المساكن الأردنية كما لم ترونها من قبل

4

إن أول ما يلحظه زائر مسكن عائلة السيد معروف أبو سمرة، هو لونه الفريد ومواد البناء المستخدمة فيه، فبالابتعاد تماماً عن الاستخدام التقليدي للحجارة الشائعة في أبنية عمّان، تم التوصل إلى درجات لونية مميزة وأشكال أقل ما يمكن وصفها بأنها ملفتة للنظر.

أما عن الجنود المجهولين وراء هذا التصميم المبهر فهم أعضاء شركة Symbiosis Designs، المصمم خالد نحاس ونسرين الفار ودعد موسى إلى جانب رعد صوالحة، في حين كانت المصممة لارا زريقات مسؤولةً عن تصميم المناظر الطبيعية، ومروان غانم مصمماً إنشائياً، بينما استلم عيسى حمدان مسألة التصميم الميكانيكي وخالد سراحنة التصميم الكهربائي.

يمتد المشروع بمجمله على مساحة 1300 متر مربع، طغى عليها استخدام الجص كمادة بناء أساسية لخارج المنزل الذي اتشح بألوان ترابية بتدرجاتٍ متنوعة، كانت ملائمةً تماماً للمحيط الطبيعي المحلي الجاف والشمس الأردنية القوية. وعلى الرغم من كون التشطيبات الجصية شائعة الاستخدام في الأردن، إلا أنها غالباً ما تُستبدل بالحجر الذي يكون أرخص ثمناً.

هنا تجدر بنا الإشارة إلى أن هذا المشروع يتباهى بقدرته على التصدي لتحديات الميزانية المحدودة وكل ما يرافقها، حيث تم اعتماد الجص عالي الجودة كمادة بناء رئيسة، والتي وكما هو متعارفٌ عليه بحاجة لمستوى عالٍ من الحرفية للتعامل معها.

أما عن أشكال المبنى المعمارية، فتتضمن بشكلٍ أساسي مجموعتين من الكتل مكعبة الشكل ترتبط مع بعضها البعض بوساطة ممر، ألا وهو صالة العرض التي سببت في النهاية تشكيل كتلٍ كثيرة، خاصةً في الناحية الغربية من المبنى.

ولكن وفي نفس الوقت يعبّر استخدام هذه الأشكال عن نوعٍ من الاختزال من الناحية المفهومية، حيث تبرز الأسطح الجصية الواسعة والنوافذ المقطوعة بشكل مستطيل واضحة وطاغيةً على كامل المشروع.

أما عن مجموعة الكتل المجتمعة في الجهة الجنوبية فمن شأنها أن تمد وتوسّع محور الممر، بينما تدور المجموعة الشمالية مشكلةً زاوية تكسر نوعاً ما من الامتداد الطولاني للمنزل، مضاعفةً من جهةٍ أخرى الإطلالة على المناظر الطبيعية المحيطة.

هنا تجدر بنا الإشارة إلى إطلالة المنزل الأساسية على الشارع الرئيس الشمالي- الجنوبي، الذي يمر موازياً للموقع من شرقه وعلى مستوىً أعلى من مستوى المنزل. حيث تم فصل المنزل عن الشارع بوساطة قطعةٍ من الأرض من المتوقع أن يتم البناء عليها في المستقبل.

وبالنسبة لمنظر المنزل من الشارع، فيظهر على هيئة كتلٍ متصلةٍ ببعضها البعض، تم توزيعها بطريقةٍ متجاورة على موقعٍ منحدر، ولكن والأهم من هذا كله؛ هي تلك الواجهة الفارغة التي يطل بها المنزل على العامة، والتي تعكس القليل القليل فقط مما يخفيه في جنباته.

أما ومن الاتجاه المعاكس، فتنفتح الواجهات بشكلٍ تام رابطةً العالم الخارجي بالداخلي، ومقدمة إطلالاتٍ واسعة على التلال الممتدة والمزينة بأشجار البلوط.

وبالمضي نزولاً بالمنحدر ابتداءً من الجوانب المغلقة من كتل المبنى وحتى تلك المفتوحة يبدو أن التصميم يميل للتفكك وافتقاد بعضاً من قوته ووحدته؛ الأمر الذي قد يكون مجرد نتيجة للمتطلبات التصميمية للمنزل، التي امتدت على مساحةٍ كبيرة وصلت حتى 1300 متر مربع.

من الناحية التركيبية، يبدو أن المنزل قد جاء ليؤكد ويبرز أهمية الأسطح ترابية اللون والملمس مع نوافذ زجاجية واسعة تخترق الجدران، حيث يعكس التصميم ازدواجية التركيبات الثنائية وثلاثية الأبعاد، فإذا ما أمعنّا النظر، نجد أن وزن وثقل الكتلة يبدو واضحاً عندما تتحرر إحدى كتله من النوافذ المتراجعة، لتكشف عن سماكةٍ كبيرةٍ في الجدران الخارجية.

كما تتضح هذه الازدواجية في تركيب منطقة المدخل، حيث تم حشر باب المدخل بين كتلةٍ تزينها نافذةٌ على الزاوية وجدار طويل وسميك يمتد باتجاه الزوار القادمين.

ومع تقدّم المرء داخل المنزل قدوماً من المدخل الواقع على أقصى الطرف الجنوبي للمحور الطولاني الذي يقطع المبنى، يمكن له التمتع بالممر البصري الطويل الذي لا يقطع صفوه أي شيء، والذي يؤدي بمجاله البصري نحو الطرف الآخر من المنزل الواقع على بعد 24 متر من المدخل! لتزود نافدةٌ كبيرة تقع عند نهاية المحور زائر المنزل بإطلالةٍ خلابةٍ على الخارج.

من هنا يمكننا أن نستنتج أن ممرات المنزل لم تكن عبارة عن عناصر ربط وظيفية تصل قسماً بالآخر على الإطلاق؛ فبجوانبها المزججة المفتوحة من جهة، تقدم هذه الممرات أطراً تنفتح على التلال الممتدة في الخارج، في حين تخدم جوانبها المغلقة من جهةٍ أخرى كجدران صالة عرضٍ تحتضن رسوماتٍ وأعمال فنية معاصرة من المجموعات الفنية لعائلة أبو سمرة لأهم الرسامين العرب.

وهكذا يمكن للمرء أن يستشعر في مثل هذا الفراغ الداخلي كيفية تناقض الأجواء الداخلية مع صلابة وثقل الجدران الخارجية المتينة التي تحددها. إذ تنساب مساحات المنزل بمنتهى الحرية أفقياً وعمودياً مؤكدةً على أهمية وجمالية المناظر الطبيعية الخلابة في الخارج، والتي لا يفصلها عن سكان المنزل سوى تلك الأبواب المصنوعة من الألمنيوم، لتطغى المساحات المفتوحة مزدوجة الارتفاع على المكان برمّته.

باختصار، يمكننا القول أن كافة المفردات المعمارية في المنزل، إلى جانب كتله وطريقة معالجة نوافذه واستخدام الألوان فيه، تُعتبر جديدةً ومبتكرةً في الساحة المعمارية في الأردن، حيث لم ينفِ ذلك أبداً تمتعه في الوقت نفسه بحساسيةٍ عالية نحو العالم الطبوغرافي الخارجي المحيط به بأشكاله الطولانية المتوضعة على طول المنحدر التي تعمل يداً بيد مع عناصر الموقع الطبيعية، لتقدم تجربةً سكنيةً لقاطنيه قد تكون الأولى من نوعها في العاصمة عمّان.

إقرأ ايضًا