لأن على المرء ألا يحكم على كتابٍ من عنوانه

5

يقال بأنه على المرء ألا يحكم على كتابٍ من عنوانه، وهذا صحيح في حالة برج ون ميدتاون بلازا، فإذا ما أردنا أن نحكم عليه بناءً على ما نراه ونستشعره في ردهته، فبالتأكيد سيكون حكمنا جائراً. لذا وانطلاقاً من رغبة مالكي المبنى بعدم هدر حق المبنى، ما كان منهم إلا أن ارتأوا تجديد ردهته القديمة وإعطاءها عبقاً جديداً ومختلفاً كلياً.

C87…

هذا ما أُطلق على التركيبة الفنية المبهرة المتربعة في ردهة ناطحة سحاب ون ميدتاون بلازا المرتفعة على 13 طابق فوق الأرض في ولاية جورجيا الأمريكية، فبعد أن افتقرت ردهة هذا البرج المكتبي التجاري لأي حضورٍ لها في شارع بيتش تري بسبب أجوائها المظلمة الأشبه بالكهوف، آن الأوان لها أن تنهض من غفوتها وتعطي هذا المبنى بطرازه المعماري الحديث المزيد من الحيوية والبهجة بتوقيع معماريي Mack Scogin Merrill Elam.

فكل من عاصر ظهور ون ميدتاون بلازا في الثمانينيات من القرن العشرين -بتوقيع شركات سمولوود ورينولدز وستيوارت المعمارية- يعلم بأنه منتجٌ نموذجي يعبّر عن تلك الفترة التي شاع فيها استخدام الغرانيت الأحمر في الولايات المتحدة الأمريكية، ويعلم أيضاً بأن ردهته قد قبعت لوقتٍ طويلٍ في عتمتها بتراجعها عن الشارع، ليس هذا وحسب، بل ويتذكر أيضاً كيفية ارتباط المدخل الغربي للردهة بطريقةٍ غريبة مع منصة ركن السيارات، وعدم اتبارطه على الإطلاق مع مبنى تو ميدتاون بلازا الموجود في الموقع نفسه.

ولكن اليوم قد تغير هذا الحال مع غير رجعة، إذ جاءت الآن ردهة ون ميدتاون بلازا لتقدم شخصيةً وهويةً جديدة مفتوحة ومضيافة في شارع بيتش تري. فبتصميمها الداخلي الأبيض اللماع الجديد باتت الردهة تجسد نقيضاً مطلقاً للهوية الرصينة التي التصقت بها لسنواتٍ طوال، إذ لم تتمتع الردهة بمثل هذه الثريا الضخمة سابقاً، التي تبدو وكأنها تتراقص عبر المساحة، في الوقت الذي يأتي فيه ضوء النهار الطبيعي ليسلط النور على كل سطح.

ولوصف C87 بأفضل شكل، يمكننا القول أنها عبارة عن حزمةٍ من القضبان المتقاطعة في مساراتها المحمولة بـ 615 سلك حامل، إذ تتألف التركيبة بالمجمل من 14 مجموعةٍ مؤلفةٍ من 293 قضيب و29 كرة زجاجية وجسمٍ بيضويٍّ واحد يزينه تجويفٌ واحدٌ أيضاً إلى جانب 783 تحويل رقمي.

هنا تجدر بنا الإشارة إلى أن تركيبة C87 ومساحة الردهة بأكملها تتم إضاءتها بمنتهى البساطة عن طريق 52 ضوء سبوت مثبت في السقف. حيث تلعب الأضواء دورها بطريقةٍ عشوائية على طول القضبان الفولاذية المطلية، في حين تلتقط الكرات الزجاجية المصنوعة يدوياً الضوء من السبوتات لتضيف المزيد من اللمعان والألق على الثريا برمّتها.

في الصباح يتدفق الضوء الشرقي داخل الردهة منشطاً القضبان والكرات الزجاجية في نمطٍ حركيٍّ متغير، الأمر الذي دفع مصممي التركيبة إلى وصف وظيفة C87 بتفعيل الردهة والاحتفاء بسخاء المساحة فيها. فبكل اختصار تجسد C87 إعادة فهمٍ معاصرة لمفهوم الثريا بطريقةٍ ودّية بعيدة عن التماثلية والرسمية.

وبتوجيه انتباهنا نحو جدران الردهة المجددة، يمكننا وبكل بساطة ملاحظة جمالية الزجاج المخرمش الذي يكسيها، دون أن يعيق مستوى رؤيتها من الخارج، فمن الآن وصاعداً ستصبح المساحة مشاركاً رسمياً في نشاط وحركة الحياة في شارع بيتش تري.

بالنسبة للأرضيات تم اعتماد التيرازو الأبيض في الوقت الذي اكتسى به السقف بالجبسوم بورد المطلي بالأبيض، ليساهم في إضافة المزيد من الإشراق على المساحة وإحياء نوعية الإضاءة.

ولم تقتصر التحسينات على الأجواء الداخلية في الردهة نفسها وحسب، وإنما تعدتها لتحسن مستوى الاتباط بين ون ميدتاون بلازا ومبنى تو ميدتاون بلازا المجاور، هذا إلى جانب دورها في إيضاح المدخل الغربي من منصة ركن السيارات. فمع ابتكار صالة عرضٍ جانبية أصبح بإمكان الجميع -سواءً القادمين من شارع بيتش تري أو منصة ركن السيارات- الدخول إلى المبنى عبر الردهة مروراً أسفل تركيبة C87 وبين رجال الأمن.

يطل الجدار الزجاجي الشفاف في الجهة الشمالية من صالة العرض على الجدار الألمنيومي المستعار المثقب، الذي يحدد الارتباط بين مبنيي ون ميدتاون بلازا وتو ميدتاون بلازا، ويضخ الضوء الجنوبي عبر مساحة صالة العرض. أما عن النقشة التي اكتست الجدار المثقب، فهي نقشة زهرة القرانيا، التي تم اعتمادها لما تمثّله بالنسبة للسكان المحليين، ولانتشارها الكثير في المناظر الطبيعية في المدينة.

ختاماً وبالتطرق للتفاصيل الفنية المستخدمة في أجهزة الإنارة في الردهة، نشير إلى أن فريق العمل قد اعتمد نوعين من التجهيزات؛ الأول يعتمد على أضواء السبوت المثبتة في السقف، والقابلة للتعديل، تم تجهيزها بمصابيح هالايد معدنية من نوع PAR38، مثبتة داخل مخاريط ألمنيومية عاكسة بتقزح لوني منخفض، بقطر ستة إنشات ومع حافةٍ بيضاء وتقنية قفل قابلة للتعديل.

أما النوع الثاني، فيعتمد على أضواء موجهة للأسفل مزودة بمصابيح هالوجين من نوع PAR38، وبمخاريط ألمنيومية عاكسة مع حواف بيضاء أيضاً.

يبقى التساؤل أخيراً هل بات بإمكاننا الآن الحكم على الكتاب من عنوانه، وما هو ذلك الحكم يا تُرى؟!

إقرأ ايضًا