حديقة عين غزال… جسرٌ إلى تاريخ الأردن

8

بالحديث عن حديقة عين غزال الدولية، نحن نتحدث عن جسرٍ إلى التاريخ ربما لن يُبنى أبداً ولكن حسبه أنه أدخل التاريخ والمجتمع والعمارة الأردنية إلى المحافل الدولية بفوزه بجائزة العبدلي للإبداع المعماري، فلطالما كان شرق العاصمة الأردنية مهملاً ومعزولاً، على الرغم من كونه يشغل امتداداً لمدينة عمّان وللأردن كلها…قبل أن تأتي يد المعماري الأدرني راسم كمال وتنتشله.

فقد كان لابد من تطوير هذا الجزء وإجراء بعض التعديلات الضرورية دون المساس بحرمة آثاره التي تعود لسنة 7250 قبل الميلاد، فلطالما كان شرق عمّان مهداً لمختلف الحضارات العريقة على مر الأزمان، ولطالما اعتبرت عين غزال معلماً تاريخياً وجب الحفاظ عليه حاله كحال المعالم التاريخية الشهيرة.

ولكن هذه الخطوة لم تكن نقطة الصفر على الإطلاق، بل استئنافاً لدورة البناء والتعمير الدائمة، بكلماتٍ أخرى أراد راسم كمال ومن معه جعل عمّان مدينة ثقافية والمساعدة في جعل الناس يتعرفون أكثر على المستوطنات والمعالم التاريخية في المنطقة، لقد كانت بالفعل محاولةً ناجحة لإيقاظ الذاكرة حيال عهودٍ تاريخية ولّت وولى معها مجد العمارة الأردنية القديم، وذلك من خلال عرض المواقع الأثرية على العلن وتقديم شرحٍ مفصل لمن يرغب.

وأكثر من ذلك لقد استطاع راسم كمال أن يربط من خلال هذا الجسر -إن صح التعبير- بين شرق البلاد وغربها من جهة وبين مدينتي ماركا وطارق من جهةٍ أخرى، فقد كانت النية تجديد المناطق العمرانية بطريقة عملية بعيداً عن المثالية التي ترتبط عادةً بتجديد المناطق التاريخية، وذلك من خلال إعادة تنظيم آثار عين غزال بشكلٍ تدريحي وتخليصها من الفوضى التي تعمها حالياً لتصبح نظاماً عمرانياً جديداً بحد ذاته.

ويظهر ذلك جلياً بالنظر إلى شريحة الخطوط التي تنتشر في منطقة المشروع بأكملها بما في ذلك وحدة معالجة المياه الحالية، حيث تبدو هذه الشريحة تصورية وعملية في الوقت نفسه، فليس الغرض ضبط كل ما تصادفه في طريقها، بل إنقاذ تلك الموجودات الأثرية وحمايتها من السقوط في مكب التاريخ.

ولتحقيق التماسك في نهاية المطاف، كان لابد من استثمار الأجزاء المتناثرة والمعزولة من شرق عمان وتحويلها إلى وحدةٍ متكاملة، فالانتشار النظري لشبكة الخطوط ليس بالضرورة أن يدل ضمناً على التجانس، ولذا جاءت حديقة عين غزال ولأول مرة لتنظم التعايش بين الصلابة والفراغ… بين الكثافة والفراغ.

سوف تقوم هذه الشبكة بالدمج ما بين الكثافات المختلفة، حيث سوف يصبح الطريق السريع عرضياً تقريباً، واحداً من إحداثياتها المتعامدة، وبذلك سوف تتحرر عين غزال التي نعرفها من حالتها، وسوف تذوب مع مرور الزمن لتصبح مجرد جزءٍ من النظام، وعلاوةً على ذلك سيركز المشروع على الضفاف التي سوف تندمج بدورها طولياً مع كتلة البرنامج الممتدة على طول النهر على حوالي واحد كم.

إقرأ ايضًا