التصميم + البناء: يكلف ما يكلف

8

ما من بديل عن مقولة “ما تدفع ثمنه تناله”، فالأشياء الحسنة تكلف قدراً من المال، والأشياء الأحسن تكلف قدراً أكبر من المال. لكن متى نتوقف عن طلب الأفضل؟ سواءً بالسيارات والملابس والساعات والجواهر والطعام والعطل… والقائمة تطول. في المقابل، عندما يتعلق الأمر بمنزلنا هل نعطي الموضوع قدر حقه؟

فمنزلنا هو المكان الذي نقضي فيه قدراً كبيراً من وقتنا، وهو أكثر ممتلكاتنا خصوصية، إذ يمكن للمنزل أن يعكس تقريباً كل ما نفعله في أكثر أوقاتنا خصوصية، ونوعية هذا المكان توازي إلى حدٍّ كبير نوعية حياتنا؛ فإن كنت ممن لا يحبون العودة إلى منازلهم، ما هو مدى سعادتكم؟!

وعلى النقيض إن كنت ممن يفضلون البقاء في المنزل، فأنتم تمتلكون حقاً شيئاً هاماً؛ ألا يُفترض أن يكون منزلكم مكانكم المفضل؟

لكن إن لم تعجبكم قيمة بعض الأشياء، ماذا عليكم أن تفعلوا؟

1- تغيروا ذوقكم بحيث يعجبكم شيء أقل ثمناً.

2- توفروا نقودكم كي تستطيعوا دفع تكاليف ما يعجبكم حقاً.

3- تتحايلوا على المسؤول عن تصميم وبناء منزلكم كي تتمكنوا من دفع التكاليف وإن كان ذلك على حسابه أو حساب غيره…

هنا تماماً تزداد الأمور صعوبة، ليتساءل بعدها مالك المنزل لم آلت الأمور في النهاية لما هي عليه.

في الحقيقة النوعية الجيدة هي أمر مكلف، والوقت مكلف، وليس هناك من بديل حقيقي عن الاثنين، فجودة ما تدفع ثمنه في النهاية ستبقى فيه، في الوقت الذي تبقى فيه النوعية المتدنية على حالها في الأشياء متدينة الثمن، هذا إن لم تؤدي إلى ضعفٍ في الأداء مع مرور الوقت (حتى وإن بدا السعر الذي دفعته جيداً آنذاك).

وعلى العكس تماماً، لن تتحمل الجودة العالية آثار الزمن وحسب، وإنما ستتلاشى قيمتها المدفوعة في النهاية مع مرور الزمن.

وهكذا قد يطول شرح فكرة الميزاينة، ولكن ما هي الميزانية؟

هل هو السعر الذي تنوي دفعه على مشروعٍ ما؟ هل هو السعر الذي تعتقد أنه يتوجب عليك دفعه على المشروع؟

أم أنه السعر الذي دفعه أخوك أو جارك على مشاريعهم؟

لنتخيل أن ثلاثة مقاولين أمامهم عروض متشابهة لمجموعة من الخطط، ستكون المشكلة أمامهم كالعادة؛ ثلاث عروضٍ تفوق الميزانية المخصصة للمشروع، أحياناً بنسبة 50%….

حسناً، ماذا يحصل حينها؟

يقول السيد المعماري “إما أن كافة العروض تضع تكاليف باهظة للخدمات التي تقدمها، أو أن على صاحب المنزل أن يدفع التكلفة المستحقة بأي حال.”

وهنا تحديداً تتعقد الأمور، حيث سيحصل واحد من أربعة أمور:

1- سيرشّح المعماري مقاولاً عاماً جديداً طموحاً وشاب برؤية خضراء (ولا أعني هنا مستدامة)، ليجسد البطل الذي سيقدم السعر “المناسب للميزانية”.

2- سيسلم صاحب المنزل مشروعه للمقاول الذي اعتمده جاره؛ فجاره شخصٌ طيب وهو يحب منزله، فقد أتى هذا الجار من بلدةٍ أخرى وابتاع “منزلاً خاصاً” لأن زوجته قد أحبت مدرسة الحي، ولم يكن تنوي بناء منزل مرةً أخرى بعد تجربتهم الأخيرة، زد على ذلك، في مطبخ الجيران فرن من نوع فايكنغ، وفيه أسطح غرانيت وصنابير جميلة جداً تبرز من سطح طاولة التحضير. كما أن المقاول العام الذي اعتمده الجار يمكنه بناء منازل رخيصة جداً. ربما هذا هو سبب “خصوصيته”.

3- سيقدم المعماري تكلفة معقولة لهندسة المنزل، وطبعاً لن تكون النتيجة مشابهة أبداً للتحفة الأصلية، التي تم تجريدها من كافة مرافقها، ولكن يبقى الذنب ذنب مالك المنزل الذي لا يملك ما يكفي من المال.

4- سيقول المعماري “انتظر لحظةً، تبدو لي شاباً لطيفاً، كما أنك تقدر العمارة الجميلة التي أبدعها، كن أنت المقاول العام أو “بنّاء المنزل” في هذه الحالة، وأنا سأقدم لك كل الحرفيين المطلوبين لبناء المنزل. فأنا أعرف كل المقاولين الثانويين في البلدة، ما رأيك؟”

5- أخيراً، يهرب الشاب بعيداً متخطياً ميزانيته بمراحل، بمراحل بعيدة.

لابد وأنكم أعزائي القراء قد بدأتم بالتساؤل عن كاتب هذه المادة، إن السيد ستيف لازار، مالك شركة Lazar Design/Build للتصميم والبناء في كاليفورنيا، وهو المنصب الذي توصل إليه بعد رحلةٍ طويلة بدأت بأعمال الحفر وحمل الأخشاب، الأمر الذي علمه أن يكون مصمماً وبناءً بارعاً حسب زعمه.

وتتلخص فلسفته اليوم بكلمات بسيطة للغاية؛ صمم لتبني، فكلما كنت مصمماً بارعاً، استطعت أن تكون بنّاءً رائعاً، وكلما عرفت أكثر عن البناء، ستكون مهمة وصولك لتصاميم فعالة أكثر سهولة، ففي النهاية يعتمد كلٌ من الاختصاصين على الآخر.

وفي الختام نبشّركم أعزائي القراء بأن المادة المقبلة التي سينشرها لازار ستكون تحت عنوان “الميزاينة هي ما تفعله الميزانية”،

ترجمة وتحرير مي الصابوني

إقرأ ايضًا