محرقة للجثث تخاطب الموت بلسان الحياة

7

انتهى استوديو Plan01 المعماري من تصميم محرقةٍ للجثث في مدينة رين الفرنسية، وتضم هذه المحرقة تحت اسم “محرقة مدينة رين” سلسلةً من الكتل تحيط بها حلقة من الكتل الحجرية، حيث يستمر هذا المشهد الدائري في كافة أرجاء المبنى والأراضي المحيطة به… في إشارةٍ إلى دورة الحياة.

فعلى الرغم من أن عادة حرق الجثث باتت من الماضي، إلا أنه ما يزال هناك بعض المفكرين والأشخاص ممن يتمسك بهذا التقليد القديم، وهو ما عزا بفريق Plan01 التفكير بعنوانٍ عريض يتلاءم ووقع هذا التقليد، فلم يكن هناك أجدى من “دورة الحياة”.

إذ يتكرر هذا المفهوم في كافة أنحاء التركيبة المكانية… بكلماتٍ أخرى تساهم دورة الحياة هذه بتشكيل الأراضي والمبنى نفسه، فلا مكان للأشكال المتعامدة أو الممرات بعد الآن، وبالتالي فقد تم تيسير جميع السبل للوصول إلى المحرقة دون الاضطرار لسلوك ممرٍ أو طريقٍ واحد.

ومن اليوم فصاعداً بات بإمكان القادمين لتوديع موتاهم، رصف سياراتهم في مواقف منفصلة عن كتل المحرقة الخشبية، بعيداً عن كافة مظاهر العالم الخارجي… ففي هذا العالم لا مكان سوى للسكينة ولا شيء غير السكينة…

وبعد عبورهم السياج المكسور الذي تشكل بفعل الكتل السميكة من أحجار الغرانيت (المستخرج من المحجر المحلي)، يصادف الزوار منحدراً لطيفاً مزروعاً ينساب بكل سلاسةٍ ليتلاقى وكتلة المبنى، مما يعطي انطباعاً بأن المساحات الخارجية قد دُمجت وتلك الداخلية، ليعزز من هذا الانطباع استخدام المواد الخام البسيطة، التي أضفت شيئاً من السكينة والسلام على المكان.

وتبرز هنا القاعة المركزية الكبيرة كأبرز نقطة في التصميم، انطلاقاً من دورها الأساسي في توزيع الأشخاص دون أية ممرات… فقط مساحات متتابعة مضاءة بضوء النهار، تكشف هذه القاعة عن مشاهد خارجية مؤطرة غاية في السحر، في محاولةٍ ناجحة للتخفيف من وطأة المساحة المغلقة نسبياً.

أما غرفتي الاحتفالات الدينية فقد تصميمها بشكلٍ دائري، تصحبها العديد من الساحات الخاصة، التي كان لها دورها في جلب الضوء والهواء إلى الداخل، وهو ما عزز من فكرة التصميم الرامية إلى تحقيق الانفتاح والعزلة في آنٍ واحد، والفضل للستائر الشفافة التي تحجب الأصوات الصادرة عن كل غرفة.

كما وقد تم تخصيص مساحة مقابلة لغرف الاحتفالات الدينية لتشغل غرفاً للانتظار، وعلى الرغم من أن جدران هذه الغرف زجاجية بالكامل، إلا أنها معزولة بواسطة ستائر شفافة أيضاً لضمان المواجهات المحرجة بين العائلات.

وبالعودة إلى دورة الحياة التي كنا قد تناولناها في البداية كعنوانٍ عريضٍ لتصميم المحرقة، نستعرض السقف المغطى بالأعشاب وبركة السباحة المجاورة، الذي استطاع أن يخبرنا عن التداخل الحاصل بين البيئة الجغرافية المحيطة والتصميم، والذي يظهر جلياً باستخدام المواد الطبيعية مثل الغرانيت والخشب، والتي استقت أجواء الراحة والطمأنينة التي تمتاز بها البيئة الطبيعية وجاءت بها إلى هنا.

فعلى الرغم من أن محرقة مدينة رين تخاطب الموت ولكنها تخاطبه بلسان الحياة، أو إذا صح التعبير، إنها تدمج من خلال ممراتها المنسابة وأشكالها الدائرية ما بين البيئة الطبيعية الحية في الخارج ورفات الأجساد المتطايرة…

إقرأ ايضًا