التحولات السياسية… إلى أي حد أثرت على عمارة بكين؟

4

على الرغم من وجود العديد من المعارضين لهذا المقال الذي وصف تارةً بالسياسي وتارةً بالاجتماعي، وبأنه لا يمت للعمارة بأي صلة، يبقى القائمون على مسابقة eVolo الحكم الأول والأخير في تقييم مشروع تجديد “قاعة الشعب الكبرى” في بكين، وتبقى أنت عزيزي القارئ الحكم، على الأقل في تقييم الجانب المعماري، لمقال اليوم بقلم المحرر Sebastian J من صحيفة آرش ديلي المعمارية، والتي جاء فيها:

مع تقدم الإنترنت، بات الناس يحصلون على المعلومة بكل سهولة وبتكلفة منخفضة للغاية، فلم تعد مشاركة المعلومات عن طريق الإنترنت تؤثر على حياة الإنسان أو حقوقه أو حتى اقتصاده، وكنتيجة لتدفق المعلومات هذا، ظهرت حالة من الشفافية بالتزامن مع تحول الأنظمة السياسية الحاكمة المعاصرة، التي باتت إما فعالة ومفتوحة وصادقة أو مغلقة وتآمرية وغير فعالة.

من جهةٍ أخرى أدت هذه التحولات والتوسعات والتعديلات السياسية الحاكمة المعاصرة إلى ظهور تغييرات جذرية في التركيبة المادية للمساحات، ويأتي مشروع اليوم تحت اسم “غريت هول أف ذي بيبل” أو “قاعة الشعب الكبرى” في بكين من تصميم فريق Unknown Fields المعماري، كجزءٍ من مسابقة eVolo الشهيرة وكاستجابةٍ معمارية لهذه الحكومات في المستقبل القريب.

ولمن لا يعلم شيئاً عن تاريخ بكين، تشير الأجندات التاريخية بأن بكين كانت ولا تزال عاصمةً للصين منذ 900 سنة، حيث تدرج على حكمها 86 إمبراطور ومرت على رأسها 4 سلالات وحزبٌ سياسيٌ واحد، ولطالما كانت بكين مركزاً لاتخاذ القرارات وإصدار التعليمات والإشراف على بقية أجزاء البلاد من خلال إيدلوجية واحدة مطلقة.

فمن الإمبريالية إلى الشيوعية… خضعت بكين لتجديد وتوسعٍ كبيرين، وفي فترة حكم مينغ، على سبيل المثال، تم تأسيس الشبكة الحالية في وسط المدينة وتنظيمها حول المحور الشمالي الجنوبي الذي يتمحور بدوره حول القصر الإمبراطوري، أما وفي فترة حكم ماو، فقد تم إدخال نمط العمارية السوفياتية، وكنتيجة، تم هدم سور مدينة بكين لبناء أول طريقٍ للسيارات، كما وتم بناء المباني العشرة الشهيرة “تين غريت بيلدنغس” في محاولةٍ لكسر القواعد الإمبراطورية وتحويل بكين إلى مدينةٍ معاصرة.

لقد كانت هذه الفترة من تاريخ بكين هامةً للغاية، ففيها بنيت قاعة الشعب الكبرى لتضم البرلمان الوطني وفيها هدمت بوابة الصين لتوسيع ساحة تيانانمن لاستيعاب الاحتفالات والأنشطة السياسية وما يقارب مليون شخص، كما وأجبر حوالي 45 مليون شخص على الموت، بينما شهدت الأنظمة التعليمية والنشاطات الثقافية خللاً ما بعده خلل.

في المقابل قادت هذه الكوارث المدمرة الحزب الشيوعي لبدء “الإصلاح والانفتاح” وخاصةً في القطاع الاقتصادي، كما وقد انعكست التحولات على عمارة بكين في فترة التسعينيات، فلم يعد النمط السوفييتي يمثل الحركة السياسية الجديدة، بل بات هناك لغة معمارية “عالمية” تنطق بها مباني بكين مجتمعة.

وقد نجحت حركة “الإصلاح والانفتاح” هذه بأن تخفف من انتشار الفقر والاستبداد من عهد ماو خلال العقدين الماضيين، وبأن تعود على الشعب الصيني بزياداتٍ كبيرة على مستويات المعيشة، فضلاً عن استعادة الحرية والحقوق الاقتصادية، لقد استطاعت هذه الحركة بأن تحول الحزب الحاكم أيضاً من الرفض التام للحقوق إلى إقرار جزئي ببعضٍ منها، حيث تم تعديل الدستور في عام 2004 ليشمل “احترام وحماية حقوق الإنسان”.

ومع ذلك، لم تزل هذه المواد مجرد مواد مكتوبة فقط، دون أن تحرز أي تقدم سياسي، فعلى الرغم من وجود قوانين لا يوجد هناك سيادة لهذه القوانين، وعلى الرغم من وجود دستور لا يوجد هناك حكومة دستورية!

والأغرب من هذا تتعرض البلاد لحوادث الفساد المستشري ونهب البيئات الطبيعية والتاريخية، وعمليات الهدم القسري، ناهيك عن العداء بين المسؤولين والناس العاديين الذي نتابعه يومياً على صفحات المدونات والشبكات الاجتماعية اليومية، كما وقد شهدت الصراعات والأزمات تزايداً ملحوظاً.

إذ بات الشعب أكثر تشدداً مما ضاعف من احتمال نشوب صراعات عنيفة، مما جعل النظام الحالي على استعدادٍ للبدء من جديد، أما قاعة الشعب الكبرى المجددة فمن المتوقع أن تخدم على مدى السنوات الخمس الأولى حتى قدوم “الحجاج” الجدد، وهم الناس الذي خسروا أرواحهم وعائلاتهم وحقوقهم على مدى المئة سنة الماضية.

إقرأ ايضًا