مدرسة جوزفين بيكر

13

لعبت الفنانة الاستعراضية الأميركية جوزفين بيكر دوراً أساسياً في الحياة الباريسية الفنية، إلى جانب الحياة السياسية، طوال فترة الأربعينات والخمسينات وبداية الستينات من القرن الماضي، وهاهي اليوم تعود من جديد لتلعب بشكلٍ أو بآخر دوراً في الحياة المعمارية…

فقد قام المعماري Dominique Coulon بتسمية هذا المشروع “مدرسة جوزفين بيكر” تيمناً باسم الفنانة الراحلة، وهو عبارة عن مجموعة من المدارس في مدينة لا كورنوف، فرنسا، تمثل جزءاً لا بأس به من من مخطط دقيق جداً يقوم المعماري Bernard Paurd بتبنيه حالياً في محاولةٍ لتسليط الضوء على مجموعة كبيرة من الآثار تعود لأعوامٍ خلت.

إذ يقع هذا المشروع على تقاطع اثنين من المحاور التاريخية، الأول يمتد من باريس، وتحديداً من نافورة سانت ميشيل التابعة لكاتدرائية القديس دنيس، والآخر يبدأ من الكاتدرائية ويتجه نحو كنيسة القديس لوسيان، وبذلك فإنه يسلط الضوء على مجموعة مختلفة من الآثار أبرزها أنقاض المقبرة الرومانية التي تقف في المكان ذاته الذي شهد على تفجير مبنيي “رافيل” و”بريشوف” بالديناميت في 23 حزيران 2004.

حيث تحتل مجموعة المدراس هذه قطعة أرض على شكل شبه منحرف من الأراضي المقابلة لواحد من المبنيين التي تم هدمها، وبذلك استطاعت خطة Coulon أن تبقى متماشية مع خطة ونوايا Paurd في الحفاظ على تلك الآثار.

فقد عاد Coulon إلى عمله بشكل عفوي على الأشكال الملتوية، وهي سمةٌ تتكرر باستمرار في مشاريعه، وبذلك نجح المعماري الفرنسي في تلبية شرط الامتناع عن بناء وحدات مستطيلة مغلقة، جنباً إلى جنب مع قيود أخرى تتعلق بالكثافة والارتفاع، وكنتيجة ظهر ما يشبه الفصل بين المدارس الابتدائية ودور الحضانة.

حيث قام بتوزيع أجزاء المشروع في المساحة ثلاثية الأبعاد بين اثنين من الأقطاب، ومن ثم قام بربط هذين القطبين عن طريق السلالم، وبالتالي قام بدفع صفوف الحضانة إلى الشرق على أرضية بارزة فوق المدخل، بينما قام برصف الصفوف الدراسية في المدارس الابتدائية في المناطق الواقعة إلى الغرب والمطلة على الحديقة.

بُعيد توزيع المدارس، قام Coulon بدمج ملعب الأطفال الأكبر سناً في المنطقة المخصصة للأطفال الصغار، والتي تضم أصلاً مطعماً مشتركاً، في حين تم وضع المناطق الرياضية على سطح الكتلة الأخرى، التي تضم مكتبة مشتركة بين المدرستين.

على الرغم من الكتل المنزلقة وكل تلك الطيات، سيكون الانطباع الأول لدى مشاهدة المبنى بأنه مغلق باستثناء بعض الفتحات القليلة، فعلى سبيل المثال نلاحظ بأن الصفوف الدراسية في المدارس الابتدائية، متراكبة على الموقع ومفتوحة على الحديقة فقط من جانب واحد، وعلى الرغم من أن الشكل الخارجي العمودي يعتبر نتيجة للفراغات الكثيرة التي اخترقت الواجهات، يبقى الجانب الأفقي الأكثر وضوحاً في منطقة المدخل.

أما في الداخل فتبدو المساحة كما لو كانت غير متناهية، ولكن في نفس الوقت محددة بدقة، فقد أراد Coulon أن يخرج تلاميذ جوزفين بيكر من عالم الكبار، وأن يكون دخولهم لذاك العالم تدريجياً، لذا نجد بأنه -أي المعماري- أولى المساحات الانتقالية من مساحة إلى أخرى أهمية كبيرة.

وأخيراً نختتم خبرنا بالتذكير بوجوب إعادة إحياء ذكرى من رحلوا وتركوا آثاراً لهم في أوطانهم، ولو على يافطة مدرسة… فكم من جوزفين بيكر “عربية” رحلت ولم يسمع أحد باسمها!

إقرأ ايضًا