فوستر في أسواق أبو ظبي

15

يبدو أن إجازة السير نورمان فوستر في أبو ظبي ستطول بعض الشيء هذه المرة، فقد قامت شركة الدار العقارية باستضافة زعيم العمارة المعاصرة حتى انتهاء تصميم الأبراج ومنطقة المتاجر في مركز التسوق المركزي في أبو ظبي، ليخدم هذا السوق الجديد بمثابة نسخة عصرية عن السوق القديم الذي تعرض لحريقٍ هائل في عام 2003، إذ يجمع فوستر في تصميمه بين العمارة العربية الأصلية وآخر صيحات الهندسة المعمارية، وهو ما جعل جموع الزوار تتهافت على زيارته منذ افتتاحه في شهر آب الماضي.

فالطابع المعماري للأسواق الشرقية يختلف عن مثيلاتها في الغرب، على حد تعبير فوستر نفسه، الذي أراد أن يجمع بين العديد من العناصر التقليدية للسوق مع تلك المعاصرة، لتشهد على نجاحه مجموعة الساحات والأزقة التي تغمر أسواقنا القديمة، وتلك الشرفات الحميمة والأعمدة، التي لطالما تجولنا فيما بينها في مدننا العربية في قديم الزمان.

ولكن هذه النفحة القادمة من الماضي لم تكن لتلغي أهمية الاستدامة في تصميم السوق الجديد، فقد أرادته إدارة الدار أن يكون منيعاً مع مرور الوقت، لذا قام فريق فوستر آند بارتنرز بابتكار مجموعة من الحلول الذكية لحفظ الطاقة، ابتداءً من الأسقف والجدران المنزلقة التي تسمح التحكم بتهوية السوق، وانتهاءً بالنوافذ الزجاجية الخشبية عند مدخل السوق، أما عند رأس السوق فقد قام بتثبيت حدائق في السقف، تحولت بمجملها إلى حديقة عامة جديدة في أبو ظبي.

عدا عن حلول الاستدامة، برع فوستر كعادته، في عمارة السوق الجديد، حيث قام بخط ثلاث أبراج تشترك مع بعضها بمرآبٍ ضخم تحت الأرض، ولكن الملفت أيضاً قيامه بدفع هذه الأبراج إلى زاوية الموقع وذلك لزيادة مساحة التسوق ما أمكن، عدا عن تسليط الضوء على تجمع الأبراج بدلاّ من توزيعها هنا وهناك.

يحكى أن فوستر قام بتحويل هذا السوق إلى مدينةٍ مصغرة في قلب مدينة أبو ظبي، فقد قام بتوحيد متاجر بيع التجزئة الراقية مع الساحات والأزقة ومع الأسواق التي تبيع المنتجات الغذائية ومنتجات أخرى مخصصة حصرياً لأهالي المنطقة لأول مرة، إذ لا يخفى على أحد من أبو ظبي أو خارجها عدد الأسواق والمراكز التجارية التي تعج بها البلاد، ولكن للأسف يفتقر معظمها إلى الروح المحلية.

وبالحديث عن أبراج فوستر التي تشق عباب السماء وأفق مدينة أبو ظبي، يسترعينا السوق والطوابق المنخفضة التي تلامس الرصيف، مما يضيف على المشروع بأكمله تميزاً عن غيره من مشاريع بيع التجزئة، حيث تتلاقى مختلف الارتفاعات ومختلف الأجواء في مكانٍ واحد -أو بالأحرى في سوق- بمساعدة مجموعة الشرفات والأعمدة التي نجحت بإذابة الحدود ما بين الداخل والخارج.

إقرأ ايضًا