عمارتنا، من بغداد الى بسمايه

29

يمثل انطلاق مشروع انشاء مدينة بسماية السكنية التي تقع الى الجنوب الشرقي على بعد 10 كم من حدود مدينة بغداد على الطريق الرابط مع مدينة الكوت، خطوةً جريئة وحيوية لحل ازمة السكن في العراق وهذا صحيح معمارياً من منظور وظيفي، كما ان التوجه الى بناء مدن سكنية بمواصفات حديثة سيؤدي الى اثارة الفكر المعماري العراقي الذي عانى في الفترة السابقة من ازمتين، ازمة الحصار الاقتصادي التي توقفت معه تماماً عمليات الاعمار في البلاد و ازمة تدخل النظام السياسي في التفاصيل الدقيقة لهذا الفكر ما شل عملية الابداع و التواصل و التفاعل مع ابداعات العمارة في العالم.

من وحي ابداع الفكر المعماري العراقي يجب طرح تساؤلين الاول، ما هو مصير العاصمة بغداد من الناحية المعمارية وكيف ستكون المقارنة بينها و بين العمارة التي ستتميز بها مدينة بسمايه؟ و الثاني، ما هو تأثير انشاء بسمايه على السكان سواء الذي سيبقى منهم داخل بغداد او اولئك الذين سيقررون الانتقال للسكن في بسمايه؟

بدايةً، يجب ضمان ان تكون مدينة بسمايه السكنية احد المؤشرات المهمة و الجادة لحدوث ثورة عمرانية في العراق لأن مثل هذه الثورة كانت غائبة منذ قرابة اكثر من ثلاثين عاماً لأسباب سياسية و اقتصادية معروفة بمعنى ان مدينة بسمايه ستضم آلاف الوحدات السكنية ومئات المرافق الحيوية للسكان مثل المدارس و المراكز الصحية و الطرق وشبكات الصرف الصحي و الماء و امدادات الكهرباء ولذلك يجب الحرص على ان تشيع عملية انطلاق بناء بسمايه الأمل بأستمرار الثورة العمرانية العراقية على اسس صحيحة ومطمئنة بحيث يتحدث السكان فيما بعد، بعد اكمال المدينة السكينة الجديدة بكل مرافقها الحضرية المتعددة بأعجاب ما يشجع على مواصلة ثورة العمران التي يحتاجها المجتمع العراقي بألحاح والتي يجب ان لا تقتصر على العمران السكني بل تتعداه الى تشييد مدن بأنشطة اقتصادية مثل المدن السياحية ومنشآت اخرى وهذا التطور لو حصل سيشكل دعائم للتنمية وبهذه النقلة يمكن تحقيق التوازن والتفاعل المطلوب بين سكن السكان و بين انشطة السكان.

ومن شأن اقتران انشاء المدن السكنية بانشاء مدن ذات طبيعة اقتصادية ان يوجه اي ثورة عمرانية باتجاه دعم الاقتصاد وهذا امر حيوي لتفادي تحول قسم كبير من سكان المدن السكنية الجديدة بعد سنوات الى عاطلين عن العمل او ظهور مشاكل انسانية و اجتماعية تشوه من الشكل المعماري لهذه المدن الجديدة.

في تجربة العاصمة بغداد وهي مدينة لها خصوصيتها المعمارية الفريدة، فأن العمارة التراثية كما هو حال شارع الرشيد اصبحت بلا صيانة، كما ان ابنية المدينة تآكلت وتصدعت بسبب توقف الاعمال او انحسارها لظروف اقتصادية قاهرة مرت على السكان وقطاعات الاعمال المختلفة في الثمانينيات و التسعينيات من القرن الماضي.

في اهم المخاوف المطروحة، ان تتفوق مدينة بسمايه من الناحيتين المعمارية و الجمالية على مدينة بغداد وهي مدينة قديمة بعمارتها و ابنيتها مع احتفاظ العاصمة بغداد برمزيتها التاريخية و الثقافية والسياسية لكن المهم في هذا التطور ان بغداد بعد انشاء بسمايه وانتقال آلاف السكان اليها، ستلتقط انفاسها وستفكر في اعادة ترميم شوارعها و مناطقها العريقة لتتحول فيما بعد الى مدينة تراثية عظيمة كما هو حال بعض العواصم في اوروبا مثل فينا وباريس و مدينة البندقية في ايطاليا ولذلك من الضروري ان يكون اي تطور معماري مفترض لبغداد موجهاً الى المحافظة على عراقتها الانسانية و التاريخية ومرجعيتها السياسية و الادارية و الثقافية.

بمعنى، لا توجد اي مشكلة اذا بنيت مدينة بسمايه بمعايير العمارة الحديثة المعاصرة مثلها مثل مدينة دبي وهذا بدوره سيسهم في تفرد بغداد بالمشهد الحضري، التراثي و الانساني و الثقافي على مستوى العالم، كما ان اجيالاً من العراقيين يتوقون للسكن في ابنية حديثة الشكل و المضمون كما هو حال دول اخرى بقيت فيها المدن العريقة عريقةً مع انشاء مدن من طراز العمارة المعاصرة.

من منظور علمي، اية افكار مسبقة عن مدينة بسمايه او اية مدن سكنية اخرى ستبنى لاحقاً و تأثيرها على بغداد يجب ان تتطور في المستقبل الى دراسات معمقة بمجرد الانتهاء من بناء هذه المدينة السكنية الجديدة ما يعزز من عملية اتخاذ القرارات الصحيحة لمواصلة بناء المدن الحديثة في العراق وما يقنع الباحثين في الفكر المعماري العراقي انه من الضروري ان تتطور عمارتنا من ذواتنا لكي لا نبني مدن سكنية عراقية بأشكال معمارية تعود لهويات شعوب اخرى او ان يتم طمس الهوية المعمارية العراقية بالكامل بذريعة ان العراق بحاجة عاجلة الى ثورة عمرانية.

*معمارية واكاديمية

إقرأ ايضًا