الفلسفة العضوية وتأثيرها على فكر لويد رايت

337

في تتمة لما ذكرناه في المقالة السابقة عن مصدر “الوحي” للمعماري العالمي الأمريكي فرانك لويد رايت, ستدرس هذه المقالة تأثير الفلسفة على العملية التصميمية التي كان رايت يتبعها وأهم المفكرين الذين أثروا في فهمه للكون والجمال والعمارة.

وتعتمد الأفكار التالية على ترجمات لتحليل لكتابات كيفين نت عن المفكّر الجمالي إرنست فينولوسا الذي كان لأفكاره وشروحاته حول الفن والجمال التأثير الكبير على فهم رايت لكلٍّ منهما.

أهم ما يمكن أن يستفاد من هذه الأفكار هو حقيقة أنه في “عالمنا العربي” قد يعتقد البعض أنهم الأصحاب الحصريون لفكرة ما يسمى بـ”المحلية” والتي يتم إفراد المؤتمرات والأبحاث وحتى الجوائز لأجلها. لكن الحقيقة هي أن هذا المطلب يستمد شرعيته فقط حين يكون لأجل تحقيق العمارة “الحقيقية” والصادقة, والتي لا يمكن بالتالي إلا أن تكون -حين تحقق هذا- “محلية”.

وهذا المطلب طالب به كما سنرى الأمريكيون أمثال رايت وغيره, ولكن الفرق أنهم حصلوا عليه كنتيجةٍ إضافية مصحوبةً مع تحقيق المطلب الأساسي وهو “العمارة والفن الصادق”.

المسائل التي ستعالجها أفكار هذا الجزء هي: كيف تتحقق تلك العمارة وذاك الفن؟ ما هو الأساس الفكري والأسئلة المركزية التي يجب أن تُسأل من أجل أن يتم الوصول إلى مفترق الطرق الصحيح والسير على الطريق المؤدي إليهما؟

فلسفة رايت العضوية :

مفهوم الكلّ العضوي والديموقراطية المحلية :

رأى إرنست فينولوسا * أن أهمية الفن الصوري الياباني تكمن في استخدامه أفكاراً شكليةً محضة بدلاً من أجسامٍ تمثيلية واقعية, فالنسخ الميكانيكي والتمثيل الواقعي للطبيعة ليس له علاقةٌ برأيه بالفن, فالفنانون اليابانييون يستخدمون الخطوط والظلال والالوان بسحرها الخاص, فكرةٌ شكلية بسيطة تماماً كما هي الفكرة الصوتية في الموسيقى. فحقيقة أن المتعضية الخطية قد تمثل حقيقةً طبيعية لا تتعارض مع علاقتها الجمالية كخط, و هذه الأفكار الخطية – بغض النظر عما تمثل – هي تماماً ما يمثله اليابانييون ليشكل أساس فنهم .

و هكذا ادعى فينولوسا أن الجاذبية الجمالية لتلك الأفكار الشكلية المحضة كانت بسبب خاصيتهم المميزة لما يسمى ” الكلّ ” العضوي المستمدة من الاستقلال الداخلي المتبادل بين كل جزء مشارك, واستمر بالشرح قائلاً: “عندما تتم متاخمة عدة أشياء أو عدة أجزاء, فإنها تمارس تأثيراً متبادلاً على بعضها البعض وهكذا يخضع كل منها لتغيير, ونتيجةً لهذه التغيرات المحرضة ينصهر كل منها كنوعٍ من التأسيس لكينونةٍ جديدة, وهكذا يصبح لدينا توليفة أو تركيبة… وهنا لا يتم التخلي عن الأجزاء بل تبقى مع بعضها, تتغير بواسطة العلاقة العضوية التي دخلت فيها.

ولا يساوي هذا الكلّ المركب مجموعة جميع أجزائه أبداً, بل يساوي ذلك إضافةً إلى مادةٍ جديدة مخلوقة, تكونت بواسطة اتحاد هذه الأجزاء. ولا يمكن تحليل هذا الكل إلى أجزائه دون تدميره كلياً. إن طرح واحدة من الوحدات, وإطفاء نورها, هو مثل قطع يد أو عضو دون حياة. لا يمكن لكلٍّ حقيقي مركب, أن يضاف إليه أو يطرح منه جزء دون تدمير الخاصية المميزة لكليته ودون تخريب التوازن الكامل لمعاييره المتبادلة. وهكذا فإن كلاً مركباً كهذا هو كينونة متفردة ومنفصلة ذات طبيعة عضوية خاصة وإمكانية غير قابلة للتغيير ووحدة مقضية للأبد. الآن يشعر اليابانيون أن كل حالة من الجمال الفني هي مثل التوليفة أو التركيبة المتفردة”.

ومع أن تحليل فينولوسا كان غريباً للبعض, فإنه يعكس بأوجه عدة المذهب العام للنظرية الجمالية الغربية في أواخر القرن التاسع عشر, بما أنه اشتق كما هو واضح من تراكب المفهوم الكانتي للأفكار الجمالية الشكلية الممثلة بواسطة الكل العضوي, و من التفسير الميتافيزيقي الهيغلي للجاذبية المتميزة للشكل العضوي على أنه أكثر التجليات المادية اكتمالاً للروح أو الفكرة الميتافيزيقية. أي أن فينولوسا رغم تأثره واعجابه بفنون الشرق الأقصى, إلا أنه فسر ذلك التأثر والإعجاب بناءً على دراسته لفلسفة هيغيل وكانت.

على أيّ حال, تركزت الرسالة الرئيسية التي وجهها فينولوسا إلى الولايات المتحدة بشكلٍ أساسي حول الطلب الإيمرسوني نفسه الذي كان يطلبه من اليابانيين طوال العقود الماضية: أن الفنان يجب أن يقاوم إغراء استيراد الطرز الأجنبية الرائجة, وينظر بدلاً من ذلك إلى ثقافته الخاصة, ليحصل على بذور الفن المخملي. وفي حالة أمريكا كان جوهر تلك الثقافة مفهوماً على أنه الديمقراطية: أي التعبير الأكثر حرية الخاص بالفرد مترابطاً مع التحام المجتمع ككل.

إذا, لقد كان قصد فينولوسا أنه يجب على الأمريكيين ألا يقلدوا بإعجاب الأشكال السطحية للفن الياباني, بل يجب أن يطبقوا مبادئها الجمالية الكامنة كوسيلة لتطوير فن “ديمقراطي” جديد خاص بهم: أي فن لا يتم تعريفه خارجاً, أو يتم تسليمه من الأعلى, ولكنه فنٌ متجذرٌ في الديمقراطية نفسها ـ في آلاف التراكيب الخاصة بأفراد مميزين يتفاعلون مع مجموعة من المثل الجمالية الكونية المشاعة.

إذاً بالنسبة لفنولوسا كان الفن الياباني أقلّ أهمية مما كان يجب عليه أن يعلمه حول طبيعة الفن بشكل عام. وكتأكيدٍ على هذه النقطة, تم نقل عدة أجزاء كبيرة من محاضرته الأولى حول “دروس الفن الياباني” حرفياً إلى اطروحته العامة حول “طبيعة الفن الجميل”, الذي شرح فيها كيف أن تأثير الجمال الفني كان معتمداً على أفكار الشكل “العضوية” التي حرضت أصداءً روحانية في المشاهد الذي تسامى عن الفهم العقلاني ـ بنفس الطريقة التي لا يتطلب فيها تقديرنا للموسيقى بالضرورة أي معرفةٍ بمحتواها.

لهذا الحد استنتج فينولوسا مقالته بإعلانه : “من خلال مقارنةٍ تجريبية للفنون الجميلة المتعددة, وجدت أن أكثر خصائصهم أساسية كانت قوتهم على التعبير عن فكرةٍ صافية متفردة وغير استدلالية ضمن تركيباتٍ خاصة من الشروط الحسية. لقد كانت أنواع ومجموعات الأفكار الموسيقية متناغمة وعضوية…”.

لقد استنتج فينولوسا أن خلق الجمال الفني كان معنياً بشكلٍ أساسي بالمقدرة “على تغليف الكوني والكامل ضمن نسيج الخاص والمؤقت ( الزائل )”. وقد تم فهم الكوني على وجه الخصوص على أنه المتفرد: “شيءٌ يحتوي ضمنه قيماً تمتد بعيداً خارجه”

ولقد شكل هذا المفهوم حول “الفردية” لبّ علاقة فينولوسا الخاصة حول الجمالية الديمقراطية, التي تم النقاش حولها أنه كان هناك صلةٌ مباشرة بين تميز كل فكرة فنية عضوية, وبين تميز الفرد الذي جاء بها الفرد إلى الوجود. ومثلما كان الفنان تجلياً خاصاً لفكرةٍ روحانية متسامية, ومثلما تجلى المثال الكوني في شكلٍ مادي محدد من خلال وساطة الذهن المحدد, تم فهم كل كلً عضوي على أنه فرد مشابه ـ مميز وكوني معاً وبنفس الوقت. وقد شكل هذا الربط المباشر بين فردية الفنان والجمال المتميز لكل عملٍ فني مفهوماً أساسياً بالنسبة لمفاهيم رايت حول الفن, ولكنهما أيضاً ميزا الفردية والأنانية بشكلٍ واضح :

“صحيحٌ أن العمل الفني يولد في الروح, ومن خلال الفعل الفردي: “ولكنه بعيدٌ عن كونه حادثاً ذاتياً بعد جمال الهامالايا. أي إنه يخلق نفسه بنفسه… ويكتشفه الفنان في لحظة حظ……… بل في الحقيقة إنه يتأسس من خلال علاقةٍ عضوية خاصة بين أجزائه… ولذلك فإنه ليس شيئاً ينتمي إلى المادة بطبيعته, ولا هو شيءٌ ينتمي إلى الروح لوحدها بطبيعته, ولكنه شيءٌ يسمو فوق مستوى الازدواجية بين الفاعل والمفعول”.

وهكذا ميز كلٌّ من رايت وفينولوسا وجهة نظرٍ من خلال رسم نفس التمييز الهام بين هذه الصفة الخاصة للفردية ـ على أنها الكوني متجلي في الخاص ( particular )- والأنانية الشخصية المجردة. فقد أعلن فينولوسا مثلاً: “إنني أقارن الشخصية والإرادة, التي تتمركز حول نفسها والتي تتجذر في نفسها للإنسان المجسم, مع الفردية. القوة غير المدركة وحرية الذهن المنغمس في قدسية عمله”

وبلهجةٍ مشابهة, اقترح رايت فيما بعد: “إن “الفردية المهترئة” التي حكمت أعظم مشاريعنا, قد أنشأت خارج طاقتها البترولية ذلك الشريان من ” العاصمية” البلوتوقراطية, والتي هي أجنبية تماماً بالنسبة لمثالنا الديمقراطي. إن الفرق الفعلي بين هكذا “فردية” وبين الفردية الحقة, هو الفرق بين الأنانية والشخصية” Selfishness & Selfhood) ) .

الفلسفة العضوية وتفسير الشكل العضوي:

حتى نفهم عمارة رايت يجب علينا فهم فلسفة العضوية وبعدما تطرقنا إلى محور فلسفته وهي فكرة الديموقراطية, يجب علينا شرح أهم محاور رؤيته للجمال والفن, وكيفية صنع العمارة بنظره. وهذا ما سنحاول فعله من خلال دراسة أهم منابع تأثره وإلهامه وكيفية تفاعله مع الأفكار التي كانت حوله أثناء تشكيله لملامح فكره. وقد اتفق كل من رايت وفينولوسا على كثير من المفاهيم ومن بينها كانت مشابهة الموسيقى والعمارة؛ حيث اعتبر كلٌّ منهما أن الموسيقى والعمارة كلاهما فنونٌ غير تمثيلية وكلاهما يُتوقع منهما أن “تخبرا قصة” من وراء فكرتهما الشكلية المحضة. وقد شرح فينولوسا فيما يتعلق بالعمارة:

“في العمارة نفس الشيء, أين نجد في الطبيعة نموذجاً للبناء الجميل؟ إن خطوط الإنشاء ونسب الأجزاء وكتل الفتحات جميعها تقول لنا شيئاً, ولكنها لا تخبرنا قصةً حول أيّ شيء سوى ذاتها. إنها تؤلف لنا تناغماً صافياً ـ موسيقى أقل سلاسة وعذوبة من سحر الصوت. فكرةٌ بعيدة عن الحس المجرد بقدر ماهي بعيدةٌ عن الفكر المجرد.”

كما شرح رايت : “قد تكون الموسيقى دوماً بالنسبة للمعماري صديقاً متعاطفاً, تكون نصائحه ومبادئه موجودةً بالنسبة له ولا تخشى بسببها أن يرسم. لكن الفنون اليوم جميعها ملعونةٌ بواسطة الأدب, يحاول الفنان أن يصوغ الأدب حتى من الموسيقى. عادة من الرسم والنحت ومن العمارة حتى ….” وقد تتناغم هذه الخصائص (الشكل واللون) وتترتب وتتألف مع تعبيرٍ رائع من الأمزجة الروحية والصفات, دون أية قصة على الإطلاق … وفقط عندما يكون الوضع جانحاً كفاية, تبدأ الموسيقى بالشعور أنها تحتاج إلى قصة !”

وهكذا نجد أن كلاًّ من رايت وفينولوسا لم يتوقعا من الفن أن يكون ذا مقصد, أي أنه لا يجب تكون أشكاله قد نتجت بهذا الشكل المعين لتوحي بشيءٍ معين, بل هي كالموسيقى شيءٌ روحاني محض.

فهي بالنسبة لفينولوسا بعد كانت وهيغل, كانت الفكرة الفنية بشكلٍ أساسي عبارة عن فكرةٍ شكلية. وقد أعلن لذلك: “لا تعبر الفكرة الفنية بشكلٍ أساسي عن المواضيع ( subjects ) أبداً, بل عن الشكل الصافي أو لغة تعبيرهم “. ومع أن مقاربة شكلية بهذا الشكل كانت مركزية بالنسبة لتفكير (الحركة الجمالية) بشكلٍ عام, يبدو أن رايت كان يعبرعن نظرةٍ قريبة جداً لفكرة فينولوسا عندما أعلن: “توجد الأفكار بالنسبة لنا من خلال تأثير الشكل وحده. لا يمكن أن ينفصل الشكل عن الفكرة أبداً”

وبالفعل يبدو أن رايت قد عالج المصطلحين “شكل” و”فكرة” كمترادفين, مقترحاً أيضاً أن الفكرة في الفن بالنسبة له كانت بشكلٍ أساسي فكرةً شكلية. كما أكد بشكلٍ ظاهري في وصف مبكر لعمله, عندما شرح: “إن التفريق الخاص بشكلٍ بسيط واحد …….. يمثل تعبير المبنى الواحد……. من فكرةٍ أساسية واحدة, تشتق جميع العناصر الشكلية للتصميم في كل حالة, وتتماسك مع بعضها البعض بمقياسٍ وشخصية”

فبالنسبة لفينولوسا, لقد كان الفن الياباني هو ما أكد حقيقة أن التمثيل كان مسألةً ثانوية في الفن عموماً, وشيئاً قد تمت المبالغة في التشديد عليه في الغرب. وهذا ما رآه رايت أيضاً والذي اقترح فيما بعد بشكلٍ مشابه: “حيث أن الفن في اليابان رمزٌ شعري, فإن الكثير من فنوننا هي محاولةٌ إلى الواقعية, قد نجحت فقط في أن تكون أدبيةً بشكلٍ مثير للشفقة!”

وبهذا الموقف “المعادي للواقعية” رأى رايت في الطبيعة منبعاً لإلهامه لكنه رفض نقل أشكالها ميكانيكياً وصرح أنها لا توجد بشكلٍ جاهز مثلما هي.

وقد تأكد موقف رايت “المثالي idealistic” عن طريق أحد مساعديه تشارلز وايت, الذي وصف في رسالة لصديقه والتر وليسكوكس مقاربة موظِّفه غير الاعتيادية أثناء التصميم كالتالي: “إن عمليته في الحصول على تصميمٍ جديد, هي عكس الموظفة عادةً. أكثر الرجال يخطون المتطلبات المنفعية بصرامة, ويختارون طرازهم ويقولبون التصميم بحسب هذه الخطوط. في حين أن رايت يطور وحدته أولاً, ثم يلاءم تصميمه مع المتطلبات بقدر الإمكان, أو بالأحرى يلاءم المتطلبات مع التصميم. ولا أقصد بذلك أنه يتجاهل المتطلبات, بل إنه يعالج عمله بطريقةٍ معمارية منفتحة الذهن, ولا يسمح أبداً لطلبات زبونه أن تتدخل بالتعبير لمعماري لتصميمه”

ويبدو أن فلسفة رايت حول الكلّ العضوي قد حددت طريقة تصميمه من حيث تعريفه للجمال والتصميم, فعندما اقترح رايت في العمارة العضوية “الشكل والوظيفة واحد”, يبدو أنه كان يؤكد وجهة النظر القائلة: أنه في شكل الفن العضوي, فإن الشيء والموضوع ـ الشكل والمحتوى ـ “يصبحان واحداً”.

وبالفعل, فأن مفهوم فيوليت لي دوك عن الحقيقة بالنسبة للبرنامج التصميمي قد كان رئيسياً بالنسبة لفلسفة رايت المعمارية, حيث يقترح تشارلز وايت أنه مثل هيغل وفينولوسا, فإن نظرة رايت كانت أن الحقيقة لم تعرِّف فعلياً الجمال؛ بل إن هذين المثالين ( ideals ) كانا بمثابة الوالدين المتكاملين اللذان يتصالحان فقط في الكلِّ العضوي وهذا ما عبر عنه فيوليت قائلاً: “هناك طريقتان للتعبير عن الحقيقة في العمارة: يجب أن تكون حقيقية بحسب برنامج المتطلبات, وحقيقية بحسب الطرائق ووسائل الإنشاء”, واقترح أن الاعتبارات الشكلية المحضة تكون تابعة لهذين المبدأين المسيطرين.

ومع أن رايت نفسه أخذ البرنامج وطرائق الإنشاء بعين الاعتبار, إلا أن مقاربته كانت أقرب لاعتقاد فينولوسا أن “المثال الجمالي؛ الجمال لا يشتق من الحقيقة والجودة, بل من مثالٍ ثالث مستقل يقطف ثمار الاثنين”. بمعنىً آخر, مع أن الشكل المعماري العضوي يجب أن يكون متعلقاً بشكلٍ وثيق بالبرنامج ووسائل الإنشاء, إلا إنه أيضاً يمتلك صفةً شكليةً محضة, لم تكن متعلقة بأي مفهوم عقلاني خارجي. وهنا نجد أن رايت أثناء إعادة صياغة مفهوم سوليفان “الشكل يتبع الوظيفة”, أنه يعطينا اختلافاً في مكان التأكيد عند تفسيره للشكل العضوي الذي ربما كان لفينولوسا الدور في نقل التأكيد إلى الصفة الجمالة المحضة “للكلّ”. ومتأثراً بالتفسير الوظيفي للشكل العضوي, اقترح سوليفان: “إذا سمينا مبنىً ما شكلاً, يجب بعدها أن يكون هناك وظيفةٌ, وهدف, وسببٌ لكل مبنىً, وعلاقةٌ قابلةٌ للشرح بين الشكل وتطور كل مبنى, والأسباب التي وضعته بشكله المحدد … ويجب على المبنى حتى يكون عمارةً جيدة, أولاً أن يتواصل بوضوحٍ مع وظيفته …”

ومن جهةٍ أخرى, يبدو أن رايت ركز أكثر على إعادة خلق الأثر الشكلي للكلّ الجمالي. إن فكرة الكلّ الجمالي كانت فكرةً قديمة, يمكن لرايت أن يكون استمدها من أيّ مكان, بما فيهم سوليفان نفسه. ولكن قد تم فهم مفهوم سوليفان بشكلٍ خاطئ, حيث فسر سوليفان: وراء كل شكلٍ نراه هناك, شيءٌ حيوي أو آخر لا نراه. ومع ذلك فإنه يظهر نفسه لنا في ذاك الشكل نفسه. بمعنىً آخر, يوجد الشكل في الطبيعة بسبب الوظيفة. وهذا الشيء وراء الشكل ليس أكثر ولا أقل من تجلٍّ لما تدعوه الروح الخلاقة اللانهائية أو ما أدعوه الله.” كل وظيفةٍ هي قسمٌ أو مرحلةٌ من تلك الطاقة التي ندعوها الروح الخلاقة اللانهائية, والتي قد ندعوها الآن وظيفة كل الوظائف”. وهكذا قد نفهم شعار سوليفان أكثر إذا قرأناه “الشكل يتبع الفكرة” ويتضح هذا التفسير بتأكيده أنه “إذا كان العمل سيصبح عضوياً, يجب أن يكون لوظيفة الجزء نفس الخاصية لوظيفة الكلّ”. و بهذا فسر رايت, بالاشتراك مع مفهومي سوليفان وفينولوسا, الشكل العضوي بما يبدو أن له شروطاً هيغلية وميتافيزيقية شارحاً على سبيل المثال ما رآه أنه “الجيد, المعروف بغير ذلك على أنه الحقيقي, وما يقال عنه غالباً على أنه الجميل, والمشخّص على أنه الله” وبالمثل, يبدو أن رايت اعتبر الشكل “العضوي” لديموقراطيته المثالية, على أنه الناتج الطبيعي “لتجليات الروح” حيث أعلن: “الفردية هي روحانية عضوية ! إنها جوهر الإنسانية الحقة ……. الروح والديمقراطية هي بشارتها” .

إقرأ ايضًا