رسالة ماجستير المعمارية مروة الصابوني

60

ضمن مبادرتها في نشر الفكر المعماري العربي الرقمي يشرّف بوابتنا العربية للأخبار المعمارية طرح رسالة الماجستير في التصميم المعماري الخاصة بالمعمارية مروة محمد مطيع الصابوني، والتي قدمتها لجامعة البعث في سوريا بإشراف الدكتور عهد خزام، نائب رئيس الجامعة للشؤون الإدارية، وتحت عنوان “جدلية المحلية والعولمة في فلسفة تصميم الأبنية السكنية”، وفيما يلي مقدمة البحث وأهميته ومنهجيته وملخص عنه:

مقدمة : تطور فن العمارة عبر مختلف حقب التاريخ بفعل الإرادة الإنسانية, التي عبّر عنها الفرد أو الجماعة. لذا تعتبر إرادة القوى البشرية المحرك الأساسي والمباشر للتفاعل الجدلي, بين المادة الخام وتحولاتها اللاحقة إلى مبان جميلة. ومع ذلك نجدنا حتى اليوم ننسى أننا نحن أو على الأقل أجدادنا – من فكر وأنتج ومن ثم بنى حضارتنا, وتجدنا متشبثين بأشلائها لا نجرؤ على التخلي عن هذا الماضي الجميل أو ما رسمناه من صورة حنينية مثالية عنه, وهذا ما أدى بنا إلى أزمة معمارية حقيقية في بلدان الشرق الأوسط وعلى الأقل في بلدنا سوريا.

فنحن نتخبط بين الأشكال المعمارية القديمة التي جاءت نتيجة لظروفها المناخية والثقافية والاقتصادية الخاصة بزمانها ومكانها والتي أخذنا على تقليدها والانتقاء منها دون وعي لدرجة التشويه, و بين التكوينات المعمارية المعاصرة والأشكال والخطوط الجديدة للعمارة والتي أصبح موطنها أمريكا وأوروبة وبعض أنحاء آسية الشرقية… والتي أصبحنا ننسخها نسخاً أعمى ونحشرها عمداً في بيئتنا بغض النظر عن أسباب نشوئها وعن الغاية منها وعن الفكر الكامن وراء تكونها بهذا الشكل المعين دون غيره!!

ولا تقتصر الأزمة المعمارية التي يعيشها واقعنا المحلي على أزمة الهوية على كافة المستويات وإنما أيضاً تتمثل بمظاهر عدة مثل غياب النقد الفني والنقاد الحقيقين وشح الكتابات والتنظير المعماري وحتى غياب المصطلحات العلمية اللازمة ناهيك عن التخلف العلمي التقني والجهل بأحدث التطورات والاكتشافات سواء بمجال المواد أو التنفيذ أو حتى التصميم. كما إن صعوبة تحليل الظاهرة الفنية المعمارية تكمن في غياب المصطلحات والمفاهيم العلمية الدالة عليها.

وقد توصل الباحثون في الدول المتطورة إلى صياغة مناهج دقيقة لمقاربة الظاهرة الفنية المعمارية من مختلف جوانبها, في حين بقيت تلك المصطلحات والمفاهيم مغيبة أو غير دقيقة لدى المعماريين العرب.

يعتبر الدكتور رفعة الجادرجي من أبرز الباحثين المعماريين العرب الذين كتبوا دراسات نظرية مهمة حيث علل الجادرجي غياب الدراسات العربية المتميزة في مجال فن العمارة بوجود معوقات فكرية ولغوية تمنع قيام منهجية متكاملة لدراسة الظاهرة الفنية في المجتمعات العربية. لذا تم اللجوء إلى مصطلحات مثالية “كالإبداع والإحساس المرهف وجمالية الشكل ” وغيرها. فوصف الجادرجي هذه المعضلة بقوله: “إن الفكر الكامن وراء هذه اللغة لم ينفض عنه بعد هيمنة السلطة, أي الدولة والدين, ولم يتمكن من إطلاق طاقاته في استحداث مفاهيم معاصرة يصف بموجبها ظاهرة الفن وغيرها من الظواهر التي تخصه. كما أن الحوار الثقافي الذي يهيئ لنا لغة التنظير, قد أهمل في الفكر العربي منذ القرن الثالث عشر, حيث أنهى عهد الفلاسفة العرب بسبب تعارض هذا الحوار مع الغيبيات الدينية “.

و قد تم ربط علم العمارة في التاريخ الحديث والمعاصر بالتطور الفكري والاقتصادي والاجتماعي الذي شهدته بعض مناطق العالم, خاصة أوروبا منذ القرن التاسع عشر, فالعمارة الأوربية الحديثة هي وليدة عصر النهضة, الذي كان بدوره وليد إحياء العقل الإغريقي بصورة عقلانية وإبداعية. وجاءت ولادة العمارة العصرية كمنطلق لإحياء العقلانية الإغريقية, ونبذ كل أشكال اللاعقلانية. في حين لم يتمكن الفكر العربي في عصر النهضة من تجاوز جماليات القرون الوسطى التقليدية, تجاوزاً يؤهله لمواجهة متطلبات المعاصرة, بقدر ما تمكنت منه أوروبا تدريجياً وخلال القرون الخمسة الماضية.

ويمكننا أن نلخص تمحور المنهجية العامة في مجال فن العمارة المعاصرة حول معايير ثلاثة هي المعرفة الوصفية لخصائص الأشياء والظواهر- والمعرفة المعنوية للعلاقات الاجتماعية بما في ذلك تحديد هوية المجتمع وخصوصيته, والتراتبية الاجتماعية والطقوس الدينية والعادات الاجتماعية – والمعرفة التي تحدد مقاييس الأشياء والظواهر الطبيعية والاجتماعية.

بينما يلعب المهندس المعماري دوراً أساسيًا في تأمين حاجاتٍ ثلاث هي الوظيفة النفعية التي تشبع المطلب النفعي. والوظيفة الرمزية التي تتضمن متطلبات هوية الفرد والجماعة, وتشمل العقائد والعادات والعلاقات الاعتبارية. والوظيفة الاستاتيكية أو الجمالية بحيث تؤمن العمارة متعة إدراكية وبصرية, ويتضمن التكوين المعماري فيها قيماً تنويعية مركبة تؤمن للناس المتعة والاسترخاء النفسي. وهذا ما نراه مفقوداً أو على الأقل شبه مفقود في مبانينا الحالية, وهذا ما كان المحرك والدافع الأساسي لهذا البحث -الواقع العشوائي والضائع للعمارة الحالية في المنطقة- إضافةً إلى الجدل الأخير الحاصل حول ما سميّ بـ “أزمة الهوية”.

أهمية البحث : تنبع أهمية البحث كونه سيسلط الضوء على المشكلة الحقيقية التي يعاني منها وضعنا المعماري الحالي في محاولة لفهمها ومعرفة أسبابها والوصول إلى نتائج تساعد في حلها. كما يستمد هذا البحث أهميته من الطبيعة الشائكة والمعقدة للموضوع , والذي لا يزال الجدل الفكري قائماً حوله بشدة على نطاق العالم بشكلٍ عام وعلى النطاق المحلي بشكلٍ خاص جداً, إضافةً إلى أن البحث سيقارب المشكلة المطروحة من وجهة نظر مختلفة تماماً عن المقاربة المتبعة حالياً محلياً, حيث سيسلط الضوء على فكرة الدخول من باب الفلسفة والفكر كطريق إلى تحقيق العمارة المرجوة.

هدف البحث : يهدف البحث إلى الوصول إلى جملة من المقترحات تبين وتوضح كيفية الوصول إلى أساليب تصميم جديدة وأفكار إبداعية معاصرة تستند إلى حالة فكرية وفلسفية معينة وتتناسب مع بيئتها وواقعها ومكانها وزمانها المحدد على الأرض دون أن تفقد هويتها وهوية البلد والناس الذين تبنى من أجلهم, وفتح الطريق أمام عمارة جديدة شكلاً و مضموناً للخروج من حالة التخبط والشتات التي تعيشه ما يسمى بـ “العمارة العربية “(مجازاً). وهذا ما قد يؤدي بنا -من خلال الدراسة النظرية والتحليل الخاص بالنماذج السكنية كحالة دراسية- إلى مفترق طرق يضعنا أمام عدة خيارات محتملة هي : إما ترك الماضي بكل ما حمله والتوجه الثوري إلى شيءٍ جديد كلياً, أو الرجوع الكامل إلى الماضي ونقله نقلاً حرفياً و المحافظة على إرثه , أو الوصول إلى تسوية مع الماضي والاستفادة من الفلسفة و الفكرة المعمارية التي أدت به إلى أشكاله والاستفادة و الانفتاح على كل ما هو جديد في عالم المواد و التقنية و الأفكار, و ربما إلى شيءٍ مختلفٍ تماماً ومفاجأة لم تكن في حسباننا عندما بدأنا هذا البحث..!

منهجية البحث : يعتمد البحث على دراسة مرجعية توثيقية من خلال التعريف بالواقع الحالي وبيان أهمية الفكر والفلسفة وعلاقتهم بالعمارة, ونظراً لأهمية السكن في العمارة وكونه – كما سنجد عند البعض- يمثل ماهية العمارة, سيتم إجراء دراسة تحليلية عليه, وبيان ارتباط الفكر والفلسفة بالطريق إلى تحقيق هوية معمارية خاصة .

ملخص البحث: مسألة الهوية المحلية ومدى صلة العمارة بموطنها مسألةٌ قديمة جديدة, أصبح صداها يتردد مؤخراً بشكلٍ ملفت خصوصاً على المستوى المحلي. ومن جهةٍ أخرى, هناك من ينادي باسم العمارة العالمية واللغة المشتركة في جميع المجالات, والصراع بين الطرفين ليس بجديد. يعالج البحث هذا الخلاف من وجهة نظر الفكر والفلسفة, محاولاً طرحها كمؤشر لمدى “محلية” العمارة في منطقتنا العربية, بناءً على مساءلة مدى أصولية فلسفتها. ولكن كل ذلك تطلب من البحث توفير قاعدةٍ نظرية للتعريف بالعمارة كمفهوم, ومن ثم دارسة تطور كلٍ من الفكرين المحلي والغربي, لتوفير مادة مقارنة يتم على أساسها النظر إلى العمارة بشكلٍ غير مألوف ومتبع في النهج التقييمي المحلي عربياً.

ومن ثم يستمر البحث بإظهار وتوضيح بعض المفاهيم الأساسية بالنسبة لموضوع البحث, والتي طالها اللبس والتشويش في سياق المحاكمة المحلية العربية للعمارة السائدة في المنطقة, ومن هذه المفاهيم التي تناولها البحث هي: الهوية, المحلية, والعولمة والفرق بينها وبين العالمية.

كما يطرح البحث لتوضيح كل ما سبق تجربةً معمارية رفيعة, طبقت المحلية كهدفٍ ومطلب لها على أساس الفلسفة والفكر, مستلهمةً مبادئها المحلية من مصدرٍ أجنبي عليها, شاملةً بذلك جميع المفاهيم التي طرحها البحث كعناصر لموضوعه.

ومن ثم يعالج البحث حالةً دراسية هي الأبنية السكنية, نظراً لاعتبارها لدى البعض خلاصة البناء وهدف الإعمار. ضمن إطارٍ نقدي لتجارب متنوعة لمعماريين محليين وعالميين, في محاولةٍ للاستنارة بتجارب هؤلاء ومحاولة قراءة الفكر وراء هذه التصاميم على ضوء ما تقدمت به الدراسة.

ولجميع القراء ممن أصابهم فضول معرفة المزيد إليكم كيفية التواصل مع المعمارية مروة محمد مطيع الصابوني:

e.mail: [email protected]

إقرأ ايضًا