حسنا فعلت وزارة التعليم العالي في الاستفادة من خبرة الخارج

6

أ.د. محمد الربيعي

خلال زيارة وزير التعليم العالي السيد علي الاديب للندن التقى بالمعمارية العراقية زها حديد وذكر مصدر صحفي ان “اللقاء تضمن استعراضا لأهم المشاريع التي يمكن أن تشارك فيها المعمارية حديد بما فيها مشاريع المدن الجامعية التي تضمنتها إستراتيجية وزارة التعليم للأعوام المقبلة”، مشيراً إلى أن “الأديب أشاد بالمنجز الإبداعي للمعمارية زها حديد، ودعاها لأن تضع بصماتها الإبداعية في المؤسسات التي تعتزم الوزارة تنفيذها خلال المرحلة المقبلة”.

رائع جدا ان يشيد السيد الاديب بانجازات احد اكثر المبدعين العراقيين في المهجر، وان يدعوها الى المشاركة في بناء الجامعات العراقية وهو المعروف عنه دعواته العديدة للعلماء والمبدعين العراقيين للمساهمة في تطوير التعليم العالي، والى عودتهم للوطن للعمل فيه، واتمنى ان يكون قد وجه مثل هذه الدعوة للمعمارية زها حديد.

عندما تم بناء جامعة الملك عبد الله للعلوم والتكنولوجيا قامت الجامعة بالاستعانة بشركة هندسية امريكية مختصة بتصميم وبناء الجامعات ومختبرات البحوث واختارت الشركة علماء واساتذة جامعات في اختصاصات مختلفة وكان منهم احد زملائي العلماء ليعملوا كمستشارين، واذكر ان الجامعة عرضت علي في ذلك الوقت ان اكون “بروفسور مؤسس” الا ان ظروفي لم تسمح لي بقبول العرض. السبب في اختيار شركات متخصصة ومستشارين من اساتذة الجامعات هو ان تصاميم الجامعات من المواضيع التخصصية التي ترتبط بكلف بناء عالية وكلف تشغيل اعلى مما يتطلب الاستعانة بخبرات تخصصية من داخل الحقل التربوي والتعليمي بما يتجاوز دائرة عمارة الرمز والجماليات. لذا اهيب بالوزارة الاستعانة بالمعماريين العراقيين من المهتمين بعمارة المؤسسات التعليمية والبحثية، وباساتذة الجامعات لانهم اعرف من غيرهم بشعابها وبطلب الاستشارة والنصيحة منهم لكي تتتوج جهود الوزارة في بناء جامعات عصرية تتناسب وعصرنا هذا.

الجامعات العراقية بحاجة ماسة الى اسهامات العلماء العراقيين في الخارج سواء كان ذلك لاجل تطوير مناهجها واداراتها ومستوياتها العلمية او من اجل استحداث بناها التحتية الملائمة من خلال وضع تصاميم ملائمة تتناسب والبيئة العراقية والعالمية في القرن الواحد والعشرين. وكما بين لي احد المعماريين المقتدرين العاملين في بريطانيا بانها إما مجموعة من المباني تزداد عضويا كاستجابة لنمو القدرات وتنوع التخصصات مما يؤدي إلى شبكة فوضوية من المباني المختلفة أو بناء مستند على خطة رئيسية تتيح تنفيذ استراتيجية لإدارة وتنظيم التعلم والتعليم. ولخص لي هذا المعماري المختص بعمارة الجامعات مبادئ تصميم الجامعات على النحو التالي:

1- يجب أن يكون هناك تكامل بين المساحات الداخلية والخارجية نظرا للتغير في درجات الحرارة الموسمية، والأنماط الاجتماعية المحلية، وتدفق حركة المرور، وحجم البنايات والمساحات المبنية (من مفتوحة تماما الى شبه مفتوحة الى مغلقة تماما) وغيرها من العوامل البيئية.

2- تصميم القاعات بحيث يسمح بالنظر على مستوى العين للطلاب ويسمح بدخولهم وخروجهم من القاعات من دون ضجيج وان يسمح للمحاضرين بالتحرك بحرية.

3- البناء بطريقة يزيد فيه من الانعكاس لزيادة كفاءة الطاقة الشمسية، وكثرة التظليل، ودرء الرياح، الخ

4- تصميم يسمح بالاخلاء السريع للطلاب في حالة حدوث حريق او حادث طارئ، ووضع تدابير للتحكم بالدخول.

5- تصميم ملائم يتضمن عزل الصوت او تخفيف الاصوات الخارجية ويحافظ على الخصوصية.

6- الاخذ بنظر الاعتبار العلاقة المساحية بين المرافق التعليمية والادارة، وان تكون الاقسام الداخلية قريبة من الجامعة او بضمن الحرم الجامعي لكي لا يحتاج الطلبة الى وسائل النقل. كذلك لابد من بناء مواقف للسيارات على شكل طوابق لعدم التفريط بمساحات واسعة من الاراضي كما هي الحال في مواقف السيارات التقليدية في العراق. هذا علما ان احد اسباب عدم تمكن الطلبة من البقاء في الجامعات بعد الساعة الثانية هو عدم توفر النقل من الجامعة الى دور سكناهم.

7- يجب على المصمم الاخذ بنظر الاعتبار وضع الحرم الجامعي كشبكة وظيفية يمكن الوصول الى اي جزء منها من نقاط محدودة، وقابل للتوسيع لتحقيق بعض الغايات، وخصائص محددة للاقسام والكليات، واعتبارحركة المرور في الشوارع الرئيسية لإيجاد طريقة ورؤية ملائمة، كما ويشجع الحرم الجامعي على ركوب الدراجات والمشي بين المباني، ويسمح لوصول الأشخاص الذين يعانون من صعوبات الحركة، ويخلق صورة بانورامية للمشاهد، ويدمج المشهد الثابت مع المناظر الطبيعية، وان تكون للجامعة بنى تحتية منفصلة للنظم التشغيلية.

هذا واننا على ثقة ان الوزارة ستحرص على ان يتناسب مظهر الجامعة مع الطابع المعماري للمدينة العراقية الحديثة والبيئة ذات درجة الحرارة المرتفعة وليس كما هي عليه حاليا بعض البنيات الجامعية التي لا يليق مظهرها الصارخ بالمؤسسات التعليمية او التي لا يمكن تكيفيها بصورة ملائمة.

اعود الى موضوع الاستعانة بالخبراء والعلماء العراقيين في المهجر لابين انهم عنصر مهم واساسي في انشاء وتطوير الجامعة العراقية لتصل الى المستويات العالمية ومن دونهم فان مسارات التطور محفوفة باخطار الفشل. وقناعاتي راسخة بان العراق لا يحتاج فقط الى ابناءه من خبراء الخارج وانما الى الخبرة الاجنبية بصورة عامة بعد ان شاهدت عن كثب تصاميم ومباني ومنشأت وطرق “حديثة” وكأنها تعود الى عصر ساحق وتتخلف كثيرا بجودتها ومستوياتها عن مثيلاتها في العالم.

وما نصبو اليه هو ان يتم تطوير النشاط الحالي لوزارة التعليم العالي والجامعات العراقية بمشاركة الخبراء والعلماء في بناء الجامعات وبتحسين النشاط التدريبي والاستشاري والبحثي وتعزيز فاعليته وبحيث يصبح مشاركة العلماء في مشاريع الوزارة وفي هياكلها التنظيمية وفي لجانها عملا مستمرا. وهذا يتوجب العمل وبسرعة ان تقوم الوزارة بوضع الاجراءات الضرورية وخلق الاليات العملية التي تؤدي الى تسهيل العمل المشترك مع علماء وكفاءات الخارج مثلما فعلت الوزارة حسنا مع المعمارية الدولية زها حديد.

إقرأ ايضًا