استاد العين في الإمارات… بعيداً عن العين!

13

غارقاً في عمق أراضي الصحراء… بعيداً عن الأعين… وأشبه بكنزٍ مدفون، يقدم استاد العين نفسه على هيئة سلسلةٍ من الأسطح المنحدرة بشدةٍ والمنبثقة من قلب الأرض.

حيث تحدد هذه الأسطح جنباً إلى جنب مع الخلفية الجبلية البركانية التي تزين المشهد، مساحة الاستاد مع النشاطات الأخرى المتعلقة به، خالقةً مكاناً مبهراً يسمح بجمع أعدادٍ كبيرةٍ من المتفرجين تماماً في قلب المشهد الطبيعي المهيب.

لقد تم البحث بتعمق في مواضيع الحجم والتوقيت والنشاطات الخاصة بالمشروع، وهكذا وعن طريق غرس الاستاد عميقاً في جسد الأرض، تمكّن المعماريون من التعامل مع مسألة ضخامة حجم المشروع بطريقةٍ استراتيجية.

إذ لا يدمج التصميم نفسه بكل ما يحيط به بمنتهى البراعة وحسب؛ بل يلعب أيضاً على فكرة المسافة، مناوباً ما بين الإحساس القوي بالتمويه لدى رؤية المشروع عن بعد والحضور القوي لدى النظر إليه من مسافةٍ قريبة.

أما عن نشاط الاستاد في ساعات الليل، فتلك حكاية أخرى؛ إذ يبدو ليلاً كمنحوتةٍ طبيعية أو كفجوةٍ واضحة المعالم تتوهج خلال ساعات الليل، سامحةً للفعاليات الحماسية بتحويل الاستاد إلى حزمةٍ ضخمةٍ من الضوء الذي ينبثق من الأرض مباشرةً نحو السماء العالية؛ وهذا ما يحوله إلى رمز… وإلى عاملٍ هام من عوامل الاسترشاد والاستدلال على موقع أهم الأحداث الوطنية التي ستحدث وسط بيئةٍ صحراويةٍ عديمة المعالم.

يُذكر أن التصميم قد استوحي من نماذج المدرجات والمعابد التاريخية القديمة، إذ يشير إلى أول استادٍ إغريقي أُنشئ وسط مشهدٍ تضاريسي طبيعي. ولكنه هنا يأخذ هذه الفكرة خطوةً أبعد نحو الأمام متحدياً الموقع عبر نحته وتشذيب عناصره واللعب بعلاقة الكتلة والتفريغ.

كما يستعير المشروع شيئاً من معبد أناهيتا وفكرة الدخول المهيب إلى العالم الآخر، مقدماً مقاربةً استثنائية لمساحة الفعاليات والمناسبات الرياضية.

فهنا تم التعامل مع الموقع الموجود بمهارة وتم استخدام مواد بناء محلية دفعت المعماريين للّعب بمجموعة مدروسةٍ للغاية من الحجارة والرمال، التي لم تؤدي فقط إلى خلق الواجهة الرئيسة ونظام الأسطح البصرية الخاص بالموقع، ولكن أيضاً أدت إلى التوصل إلى مقاربةٍ إنشائية أكثر استدامة وإلى تصميمٍ لم يُهمَل أو يُستَبدل فيه أي نوعٍ من أنواع المواد، بل تم فيه إعادة استخدام كل شيء.

فعلى سبيل المثال، تم ابتكار نقوش بمنتهى الحذر بوساطة حجارة مستعادة، أدت إلى خلق نقوشٍ اصطناعية متعددة الطبقات مثيرة للغاية، تؤكد على السمات الطبيعية للموقع.

ويبقى السؤال نهايةً، هل سيصمد مثل هذا التصميم قروناً من الزمن ويتحول مثلاً إلى تحفةٍ تُبهر الشعوب القادمة تماماً كما تبهرنا اليوم أهرامات الجيزة في مصر؟ أم أن عمارة هذه الأيام غير قادرة على خلق صروح تصارع الزمن وتقهر عناصره وقواه؟

بكلمات أخرى، هل تكون مثل هذه الأفكار المجنونة قابلة فعلاً للتنفيذ والصمود؟ هل ستحتمل كافة العواصف الرملية والرياح الصحراوية القاسية التي تنتظرها، أم أنها ستُدفن تحت كثبانٍ هائلة من الرمال؟

إقرأ ايضًا