“خارطة طريق إلى مستقبل العمارة” آخر ما صدر عن الراحلة زها حديد

14

نعى العالم رحيل المعمارية زها حديد التي فارقت الحياة صباح الخميس 31 آذار 2016 عن عمر يناهزالـ65 عاماً جراء أزمةٍ قلبية أصابتها في مستشفى ميامي وهي تتعالج من التهاب في القصبات.

زها حديد التي كانت أول امرأة تتقلد الميدالية الذهبية من المعهد الملكي للمعماريين البريطانيين RIBA Gold Medal 2016 ألقت خطاب نيلها هذا الشرف شارحةً فيه مقاربتها المعمارية ورؤيتها المستقبلية:

“أنا سعيدة وأتشرف بتلقي هذه الجائزة عن عملٍ لم يكن سائداً ويساء فهمه بشكلٍ واسع. لذلك أريد أن استغل هذه المناسبة لأتحدث عن كيف تطورت مهنتي وإلى ما يهدف عملي أن يحققه.

يمكن تحقيق أفضل فهمٍ لمهنتي من خلال معالجتها لعملية تاريخية هامة: وهي عملية تعزيز وإعادة عمران الحياة الاجتماعية في المدينة. أريد أيضاً أن أشارككم أفكاري حول ما أتعبره الطريقة الأفضل للمضي قدماً في العمارة والبيئة المبنية وكيف يمكن فهم عمليتها بالعلاقة مع هذه المسألة الشاملة.

أعتقد أننا نعيش في عصرٍ من التحشد العمراني المتجدد مع تحديات وفرص القرن الواحد والعشرين التي تجعل هذه النهضة العمرانية أصعب بكثير من عمليات العمران الأقدم منها ومختلفة للغاية بالاخص عن عمران الضواحي الخاص بالقرن العشرين. إن الفرق الأساسي هو الكثافة التفاعلية الجديدة والتعقيد في الحياة العمرانية. إذ تحتاج المباني والبرامج الوطيفية أن تنفتح وتشمل بعضها البعض وحتى أن تتداخل بالكامل. وهذا الأمر يتطلب تعقيداً فراغياً وانفتاحاً. هذا هو معنى استراتيجيتي التركيبية الفراغية الأولى: التفجير والتفتيت.

فقد قدمت لي حركة الحداثة الروسية Russian avant-garde مخزوناً من الابتكارات التركيبية الفراغية غير مجربة من قبل والتي كانت مليئة بالتعقيد والحركية. إذ قامت التراكيب التفوقية لكل من ماليفيتش وإل ليسيتزكي بالتجريب في تفسيرات الأشكال أكثر من الإبقاء على فصلها الأنيق. وهذا يتناغم أكثر بكثير مع اهتمامنا الحالي في خلط الوظائف والبحث عن توحيد الطاقات المختلفة. أضفت لذلك أفكار التشويه والتحويل المتدرج من أجل تكييف المواقع وتنويعها. كما استكشفت استخدام المنحنيات حرة الأشكال من أجل تحديد وبيان حركية وانسيابية الحياة المعاصرة. أدركت أن المنحنيات تساعد في الإبقاء على الوضوح البصري في مواجهة البرامج الوظيفية المتزايدة التعقيد التي يطلبها زبائننا كما أنها تسهّل التجوال عبر المشاريع المعقدة.

يخدم كل ذلك التكثيف العمراني والتحضر عن طريق تقديم مشاريع معقدة جيدة، مشاريع يجب أن تتوضع بشكلٍ سليم ضمن مواقعها وتخدم كنسيج واصل بدلاً من قلاع مفصولة. وبسبب هذه النوايا والاستراتيجيات ظهر عملي مختلفاً عن معظم الأعمال الأخرى. أصبح جلياً وخالداً في الذاكرة وبشكلٍ سريع معرّفاً على أنه حاملٌ لتوقيعي الخاص.

لكن العمارة ليست وسيلة للتعبير الشخصي بالنسبة لي: فترجتمها على أنها كذلك هو بمثابة إساءةٍ لفهمها. وإساءة الفهم هذه غالباً ما ترتبط بنبذ عملي على أنه ملذٌة شخصية أو جموح مغرور. ولكن، بالنسبة لي، لم يكن لدي أي شك أن العمارة يجب أن تساهم في تطور المجتمع وفي النهاية في ازدهارنا الفردي والجماعي. إنها تؤدي وتسهل حياتنا اليومية. وهذا دور محتلف تماماً عن دور الفن التأملي والتعبيري أو حتى الاستفزازي.

لطالما آمنت بالتقدم وبدور الإبداع في التقدم. لذلك بقيت منتقدةً لأي مدرسة تقليدية. وأنا قلقة من سيطرة العقلانية الجديدة على عملية تحول لندن الحالية. لماذا يتوجب على لندن القرن الواحد والعشرين أن تتشكل على رؤية شنكيل لبرلين؟ إن مواقع البناء اليوم غير منتظمة بالغالب وبجوارات مختلفة متعددة يتوجب أخذها بعين الاعتبار ضمن لعبةٍ معقدة من المجاورة والربط السياقيين. تحتاج الوظائف العمرانية الآن إلى فراغات تتدفق بحريّة.

إن التجانس مع اللاندسكيب أمرٌ مهم للغاية بالنسبة لي كاستراتيجية من أجل زيادة نفوذية أرض الموقع واستمرارية سطحه مع تجنب الوساعة الفارغة الخاصة بمواقع الحداثيين الواضحة. استراتيجيتي تقترح استخدام أريحية الأرض كوسيلة تنظيمٍ مخففة تكون أكثر انسيابية وانفتاحاً من تقسيم الفراغ عن طريق الجدارن. وتؤمّن تنوعاً مستمراً بدلاً من انقطاعات تحديد الزونات القاسية.

كذلك فإن الحقل العام لطالما كان محل اهتمامٍ رئيسي بالنسبة لي. فقد أثار اهتمامي التخلي عن تحصين المواقع الذي حققه الحداثيون عن طريق رفع المباني ليتركوا الفراغ العام ينساب من تحتها مستمراً ولكن هذه المرة مع تفعيلٍ وظيفي شديد.

ينبع اهتمامي بمنشآت المجازات الطويلة والأظفار الممتدة من فكرة عدم التحصّن. كما يستلزم نحت الفضاءات التواصلية المتداخلة تعقيداً إنشائياً وجرأة أيضاً؛ حيث الفراغ يمتد في طبقات من فوق وتحت وفي كل الأرجاء.

تطمح أغلب مشاريعي العامة منها والخاصة إلى زيادة تعزيز الحياة من خلال التواصلية.”

إقرأ ايضًا