أربيل: سياحتها المتعجلة و قلعتها الشامخة

57

يمثل اختيار مدينة اربيل، عاصمة اقليم كردستان شمال العراق، عاصمةً للسياحة العربية للعام 2014 تحدياً على مستويات عديدة في صدارتها التحدي على مستوى العمارة السياحية، كيف يمكن ان تكون؟ وماهي مقوماتها و معاييرها الانسانية و الحضارية؟ وماهي المحاذير التي يجب ان تراعى في انشاء المنشآت و المرافق السياحية في هذه المدينة التي تتميز بطابعها الجيوسياسي؟

في نظرة سريعة لمدينة اربيل، يسجل ارتفاع كبير في اعداد الفنادق التي ظهرت في الشهور السابقة وهذا مؤشر ايجابي من الناحية التقنية بهدف استيعاب الاعداد المتزايدة للسياح من داخل العراق و خارجه الوافدة اليها في مناسبات مختلفة غير انه من الناحية المعمارية نرى ان هناك الكثير من الاستعجال، الامر الذي ترتب عليه استنساخ تصاميم معمارية لفنادق موجودة في الكثير من الدول بينها دول مجاورة لأقليم كردستان واعادة تشييدها في هذه المدينة العراقية الكردستانية.

ويهدد هذا الاستعجال في انشاء اكبر عدد ممكن من الفنادق و في زمن قصير بحدوث مشكلتين معماريتين الاولى، على مستوى الشكل و التصميم المعماري حيث ان بعض هذه الفنادق عبارة عن هياكل جاهزة جرى تركيبها والبناء عليها وهذه الهياكل لا تحمل اي ابداع معماري و لا تمت بصلة الى هوية المدينة الثقافية و الحضارية و السكانية، كما ان هذه الهياكل لا ترتبط بأي تصاميم يمكن وصفها بالتصاميم المعمارية الحديثة المنتشرة في المدن العالمية المهمة. و الثانية، على مستوى الوظيفة فجزء كبير من هذه الفنادق لديه مشاكل تتعلق بالتفاصيل الوظيفية مثل حجم الغرف و مرافقها وشكلها و فضاءاتها من الداخل و الخارج بمعنى انها مجرد فنادق بنيت لايواء عدد السياح المتزايد من دون الحذر من الانطباعات التي سيكونها السياح المقيمون فيما بعد ما يؤثر سلباً على تقييم الخدمة السياحية في مدينة اربيل وبالتالي قد ينقل هؤلاء السياح خاصة السياح الذين تجولوا في مدن اكثر تطوراً مما هو موجود في اربيل، انطباعات ليست في صالح الانبهار و الاعجاب بالسياحة في عاصمة كردستان. وعلى المستوى العلمي المعماري، لا مانع من بناء فنادق واماكن ايواء للسياح بتصاميم حديثة شريطة ان لا تكون مستنسخة، كما ان بناء فنادق بتصاميم حديثة هو تطور مطلوب لكنه يجب ان يحوي على ملامح واضحة للهوية الكردستانية بمعنى انه اذا كان من الضروري ونظراً ـ لأهمية الوقت ـ بناء فنادق بطراز معماري معاصر يجب ان يكون ذلك مقروناً ببناء فنادق موازية بطابع معماري محلي وهذا مهم للغاية لتعزيز الجاذبية النفسية للسياح حيال اربيل وبالتالي كان يجب على الجهات المعنية ان تتنبه الى هذا العنصر بدلاً من تشجيع ودعم بناء الفنادق للحصول على عدد كبير وبسرعة قياسية الى حد ان هذه الجهات سمحت للفنادق الجديدة بمزاولة عملها على ان تحصل على رخصتها السياحية في وقت لاحق. يعني هذا الاستعجال في بناء الفنادق بكل سلبياته او ايجابياته ان الجهات المعنية بالسياحة لم تكن لديها ستراتيجيات لنهضة سياحية ولو ان هذه الستراتيجيات وضعت وتم الاشتغال عليها منذ سنوات، فان مسيرة بناء الفنادق السياحية ستسير بشكل هادىء وبالتالي ستتمتع بقدر كبير من الجمالية و العراقة المعمارية مع توفير مستوى فعال من الجودة على صعيد العوامل الوظيفية في منظومة الفنادق المشيدة.

ولأن اربيل مدينة مطلة على العالم منذ سنوات قليلة و تطمح الى ان تكون مدينة من بين المدن العالمية اللافتة على الخارطة، ولكونها عاصمة اقليم كردستان وهو اول اقليم فدرالي في عراق ديموقراطي، كما انها تمثل خلاصة تضحيات احد شعوب المنطقة من اجل الحرية، كل هذه العوامل تقوي الرغبة بقيام نهضة سياحية في اربيل بتصاميم معمارية ملفتة وجديدة منسجمة مع هوية المنطقة و سكانها.

وعلى الصعيد الاحصائي، فقد زادت نسبة الفنادق من 106 فنادق العام 2007 إلى 412 فندقاً في الوقت الحالي، كما ان اعداد السياح العام 2005 بلغ 377 الف سائح من داخل العراق و خارجه لكنه ارتفع العام 2010 إلى مليون و313 الف سائح وخلال الأشهرالسبعة الأولى من العام الحالي وصل إلى مليون و154 الف سائح ويتوقع أن يصل إلى مليوني سائح ما يدل على ان السياحة في اربيل و بقية مدن كردستان تمثل مشاريع موعودة وستراتيجية ولذلك يتوجب التعاطي معها برؤية معمارية مبدعة بعيداً عن الرؤية التجارية البحتة وضغط المتطلبات التقنية و التنظيمية وبعيداً عن التأثر بعمارة تبدو غريبة و متعارضة مع عراقة و اصالة اربيل.

على الارجح، الوقت لازال متاحاً و امكانية استدراك هذه المشكلة قائم خاصة اذا علمنا ان اربيل عانت كبقية مدن العراق من افتقارها الى المرافق السياحية منها الفنادق ما دفع هيئات السياحة في اربيل و سواها الى التركيز على معالجة هذا النقص دون التفكير بنوعية العمارة السياحية التي يجب ان تكون من نصيب مدينة عميقة ومهمة مثل اربيل.

اضف الى ذلك، ان اكثر من تسعين في المئة من الفنادق التي شيدت في الشهور السابقة تركزت داخل مدينة اربيل بعيداً عن المواقع السياحية المفترضة مثل شقلاوة و راوندوز وسوران و بقية المواقع الاخرى وقد يكون ذلك الامر عاملا منغصا لفئات من السياح الذين يرغبون بالبقاء و الاستمتاع قرب بالمناطق الجبلية السياحية و خضرتها المتسلقة أعالي الجبال، كما ان هناك فئات اخرى من السياح لا ترغب بالمكوث داخل مدينة اربيل نفسها وسط ازدحام المرور و السكان.

وفي المواقع السياحية الرئيسية، يجب التريث في بناء الفنادق لأن الامر ربما يكون اكثر حساسية من وسط اربيل فهذه المواقع الموجودة في اعماق المناطق الجبلية يجب ان تحظى بعمارة سياحية تراثية تعبر عن سكان المنطقة و هويتهم و ثقافتهم فتكون جزءاً من مشهد حضري خلاق يقنع السواح في ان اربيل مدينة مختلفة ومميزة عن بقية المدن الاخرى ولا يتعارض ذلك مع وجود بعض الفنادق الحديثة.

المهم ان يتم صياغة العمارة السياحية بعناية بالغة وفق تخطيط معماري ومشهد حضري يترابط في تفاصيله المعمارية الصغيرة مع الخصوصيات الانسانية و الحضارية لسكان اربيل و كردستان العراق.

وبنظرة علمية اكثر شمولا نرى ان المشاكل المعمارية لا تتعلق حصراً بالفنادق فهناك ضعف كبير في العديد من المرافق السياحية التي ستكون جزءاً من المشهد المعماري و الحضري لأربيل بينها مساحات للتزلج على الجليد و مناطق للصيد و مطاعم و طرقات ووسائل نقل حديثة و خدمات عامة مفترضة سيحتاجها السياح خلال زيارتهم و تنقلاتهم في المواقع السياحية المهمة في المنطقة ولذلك قدرت بعض الدراسات ان اقليم كردستان يحتاج الى عشرة مليارات دولار كأستثمارات حيوية لقطاع السياحة حتى العام 2016 في اطار نهضة معمارية وعمرانية سياحية واسعة وهذا معناه ان اختيار اربيل عاصمة السياحة العربية للعام 2014 يشكل دفعة قوية لتشجيع الاستثمارات في الاقليم بشكل عام و اربيل بشكل خاص، كما ان هذا الاختيار يعد حافزاً للقطاع الخاص داخل الاقليم و العراق لكي يستثمر جزءاً معتبراً من رؤوس امواله في هذا الميدان مع التأكيد ان اي نهضة سياحية في اربيل ينبغي ان لا تؤدي الى تغيير في هوية المدينة و خواصها الانسانية و الحضارية ولضمان عدم حدوث ذلك يجب ان تحظى العمارة السياحية باهتمام والتزام من قبل السلطات المعنية.

ولابد من الاشادة هنا بمشروع تأهيل قلعة اربيل التراثية لأنه يعبر عن جانب مهم و اساس من العمارة السياحية التي تهدف الى صيانة هوية المنطقة وقد تم هذا التأهيل بدعم من منظمة اليونسكو مستنداً الى عمليتين، كيفية المحافظة على التراث الهندسي المعماري لهذه القلعة و كيفية معالجة الفشل الهندسي الموجود في بناء القلعة لتعزيز حفظ هذا التراث المعماري الذي يعود لآلاف السنين والذي يشكل احد ركائز تسويق السياحة في اربيل.. في المقابل فأن تشييد الابنية الجديدة لقطاع السياحة من بنى تحتية شتى يجب ان يتم بروحية هذا التراث المعماري ومعانيه دون ان يعني ذلك على الاطلاق اعمار هذه البنى التحتية بمواد بناء مشابهة لمواد بناء القلعة ما يدل على ان فكرة ومفهوم عمارة السياحة تشمل حفظ الابنية القائمة منذ القدم مثل القلعة اما الابنية الجديدة التي ستشيد كمرافق سياحية داخل المدينة و في مواقعها الجبلية السياحية فيجب ان تعبر بطريقة او بأخرى عن الانتماء الى ذات التراث المعماري الغني والذي توجته معالم قلعة اربيل.

وفي هذا السياق، يجب ان لا يتخوف البعض من الجهات المعنية من ان التقيد بعمارة سياحية تراثية او محلية وبتصاميم معمارية و بمشاهد حضرية تليق بهوية و ثقافة السكان من شأنه ان يبعد الاستثمارات الاجنبية بصورة خاصة بل ان العكس هو الصحيح، فمعظم الاستثمارات الخارجية لا ترغب بأقتباس تصاميم معمارية لمدن او منشآت سياحية من الخارج و نقلها الى اربيل وفي اغلب الاحيان هذه الاستثمارات تكون تواقه لتجسيد تصاميم معمارية من وحي روحية السكان و المكان لأن ذلك يشكل احد اسباب نجاح السياحة في اربيل والاهم ان بأمكان هذا الطراز المعماري الخاص بأربيل ان يقنع اعدادا جديدة من السياح من دول بعيدة للقدوم الى اربيل، فمن بين التحديات التي تواجه حركة السياحة في عاصمة كردستان و بقية محافظات الاقليم ان 99 في المئة من السواح هم عراقيون او اكراد من ايران و تركية في ظل غياب ملحوظ للسواح الاوروبيين و العرب من دول الخليج على وجه الخصوص.

كما ان من اهم الاعتبارات المطروحة لعمارة سياحية في اربيل و اقليم كردستان بشكل عام هوان على السلطات المعنية ان لا تفوت فرصة ان تتحول النهضة السياحية في المنطقة الى نهضة معمارية وهذا عامل حيوي سيضيف نجاحاً الى العملية السياحية برمتها لأن الفلسفة الانسانية السياحية تميل الى معرفة هوية و ثقافة و تاريخ السكان في هذه المنطقة السياحية بعينها لأن الجبال و الخضرة والشلالات موجودة في مناطق عديدة في العالم، كما ان هذه المناطق سباقة ومتفوقة على اربيل في تشييد المدن السياحية ومرافقها، فمن المؤكد ان فنادق اربيل لا يمكنها ان تضاهي الفنادق المشيدة في دبي او الكويت او فيينا او اي مدينة اخرى ولذلك الاساس في اي ستراتيجية سياحية في اربيل و اقليم كردستان هو ان تكون هناك نهضة في العمارة السياحية التي تشمل نهضة في مرافق السياحة على اختلافها و نهضة معمارية في اشكالها و تصاميمها و معانيها ما يمنح اربيل خصوصية معمارية في العموم وعلى مستوى عمارة السياحة في الخصوص، فلأختلاف هنا يمنح اربيل خاصية التفرد.

تبقى هناك اشارة اخيرة وهي يجب المحافظة على العمارة البسيطة التي تتميز بها القرى الواقعة في جبال اربيل والقريبة من بعض المواقع السياحية، فهي على بساطتها على المستوى العمراني تمثل منطقة جاذبة لفئات من السياح وهي ميزة غير موجودة بدول تفاخر بسياحتها مثل الاردن و دبي مع التذكير ان في مصر قرى في الصعيد المصري المختلفة تستقبل آلاف السياح سنوياً من اوروبا.

*معمارية و اكاديمية

إقرأ ايضًا