قصة مترو موسكو بالكامل

10

شهدت العاصمة الروسية موسكو انفجاراً سكانياً كبيراً عقب التنمية الصناعية وبناء السكك الحديدية في أواخر القرن التاسع عشر، وفي ذلك الوقت، كانت العربات التي تجرها الخيول وسيلة النقل الوحيدة، ولكن سرعان ما أصبحت الخيول غير كافية لتغذية التوسع السريع للمدينة، ونتيجة لذلك تم وضع خطط لتطوير السكك الحديدية الطرقية الجديدة التي من شأنها أن تحمل البضائع في جميع أنحاء المدينة.

بعد سنوات عديدة، تم ربط خطوط تحت الأرض لنقل المسافرين مع السكك الحديدية الأصلية، هذه الخطوط سرعان ما جعلت السكك الحديدية مركز عبور عمراني مزدهر، لتصبح في نهاية المطاف ما هو معروف اليوم باسم مترو موسكو.

خلال إنشاء سكة حديد تحت الأرض، والتي كانت تتوافق مع تخطيط موسكو الدائري وتسير في شكل موازٍ لطرق موجودة من قبل على مستوى سطح الأرض، كان على عمال البناء تجاوز العديد من الصعوبات، فقد كانت التربة على سبيل المثال، التي كان على العمال حفرها لشق الأنفاق، عبارة عن مزيج من الرمال المشبعة بالماء والرمال الجافة والطين، كما وكشفت -أي التربة- عن العديد من الشقوق ومجموعة من ترسبات من الحجر الجيري والرمال المتحركة.

عدا عن التربة، كان هناك أيضاً أربعة أنهار متقاطعة مع نقاط العبور، حيث سيتم بناء الأنفاق في المستقبل، وأكثر من ذلك، لقد كان معظم العمل الذي يتعين القيام به عملاً يدوياً، ولكن على الرغم من العقبات العديدة التي كانت تقف في طريقها، كانت المدينة على استعداد للبحث عن حلول للتغلب عليها، لأنه إذا كانت السكك الحديدية ناجحة، فإنها سوف تقوم بتسهيل تدفق حركة المرور الكثيفة في المدينة.

يذكر أن عملية بناء مترو موسكو جرت على خمس مراحل بتوقيع المعماريين الشهيرين آنذاك Robert Pogrebnoi و Yuriy Zenkivich؛ المرحلة الأولى، وقد انتهت في عام 1935، وتمتد على 11 كيلومتراً من أراضي العاصمة الروسية وتشمل 13 محطة، أما المرحلة الثانية من البناء فقد تميزت بأسلوب آرت ديكو الكلاسيكي جنباً إلى جنب مع بعض الأنماط الاشتراكية.

ومع استمرار البناء إلى المرحلة الثالثة، فقد تأخرت أعمال البناء بسبب الحرب العالمية الثانية، تم تبديل الزخارف الاشتراكية في تصاميم المحطات المعمارية، كما وتم، على هامش هذه المرحلة، إحداث ملاجئ من الغارات الجوية، لتبدأ بعد الحرب المرحلة الرابعة من البناء، حيث بلغ تصميم مترو موسكو ذروته خلال هذه المرحلة، وأخيراً افتتحت العديد من المحطات خلال الحرب الباردة، بالتزامن مع المرحلة الخامسة والنهائية من عملية البناء الرئيسة في مترو موسكو (وقد انتهت هذه المرحلة في 1959).

ومن اللافت حيال المحطات التي بنيت في المرحلة الخامسة بأنها تحتل باطن الأرض، حيث تم الاستفادة منها بغض النظر عن كونها محطات مترو، كملاجئ في حال حدوث حرب نووية، فقد حبّذ خروتشوف؛ خليفة ستالين في ذلك الوقت، التصاميم النفعية، لذا نجد بأن المحطات التي تم بناؤها خلال فترة حكمه تفتقر إلى الإسراف، فلا يمكن لزائر روسيا آنذاك أن يفرق بين محطة وأخرى، إلا أن تلك التقنيات الرخيصة نسبياً كانت غالباً غير ملائمة لبيئة السكك الحديدية.

يُذكر أن تصميم محطات المترو قد عُدّل تلبيةً للمعوقات الجغرافية والسياق التاريخي، ولم تكتف محطات مترو موسكو بالتصميم الفريد في ذلك الوقت، فهي مازالت تحتفظ بتلك المكانة إلى يومنا الحالي، فقد امتد مترو موسكو على أكثر من 300 كيلومتر من السكك الحديدية و 12 خطاً مختلفاً و182 محطة، وقد بلغ معدل استخدام هذه المحطات 6,6 مليون راكب يومياً، وبذلك يعتبر مترو موسكو ثاني مترو من بين أنظمة النقل السريع في العالم من ناحية الاستخدام.

أما في روسيا، فيعتبر هذا المترو أكثر بكثير من مجرد أول نظام السكك الحديدية تحت الأرض في البلاد، فهو نصب معماري هام يتمتع بصلات قوية مع تاريخ البلاد وثقافتها الغنية.

إقرأ ايضًا