“دور العمارة في الحروب”

209

تحدثت الدكتورة مروة الصابوني في منصةTED التشاركية، والموضوع المطروح عن “دور العمارة في الحروب”، وهي المؤلف لكتاب ” The Battle For Home.

والنص مأخوذ من المنصة واليكم الرابط:

http://www.ted.com/talks/marwa_al_sabouni_how_syria_s_architecture_laid_the_foundation_for_brutal_war

” اسمي مروة

مرحبا. اسمي مروة، وأنا مهندسة معمارية.ولدت ونشأت في مدينة حمص،مدينة تقع في غرب منتصف سوريا،لقد عشت هنا طيلة حياتي.بعد ست سنوات من الحرب،حمص هي الآن مدينة نصف مدمرة.أنا و عائلتي محظوظون لأن بيتنا ما زال قائما.على الرغم من أننا عشنا لمدة عامين، مثل السجناء في الداخل.خارج المنزل ،كانت تشتعل المظاهرات والمعارك و كان هناك قصف و قناصة.كنت أعمل أنا وزوجي في مكتب للهندسة المعماريةفي الساحة الرئيسية للبلدة القديمة.لقد دمر،كما هو حال البلدة القديمة نفسها.نصف الأحياء الأخرى في المدينةهي الآن تحت الأنقاض.منذ وقف إطلاق النار في أواخر عام 2015،باتت أجزاء كبيرة من مدينة حمص هادئة نوعا ما.لقد تدمر الاقتصاد تماما، ومازال الناس يناضلون.التجار الذين كانوا يملكون محالا في سوق المدينة القديمأصبحوا الآن يتاجرون في أكواخ في الشوارع.تحت بيتنا، هناك نجار،بائع حلوى، جزار، مطبعة، ورشات عمل و غيرها الكثير.لقد بدأت التدريس بدوام جزئي،ومع زوجي، الذي بات يمارس عدة وظائف،استطعنا فتح مكتبة صغيرة.يقوم الأشخاص الآخرون بكل أنواع الأعمال ليواصلوا الحياة.عندما أنظر إلى مدينتي المدمرة أسأل نفسي:ما الذي أدى إلى هذه الحرب التي لا معنى لها؟كانت سوريا إلى حد كبير مكانا للتسامح،والتعايش بين أعراق عدة عبر التاريخ،كانت تستوعب مجموعة كبيرة من المعتقدات والأصول والعادات،و السلع و أنواع الطعام.كيف لبلديهذا البلد الذي لطالما ضم مجتمعات كانت تعيش معا بانسجامو تناقش فيما بينها بأريحية كل خلافاتهاكيف تدهور الحال إلى حرب أهلية، وعنف وتهجيروإلى كراهية طائفية غير مسبوقة؟هناك العديد من الأسباب التي أدت إلى الحربأسباب اجتماعية وسياسية واقتصادية.جميعا لعبت دورها.ولكن أعتقد أن هناك سبب محوري واحد تم تجاهلهو مهم لتحليل ما حدث،لأنه وبشكل كبير،سنرى بناء عليه،إن كنا نستطيع ضمان عدم حدوث ما قد حدث مرة أخرى.وهذا السبب هو الهندسة المعمارية.لعبت العمارة في بلدي دورا هامافي خلق وتوجيه وتضخيم الصراع بين الفصائل المتحاربة،وهذا على الأرجح ينطبق على بلدان أخرى أيضا.هناك نوع من التواصل بين الهندسة المعمارية للمكانوطابع المجتمع الذي يستقر فيه.فالعمارة تلعب دورا رئيسيا في تفكك المجتمعأو تعاضضه فيما بينه.عاش المجتمع السوري فترة طويلة من التعايشبين التقاليد والخلفيات الثقافية المختلفة.وقد شهد السوريون ازدهار التجارة المفتوحةوالمجتمعات المستدامة.وكانوا يتمتعون بالمعنى الحقيقي للانتماء إلى المكان،وقد انعكس هذا على البيئة المبنية،في المساجد والكنائس التي بنيت على جدارن مشتركة،في الأسواق المتشابكة والأماكن العامة،والنسب والأحجام لتلك الأبنية بناء على مبادئ الإنسانية والانسجام.ولا تزال عمارة المزيج هذه بادية فيما تبقى من ركام المباني.لقد تم بناء المدينة الإسلامية القديمة في سوريا على ماض متعدد الطبقات،اندمجت معه و استوعبت روحه.وكذلك فعلت المجتمعات فيها.يعيش الناس و يعملون مع بعضهم البعضفي مكان أعطاهم الشعور بالانتماءوجعلهم يشعرون بأنهم في وطنهم.لقد تشاركوا التعايش بشكل فريد.ولكن على مدى القرن الماضي،تمت تدريجيا حلحلة ذلك التوازن الدقيق بين هذه الأماكن،بداية من قبل مخططي المدن في الفترة الاستعمارية،عندما بدأ الاحتلال الفرنسي بحماسبتحويل ما اعتقده عن المدن السورية كونها غير متحضرة.لقد دمروا شوارع المدينة ونقلوا الآثار.و اسموا هذا الحراك بالتحسينات،لقد كانوا بذلك من مهد لـفترة طويلة من الانهيار البطيء.كان العمران التقليدي والعمارة في مدننايضمن الهوية والانتماء لا عن طريق الفصل و العزل،بل عبر التشابك والاندماج.لكن مع مرور الوقت، أصبحت المدينة القديمة لا قيمة لها،والجديدة مبهرة.تم تدمير الانسجام في البيئة المبنية والبيئة الاجتماعيةبواسطة عناصر الحداثةبكل وحشية،كتل خرسانية غير مكتملة،إهمال و تدمير للعنصر الجمالي،وانقسام عمراني قسم المناطق على حسب الطبقة أو العقيدة أو الثراء.والشيء ذاته كان يحدث للمجتمع.فبتغير شكل البيئة المبنية من حوله،بدأت أنماط الحياة والشعور بالانتماء للجماعاتبدأت أيضا تغيير.فمن سجل تجمعي،و انتماء اجتماعي،تحولت العمارة إلى وسيلة للتمايز،فبدأت المجتمعات بالانفصالعن النسج التي كانت توحدها،ومن روح المكان الذي كان يمثل الوجود المشترك فيما بينها.في خضم وجود أسباب كثيرة للحرب السورية،لا يتوجب علينا تقليل من أهمية كيف أنه،بالمساهمة في فقدان الهوية واحترام الذات،قام تقسيم المناطق الحضرية وعمارته اللاإنسانيةفي تغذية تلك الانقسامات الطائفية والكراهية.مع مرور الوقت تحولت المدينة الموحدة إلى مركز مدينةبأحياء متباينة على طول محيطها.وفي المقابل ،أصبحت المجتمعات المتماسكة مجموعات اجتماعية منفصلة ،تنفر من بعضها البعض وتنفر من المكان.من وجهة نظري،فقدان الشعور بالانتماء إلى مكان ماوالشعور بتقاسم هذا المكان مع شخص آخرجعل تدمير المدينة أمراً سهلا و يسيراً.المثال الواضح الذي يمكن معاينته هو السكن العشوائي،الذي كان يقطنه قبل الحرب، أكثر من 40 في المئة من السكان.نعم، قبل الحرب، كان يعيش ما يقرب من نصف سكان سوريافي الأحياء الفقيرة،في مناطق دون بنية تحتية ملائمة،مصنوعة من صفوف لامتناهية من صناديق خرسانيةتقطنها شريحة من السكان،ينتمون في الغالب إلى نفس الشريحة المجتمعية،سواء بناء على الدين أو الطبقة أو الأصل، أو جميعها معا.وقد أثبت هذا النظام العمراني العازل على أنه كان مقدمة ملموسة للحرب.إذ من السهل إشعال الصراع بين المناطق المنعزلة مسبقاًحيث يعيش ” الآخرون “.الروابط التي كانت تربط المدينة معاسواء الروابط الاجتماعية من خلال العمران المتماسك،أو الاقتصادية من خلال التجارة في السوق،أو الدينية،من خلال التعايش القائمكلها ضاعت في ثنايا تحديث يفتقر لرؤية و هدف واضحينللبيئة المبنية.واسمحوا لي أن أتوقف عند هذا.عندما أقرأ عن العمران غير المتجانس في أجزاء أخرى من العالم،كما في الأحياء العرقية في المدن البريطانيةأوحول باريس أو بروكسل،فإنني أستشرف بداية نوع من عدم الاستقراركالذي شهدناه بشكل كارثي هنا في سوريا.لقد دمرنا مدننا تماماً،مثل حمص، و حلب و درعا وغيرها الكثير،وأن ما يقرب من نصف سكان البلاد نازحون الآن.كلنا أمل أن الحرب ستنتهي،والسؤال الذي علي أن طرحه كمهندسة معمارية ،هو:كيف سنعيد البناء ؟ما هي المبادئ التي علينا أن نتبناهامن أجل تجنب تكرار نفس الأخطاء؟من وجهة نظري، يجب أن يكون التركيز الرئيسي على خلق أماكنتجعل الناس يشعرون أنهم ينتمون لها.إن العمارة والتخطيط بحاجة لاستعادةبعض القيم التقليدية التي كانت تقوم بذلك،بخلق الظروف المناسبة للتعايش والسلام،وتقدر الجمال الذي لا يدعو للتفاخر،بل إلى التقارب و السلاسة،و القيم الأخلاقية التي تدعو إلى الكرم والقبول،عمارة متاحة ليستمتع بها الجميع، وليست حكرا على النخبة فقط،تماما كما كانت هناك في الأزقة المسقوفة في المدينة الإسلامية القديمة،بتصاميمها المختلطة التي تشجع على الإحساس بالانتماء للمجتمع.هناك حي هنا في حمص يدعى حي بابا عمروتم تدميره بالكامل.قبل عامين تقريبا قدمت هذا التصميمإلى مسابقة الأمم المتحدة للإسكان من أجل إعادة بنائه.وكانت الفكرة إنشاء نسيج حضري مستوحى من الأشجار،قادر على النمو و التمدد الطبيعي،ومعيداً صدى إنشاء الجسر التقليدي فوق الأزقة القديمة،بحيث يضم التكوين شققاً وفناءات داخلية ومحالا،وورشات عمل ومواقف للسيارات وأماكن للعلب والاستجمام،وأشجارا ومناطق مظللة.بالطبع تصميمي بعيدٌ جداً عن الكمال.إذ رسمته خلال ساعات الكهرباء القليلة التي نحظى بها.كما أنّ هناك الكثير من الطرق الأخرى للتعبيرعن الانتماء وحسّ المجتمعمن خلال العمارة.ولكن قارنوه بالكتل المنفصلة والمتباعدةالمفترحة في المشروع الرسمي لإعادة بناء بابا عمرو.ليست العمارة هي المحور الذي تدور حوله كامل الحياة البشرية،ولكنها تمتلك القدرة على اقتراح وحتى توجيه النشاط البشري.وبهذا المعنى، فإن الاستقرار، والهوية والدمج الاجتماعيهي في نفس الآن منتج ونتاج العمران الفعال.يدعو العمران المتماسك للمدينة الإسلامية القديمةوللعديد من المدن الأوروبيةـ على سبيل المثال،إلى الاندماج،بينما تميل صفوف السكن أو الكتل البرجية الميتة،حتى عندما تكون فارهة،إلى بث العزلة و “الغربة عن الآخرين“.فحتى الأشياء البسيطةكالأماكن المظللّة والأغراس المثمرة ومياه الشرب داخل المدينةيمكن أن تصنع فرقاً في كيفيّة شعور الناس تجاه المكان،فيما إذا كانوا سيعتبرونه مكاناً كريماً يمكن أن يعطي،مكانٌ يستحق الحفاظ عليه والمساهمة فيه،أم سيرونه كمكانٍ يخلق الغربة،وتملؤه بذور الغضب.ولكي يستطيع مكان أن يعطي، فعلى العمارة أن تكون قادرة على العطاء أيضا.بيئتنا المبنية مهمة.ونسيج مدننا منعكسٌ في نسيج أرواحنا.وسواءٌ كان على شكل عشوائيات إسمنتية،أو سكنٍ اجتماعي سيء،أو مدنٍ قديمة مسحوقة،أو غاباتٍ من ناطحات السحاب،فإن النماذج العمرانية المعاصرةالتي نشأت عبر كامل الشرق الأوسطكانت سبباً للعزلة والتقسيم في مجتمعاتنا.يمكننا التعلم من هذا.يمكننا تعلم كيفية إعادة البناء بطريقةٍ أخرى.كيف نخلق عمارة لا تساهم فقطفي الجوانب العملية والاقتصادية من حياة الناس،وإنما أيضاً في حاجاتهم الاجتماعية والنفسية والروحانية.تلك الحاجات التي تم التغاضي عنها تماماً في المدن السورية قبل الحرب.نحن بحاجةٍ مرة أخرى لخلق مدنٍ تتشارك بهاالمجتمعات التي تقطنها.إن فعلنا ذلك، فلن يشعر الناس أنهم بحاجةللبحث عن هوياتٍ مضادة للهويات الأخرى التي حولهم،لأنهم جميعاً سيشعرون بأنهم في وطنهم.شكراً لاستماعكم.“.

إقرأ ايضًا