيراً تجدر بنا الإشارة إلى أنه قد تم تصميم المناطق العمرانية الخارجية في الموقع حسب الفلسفة الكورية أيضاً؛ إذ يحيط بالمبنى أربع ساحات؛ ساحة النار، والأرض، والماء، وأخيراً المعدن، كما يدمج التصميم في جنباته “شرفةً مائية” تمثل جزءاً من ممر المشاة، وتؤمن المزيد من التفاعل بين المستخدمين والبيئة الطبيعية المحيطة بهم.

إقرأ ايضًا