بيت المشربية “الحجرية”

434

في قرية الصفصاف الفلسطينية الواقعة بين القدس وبيت لحم، صمم المعماري سنان عبد القادر بيت المشربية هذا كتفسيرٍ معاصر للعناصر التقليدية للعمارة العربية المحلية، وكمحاولةٍ لتقديم حلولٍ إبداعيةٍ وجديدة لسياقٍ ثقافيٍّ واجتماعيٍّ خاص لقرية على حافة العمرانية.

فعلى سيبل المثال، وابتداءً من الموقع، تمكّن عبد القادر من تطويع مبدأ التراسات والجدران الاستنادية مع موقع الأرض المنحدر للغاية؛ فهو حسب رأيه من أكثر السمات شيوعاً في العمارة العربية التقليدية، حيث تم حفر القبو بمنحدر التل ليشكل منصةً ضخمةً مكتسيةً بالحجر، يمكنها أن تعمل كورشة عمل أو استديو فني أو صالة عرض، وهكذا يكون التصميم قد نجح في فصل الوظائف العامة عن تلك الخاصة بالمنزل.

أما من الناحية الخلفية من قطعة الأرض، فتتحول المنصة هناك إلى جدارٍ استناديٍّ مكتسٍ بالحجر، يمكن أن يتسع لعدة شقق.

بالنسبة للمشربية، وهي بطلة العمل هنا، فلابد لنا من الوقوف عند دوافع المصمم لاعتمادها؛ يقع المنزل على قطعة أرض منحدرة أشبه بمنصة يقف عليها المشروع؛ لذا ارتأى عبد القادر أن يناقض تأثير الأرض الثقيل بكتلة عمودية خفيفة الوزن؛ وقد تم التوصل إلى ذاك التأثير العائم عبر التفسير الجديد للمشربية العربية، التي لطالما عملت كعتبةٍ تفصل المساحات الخاصة عن العامة.

لكن هنا ارتأى عبد القادر تحويل العنصر الخشبي الذي اشتُهرت به المشربية إلى كسوةٍ حجرية ضخمة تحيط بالمبنى كله، وبذلك جمع فكرة المشربية بالحجر، وقد تمكّن من بلوغ التأُثير شبه الشفاف للمشربية عبر المباعدة بين الأحجار بمسافات غير منتظمة، ما نتج عنه خفةً مذهلة ومسامية رائعة أضفت على المنزل أجواءً داخلية مميزة.

الجدير بالذكر هنا أن عبد القادر قد أبعد مشربيته الحجرية عن جدران المنزل الزجاجية بوساطة فراغٍ ضيقٍ؛ وهكذا وعن طريق اعتماد توزيعٍ مرح لفتحات كبيرة وأخرى صغيرة في المشربية الحجرية، يمكن لقاطني المنزل التمتع بمناظر وإطلالات على الخارج دون التضحية بعامل الخصوصية على الإطلاق.

وطبعاً لا يكتمل المنزل الفلسطيني العربي بنظر عبد القادر إلا مع الحوش والبستان؛ فمفهوم المساحات المفتوحة داخل وحول المنزل شهيرٌ في المنازل العربية، لكن في بيت المشربية هذا له طعم آخر؛ فقد عمد عبد القادر إلى رفع الفناء بين الجدار الاستنادي الخلفي والمشربية لتجسد نظير الحوش التقليدي، في الوقت الذي تحولت فيه المشربية في قمة المنزل إلى “جدار حديقة” يخفي وراءه حديقةً سقفيةً على نسق البستان المميز بهدوئه وخصوصيته المحمية.

أخيراً لم يتمكن عبد القادر الانتهاء من مشروعه دون إقحام بعض السمات المستدامة فيه، كيف لا وهي سمة هذا العصر؛ ولكن الاستدامة بنظر عبد القادر هنا لا تنفصل أبداً عن الاستمرارية التاريخية والثقافية، فالمشربية على سبيل المثال ليست مجرد عنصر تقليدي لعزل المساحات الخاصة عن العامة، بل هي عنصرٌ هام في التحكم بالمناخ؛ حيث تعمل كتلة الحجر في الكسوة الخارجية كحاجزٍ صاد يساعد في امتصاص الحرارة خلال النهار وإطلاقها خلال الليالي الباردة.

وهكذا تحمي هذه التقنية المبنى برمّته من الإشعاع الحراري والمطر في فصل الشتاء والرياح القوية على حدٍّ سواء، كما تضمن الفراغات بين الحجارة تدفقاً دائماً للهواء الطبيعي.

ليس هذا وحسب؛ إذ تمثل فجوة المتر الواحد بين الكسوة الخارجية وتلك الداخلية عنصراً تبريدياً مذهلاً؛ فهي لا تضمن تحركاً دائماً للهواء الطبيعي حول المبنى وحسب، وإنما تساهم أيضاً بفضل انفتاحها من الأعلى على السماء في توليد تأثير شفطٍ أشبه بتأثير الـ “تشيميني” أو الموقد، حيث يرتفع الهواء الساخن للأعلى بينما يتم سحب الهواء النظيف من الفجوة نحو الأسفل.

هذه كانت لمحة سريعة عن رؤية عبد القادر للمنزل العربي بلباسه المعاصر، فهل استطاع يا تُرى إلباسه بطريقة ملائمة دون المساس بهويته العربية؟

إقرأ ايضًا